بتاريخ ٢٢ نيسان ٢٠١٩، علّق السيد إبراهيم حجازين على المقالة المُعنونة "الحل الديمقراطي في فلسطين "المنشورة على بوابة الهدف الإخبارية" في عددها الصادر بتاريخ ٢١ نيسان/ابريل ٢٠١٩. عزيزي إبراهيم أشكرك على اهتمامك. لا شيء سَهل ولا شيء مُتاح بسهولة في الوقت الراهن، الأمور تزداد صُعوبة وتعقيداً، لكنّي أريد أن أبيّن ما يلي:
إنّ الأهداف التي أدعو لها في مقالي تنسجم تماماً مع أحكام الشرعيّة الدوليّة وقراراتها المتعلقة بفلسطين وهي بالتحديد القرارين (181) و(194)، هذان القرارين لم يسقطا بالتقادم، ولا زال الاعتداد بهما صالحاً وقائماً حتى هذه اللحظة، على أساس القرار (١٨١)، أُنشئت دولة الكيان الصهيوني في ١٤ أيّار/مايو ١٩٤٨. وعلى أساس هذا القرار، طَلبت دولة الكيان الصهيوني من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الاعتراف بها، وقبول عضويتها فيها، وعلى أساس القرارين (١٨١) و(١٩٤) واشتراط تطبيقهما، قَبِلَت الأمم المتحدة في ١١ أيار ١٩٤٩ بموجب القرار ٢٧٣ عضوية "إسرائيل" فيها.
إلغاء هذين القرارين يعني إلغاء "الأساس في القانون الدولي" الذي استندت عليه الوكالة اليهودية في إعلان إنشاء دولة الكيان الصهيوني في ١٤ أيّار/مايو ١٩٤٨، واستندت إليه دولة الكيان في تقديم طلب الدخول في عضوية الأمم المتحدة، ومن ثمَّ، قبول عضويتها في المنظمة الدولية في أيار ١٩٤٩. الدول التي اعترفت بدولة الكيان الصهيوني ووافقت على قبول عضويتها فيها.
أقول؛ اعترفت بها ووافقت على قبول عضويتها، على أنها دولة قدمت التزاماً بأنها تحترم وستحترم ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وجميعها اعترفت بدولة الكيان وفق حدودها المحددة لها في قرار التقسيم ١٨١ وهي الدولة الوحيدة في هذا العالم التي حددت الشرعية الدولية لها حدودها لأقرب متر، وحددت لها في القرار اشتراطات لم يسمح لها بانتهاكها أو تعديلها دون موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأستطيع أن أقول، أن الدول الـ ١٦٣ المُعْتَرِفة الآن بدولة الكيان الصهيوني (أي حتى العام ٢٠١٩)، مُعْتَرِفة بها ضمن حدودها المحددة لها وفق قرارات الشرعية الدولية (أي وفق القرار ١٨١)، أي ضمن ما مساحته ٥٥٪ من مساحة فلسطين، وعلى أساس أن مواطني هذه الدولة هم سكانها من الفلسطينيين العرب واليهود والذين كان عددهم في ذلك الوقت، أي في العام ١٩٤٧، حسب مصادر سلطات الانتداب هو ٤٨٥،٠٠٠ يهودي يملكون نحو (٢٥٪) من الأراضي في الأراضي المخصصة بموجب القرار لتلك الدولة، و ٤٣٥،٠٠٠ فلسطيني عربي.
هذان القراران هما الوحيدان اللذان خاطبا سكان فلسطين أي الشعب العربي الفلسطيني ويهود فلسطين. ولكي نَعي قيمة هذين القرارين وأهميتهما، دعني أخرج عن سياق إجابتي، بهذا الاستدراك: القرارين ٢٤٢ (الصادر في تشرين الثاني من العام ١٩٦٧) و ٣٣٨ ( الصادر بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣)، لم يتعاملا مع مسألة فلسطين (لا أرضها ولا شعبها)، وإنما مع المسائل التي نَشأت عن احتلال "إسرائيل" لأراضي دول عربية ثلاثة ( مصر وسورية والأردن- الضفة الغربية كانت عند احتلالها جُزْءًا من أراضي الاْردن. فالدول العربية التي اعترفت بهذين القرارين وقبلت بهما مُلزَمة بالتعامل مع القرار ٢٤٢ وكذلك القرار ٣٣٨، ولكن الشعب العربي الفلسطيني (والشعوب العربية) لا يفيده ولا يفيد قضيته أن يتعامل هو معهما، وأن يُعالِج شؤون قضيّته من خلالهما، لا بل أنّ ضرراً بالغاً قد يلحق به إذا تعامل مع قضيته من منظور هذين القرارين.
وفي هذا الجانب أرى أن من يتعامل من الشعب العربي الفلسطيني مع قضيته من منظور القرارين المذكورين يُريح الدول العربية من التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية، ومن العبء الذي سيترتب عليها تحمله في حال قيامها بالاعتراف بكيانات ثلاثة على أرض فلسطين محددة وفق مقتضيات قرار الشرعية الدولية رقم ١٨١ )وليس فقط وفق أحكام القرارين ٢٤٢ و ٣٣٨) وتجاه اللاجئين الفلسطينيين وإعادة ممتلكاتهم لهم وحقهم في تقرير مصيرهم وفق أحكام قراري الشرعية الدولية (١٨١) و(١٩٤)، ولأنها أهداف يُشرعها القانون الدولي، فهي أهداف يمكن تحقيقها إذا ما تبنينا إستراتيجية نضال صحيحة وسليمة وتستند على هذين القرارين.
وفي السياق هذا أقول: كما استفادت الحركة الصهيونية من موازين القوى العالمية المُتغيرة مع تَغيُّر الظروف والزمن، ونَجحت في انتزاع قرار من الشرعية الدولية في العام ١٩٢٠(من عُصْبة الأمم) بتضمين صك الانتداب على فلسطين أحكام تُلزم الدولة المُنْتَدبة (بريطانيا) تهيئة أحوال فلسطين بما يسمح بتنفيذ وعد بلفور، فإنَّ العقل والمنطق - والأمانة والإخلاص لقضية هذا الشعب ولمصالحه الوطنية - يقضيان بأن نستفيد من قراري من الشرعية الدولية المذكورين (١٨١ و١٩٤)، والأول منهما يقضي بتقسيم فلسطين الى ثلاثة كيانات، ويقضي كذلك بأن يتمتع سكان فلسطين (الفلسطينيين العرب ويهود فلسطين) بحقوق مُواطنة كاملة ومتساوية، ويقضي أيضًا بمنع المجالس التشريعية التي ستتشكل في كل من الكيانات الثلاثة من سَنِّ تشريعات مُخالِفة لأحكام قرار التقسيم إلا بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة. المُشكلة كَمِنَت في ذلك الوقت (أي في الأعوام ١٩٤٧، ١٩٤٨ و١٩٤٩) في أنَّ كل من "الهيئة العربية العليا لفلسطين" (والتي اعتبرتها الجامعة العربية في منتصف العام ١٩٤٦ مُمَثِّلة للشعب العربي الفلسطيني)، وجامعة الدول العربية نفسها، وجميع دولها الأعضاء فيها، لم يعترف أي منها بقرار التقسيم منذ أن صدر في العام ١٩٤٧، وبقيت حتى الآن لا تعترف به (لا بل، فإنها صَوَّتَت ضد القرار ١٩٤ عند طَرْحِه للتصويت في الجمعية العامة للأُمم المتحدة في ١٢ كانون أول ١٩٤٨، وهو القرار الذي قضى بإعادة اللاجئين الفلسطينيين الى دِيارهم وإعادة ممتلكاتهم لهم، وثَبَّتَ حتى تاريخه، مبدأ حق عودتهم الى دِيارهم في فلسطين وإعادة ممتلكاتهم لهم.
إنَّ المشكلة كَمِنَتْ في أن الهيئة العربية وجامعة الدول العربية ودولها التي أرْسَلت وحدات من جيوشها إلى فلسطين في العام ١٩٤٨، فَشِلَت جميعها في مَنْع إنشاء دولة الكيان الصهيوني فيها، وفَشِلَت ثانيًا في المُحافَظة على الأراضي التي خَصَّصّها قرار التقسيم للدولة العربية الفلسطينية، وفَشِلَت ثالثًا في إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى دِيارهم في المناطق من فلسطين التي خَصَّصَها قرار التقسيم لكل من الكيانات الثلاثة التي قضى بإقامتها في فلسطين، بمن فيهم الفلسطينيين من مواطني الدولة اليهودية إلى دِيارهم في الأراضي التي خصصها القرار المذكور لتلك الدولة. كما أن جميع تلك الجهات وافقت، ما بين شباط و تموز ١٩٤٩، على توقيع اتفاقيات هدنة دون أن تربط تفعيل أو تطبيق أحكام هذه الاتفاقيات (التي وقعتها مصر ولبنان وشرقي الاْردن وسورية) بـشرط وضع قرار التقسيم موضع التطبيق، وليس بـشرط تفعيل القرار ١٩٤ القاضي بإعادة اللاجئين الفلسطينيين (الذين غادروا فلسطين قهرًا أو طوعًا) إلى دِيارهم وإعادة ممتلكاتهم لهم، هذا بالإضافة، إلى أنَّ جامعة الدول العربية والدول العربية الأعضاء فيها (مصر، اليمن، السعودية، لبنان، سورية، العراق، وشرق الاْردن) سَمَحَت عمليًا لدولة الكيان الصهيوني بالاستفراد بالأراضي التي احتلتها من فلسطين دون أي تحدي حقيقي، ودون أي محاولات ضغط لتطبيق القرار (١٨١) أو القرار (١٩٤)، ودون إخضاع دولة الكيان لأي مُساءلة أمام المجتمع الدولي عن مدى التزامها بتطبيق الشق الخاص بالدولة اليهودية في قرار التقسيم رقم ١٨١ - بذريعة عدم اعترافها به- لا بل وأنها قامت عمليًا بمساعدة دولة الكيان الصهيوني عبر انتهاجها نهج "تغييب الفلسطينيين" أرضًا وشعبًا، بالكامل طيلة الفترة الممتدة من العام ١٩٤٩ و١٩٦٤، و قصرت التعامل مع قضيتهم طيلة تلك الفترة على أنها مشكلة ذات بُعْد إنساني فحسب، أي بكونها مشكلة لاجئين يعيشون في "چيتوات" في كل من ضفتي الاْردن، وفِي كل من سورية و لبنان أُسمِيَت "مخيمات لاجئين"، وأُنْشِئَت للتعامل مع مشكلتهم هذه "وكالة دولية" (الأونروا) تَعني بقضية إعاشتهم وتشغيلهم خارج فلسطين (أي داخل الدول التي استضافتهم ، وفِي السعودية ودوّل الخليج) من أجل تنفيس الضُّغوط التي وَلَّدَها تَشَرَّدَهم الناجم عن حَملات الإرهاب والتطهير العِرْقي التي تعرضوا لها على يد المُنظمات الإرهابية الصهيونية، وعدم تحويل تلك الضُّغوط إلى عمل تحرري ممنهج يحقق لهم الخلاص الوطني وتحرير بلادِهم، ويبقي دولة الكيان طيلة فترة النشوء والتكوين تحت ضُغوط حقيقية يُمارِسها ضحايا إرهابها وحملات التطهير العِرْقي التي مارستها بحقهم.
كل ما تقدم يعني أن موازين القوى تصنعها نضالات الشعوب، شريطة أن تمتلك استراتيجية نضال وطني سليمة وخطاب وطني مفهوم لسكان فلسطين؛ عربها ويهودها، وللشعوب العربية، وللمجتمع الدولي بمن فيهم مواطني بلدان العالم من اليهود.
أخيراً أقول: إنَّ عدم إحراز نتائج ملموسة على صعيد القضية الوطنية والقومية الفلسطينية، بالرغم من التضحيات الكبرى التي دفعها شعبنا العربي الفلسطيني، وشعوبنا العربية مَرَدَّه غياب إستراتيجية نضال وطني وقومي صحيحة، داخليًا وخارجيًا، والاختلال والخلل المركزي في خطابنا السياسي، داخليًا؛ فلسطينيًا ويهوديًا وعربياً، وخارجياً كذلك، وإدارة شؤون قضيتنا الوطنية في إطار تكوينات تنظيمية فلسطينية، لا ديمقراطية، وغير فعالة، وبالتالي فإنَّ تصحيح الموازين يستدعي تصحيح الاستراتيجية والخطاب والإطار التنظيمي وأدوات العمل. هذا المسار سيؤدي حتمًا إلى توليد شروط بلورة حل ديمقراطي لمسألة فلسطين (عربها ويهودها) على أرضها كلها ولجميع سكانها بمن فيهم الشعب العربي الفلسطيني في كافة أماكن تواجده على قاعدة إحقاق حقوقه وتصويب الخطايا التي ارتكبتها الصهيونية العنصرية وبريطانيا والولايات المتحدة بحقه.