Menu

صراع السلطة بين النظام والمعارضة في الجزائر

محمّد جبر الريفي

خاص بوابة الهدف

ما يحدث في الجزائر الشقيقة من أزمة سياسية على خلفية الانتخابات الرئاسية المزمع إجرائها قريبا، هي محاولة شعبية على طريق استنساخ تجربة ثورات ما سميت حينذاك بالربيع العربي عام 2011 التي كان هدفها القضاء على ظاهرة الاستبداد والقمع السياسي، الناجمة عن تمسك الرؤساء بالحكم وعدم فتح المجال لتداول السلطة. لكن تلك التجربة المشروعة بدلا من القضاء على هذه الظاهرة، وقد تحققت بالفعل بإسقاط رؤساء بعض الأنظمة العربية، إلا أنها فتحت المجال بعد ذلك لتدخل القوى الإقليمية والدولية، مما أدى الى صراع دموي على السلطة السياسية فقدت فيه تلك الثورات الشعبية اتجاهها في المطالبة بالديموقراطية، وأصبحت تعبيرا عن نزعات طائفية وعرقية وجهوية، مما أضعف هذا الانحراف النظام السياسي نفسه؛ من حيث امتلاكه السيطرة على مقاليد الأمور في الدولة ألوطنية.

ظلت الجزائر الشقيقة بمعزل عن تجربة تلك الثورات الشعبية رغم أن عاملين أساسين قد توفرا للشعب الجزائري للحاق بها كما حصل في مصر وليبيا واليمن وسوريا، أولهما العامل الجغرافي، حيث أن الجزائر أقرب البلدان العربية إلى تونس التي انطلقت منها ثورات ما سمي بالربيع العربي، ناهيك عن التداخل الأهلي بين الشعبين الشقيقين الذي يربطهما بوشائج قربي عديدة. وثانيهما، طيلة مدة الأعوام التي قضاها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في منصب الرئاسة، مثله في ذلك مثل الرؤساء العرب الذين أطاحت بهم تلك الثورات الشعبية. لكن في رحلة البحث عن الاستقرار السياسي للبلاد، خاصة وقد عانت في فترات ماضية من نشاط إرهابي كانت تقوم به جماعات أصولية ظلامية متشددة، بدأت تتشكل لدى قطاعات من الرأي العام الجزائري مواقف سياسية وشعبية ترى في استمرار النظام السياسي الحالي الذي تأسس بشرعية حزب جبهة التحرير الوطني بعد انتصار الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، مدعوما بالجيش الوطني الشعبي ضمانه أكيدة في المحافظة على الاستقرار السياسي، وعدم الانخراط في الصراع الدموي على السلطة. لذلك لم يستطع التيار الإسلامي قبل ذلك من الوصول إلى سدة الحكم، رغم فوز الجبهة الإسلامية للانقاذ في الانتخابات التشريعية التي جرت في فترة سابقة من القرن الماضي، ولم يحصل على استجابة شعبية حين تحرك جنرالات الجيش داعما لبقاء النظام السياسي، وكانت النتيجة أن فاز عبد العزيز بوتفليقة أحد رموز الاستقلال الوطني ووزير خارجية الرئيس الأسبق هواري بومدين بعدة دورات انتخابية رئاسية، بعد أن استقر الوضع لصالح سيطرة أركان النظام وأصحاب القرار فيه. لكن بعد مرض الرئيس قبل سنوات أصبح استمراره في منصب الرئاسة مصدرا لإزعاج وقلق سياسي وفكري لكثير من النخب السياسية والثقافية وللقوى السياسية، كحزب جبهة المستقبل، وحزب مجتمع السلم، وحزب جبهة القوى الاشتراكية، الذي سحب نوابه من البرلمان دعما منه للحركة الاحتجاجية، وغيرها من الأحزاب.

 الملفت أن تفاقم سوء الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة لم يمنعه من ترشيح نفسه لفترة رئاسية خامسة، حيث تعهد في حال فوزه بإجراء إصلاحات هيكلية في النظام السياسي وإجراء انتخابات بعد عام، وذلك كما جاء في رسالته للشعب الجزائري، الأمر الذي شحن أزمة الانتخابات بعوامل الانفجار في أعقاب ذلك الإصرار على الترشح. وقد علق أحد السياسيين البارزين على ذلك بأن ترشح بوتفليقة هو إهانة للشعب واستخفاف بكرامته الوطنية.

هكذا أخذت الجزائر منذ منتصف شهر فبراير الماضي تقريبا، تشهد معارضة احتجاجية تتسع يوما بعد يوم؛ لتشمل فئات عديدة من الشعب الجزائري حتى من بين مؤيدي النظام، وأيضا من قبل نقابة المجاهدين الموالية تقليديا لشرعية حزب جبهة التحرير الوطني، وكلها فئات اجتماعية ومهنية تحمل رؤية متجددة إصلاحية في النظام السياسي، في إطار شعار تغيير النظام السياسي وليس إسقاطه.

لقد كان على أصحاب القرار في النظام السياسي الجزائري، وهم الطبقة السياسية التي تشمل مؤسسة الرئاسة من الوزراء، وكذلك مؤسسة رجال الأعمال، إضافة للمؤسسة العسكرية، ومنعا للحراك الشعبي بين مؤيد وهم يشكلون أقلية، وبين معارض لإعادة انتخاب الرئيس وهم الأكثرية وغالبيتهم من الأجيال الشابة ذات الطابع المهني؛ كطلاب الجامعات وأساتذتها والمحامين، وأغلب هذه الفئات والأجيال شهدت علاقة مضطربة بين النظام السياسي والقوى السياسية الأخرى، لما تحمله من فكرة التجديد. ولتأثرها أيضا بالحياة السياسية الفرنسية، وخاصة بما حدث مؤخرا في باريس والمدن الأخرى من احتجاجات عنيفة ضد سياسات الرئيس ماكرون، ومطالبته بالاستقالة، وحل الجمعية الوطنية، والدعوة للتغيير بإجراء انتخابات مبكرة. ناهيك عن حالة المعاناة المعيشية التي تقاسي منها فئات شبابية عديدة في بلد يذخر بالنفط والغاز الذي يجني من ورائها أموال طائلة. كان على أصحاب القرار في النظام السياسي منعا لحدوث هذه الأزمة الانتخابية المتفاقمة، أن يتم الإعلان عن مرشح توافقي آخر من بين رموزه لمنصب الرئاسة خلفا للرئيس بوتفليقة الذي يعاني من حالة صحية تزداد سوءا، ويصعب معها القيام بأداء وظيفته كرئيس في تسيير أمور الدولة.

والسؤال الذي يجب طرحه الآن، إذا ما أصر الرئيس بوتفليقة على المضي قدما كمرشح رئاسي للنظام أو إذا ما أعلنت المحكمة الدستورية عن تأجيل الانتخابات أو شغور منصب الرئيس: هل تشهد الجزائر حالة استقرار سياسي للبلاد؟ أم ستكون النتيجة تشكل أزمة سياسية وأمنية تُدخل البلاد في أتون صراع طويل على السلطة، كما هو حادث الآن في سوريا تبيح لقوى إقليمية ودولية التدخل وإعاقة أي حل سياسي ديموقراطي بهدف التغيير؟