أحيا الفلسطينيون، يوم السبت، الذكرى الأربعين لرحيل الشاعر الفلسطيني الكبير خليل توما، في قاعة الميلينيوم بجامعة بيت لحم بالضفة المحتلة، الذي توفي في شهر شباط/فبراير الماضي.
وجرى الحفل بتنظيم من حزب الشعب وعائلة الراحل توما، وقد حضره بسام الصالحي الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، ووزير العمل أبو جيش، ومحمد بركة رئيس لجنة المتابعة العربية في الداخل، وميشيل صنصور نائب رئيس جامعة بيت لحم، ونافذ الرفاعي رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين، والأب عطا الله حنا، وراسم عبيدات، وعيسى قراقع.
استهل الاحتفال الذي أدار عرافته البرت هاني، بالنشيد الوطني الفلسطيني ودقيقة صمت على أرواح الشهداء، فيما ألقى الدكتور ميشيل صنصور النائب التنفيذي لرئيس الجامعة كلمة ترحيبية بالحضور الحاشد، مذكرا ان جامعة بيت لحم، وعلى مدى العقود الماضية قد اعتمدت نشيدها السنوي للخريجين بقصيدة شعر كتبها المرحوم توما، والتي يقول مطلعها "من عزمنا تستيقظ الشرارة".
و ألقى نافذ الرفاعي رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين كلمة بهذه المناسبة، أشاد فيها بالفقيد توما الذي وازن ومزج ما بين النضال الوطني الفلسطيني، وما بين إبداعاته الأدبية التي وظفها لخدمة القضية الوطنية، وتحريض الأجيال على مواجهة ومقارعة الاحتلال، ولهذا لاحقه واعتقله، ومن ثم وضعه قيد الإقامة الجبرية ، وقال "إننا أمام شاعر وأديب فلسطين عريق من جيل الأدباء والكتاب الذين وثقوا للقضية الوطنية بكل جدارة واستبسال".
وقال بركة أن الأديب والمناضل خليل توما كان دوما ملتصقا بقضايا جماهير شعبه، إلى جانب محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم وتوفيق طوبي وإميل حبيبي وإميل توما والقائمة تطول، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هؤلاء القامات، حيث تواجه قضيتنا الوطنية محطات صعبة للغاية، وخاصة بعد إعلان ترامب القدس عاصمة إسرائيل، وإعلان الجولان السوري بأنها تابعة للكيان الإسرائيلي، إضافة إلى محاولة تجفيف وكالة الغوث لشطب قضية اللاجئين ، ولذا فإننا نؤكد بكل وضوح، أن هذه القضية لم تمت وستبقى حية إلى ان تتحقق العدالة في العودة والدولة وتقرير المصير.
اما الصحفي حسن عبد الجواد فألقى كلمة باسم لجنة التنسيق الفصائلي في المحافظة قال فيها" المناضلون الكبار يفاجئونا دائما برحيلهم، لكن صوت صهيل خيولهم الأصيلة، كعراقة شجر زيتون بيت جالا وزيتها، يتحول فينا وعيا ثوريا ووهجا لا ينطفئ، رغم إحباط المحبطين والمتآمرين والمطبعين، في مواجهة وتحدي هذا الواقع الانهزامي والمتردي على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وهذا الانقسام الفلسطيني الذي عصف بوحدتنا الوطنية على مدى 13 عام مضت.
وقال : "الرفيق خليل توما القائد والشاعر التقدمي والمثقف الثوري ابن مدينة بيت جالا وخريج هذه الجامعة وواضع نشيدها، احد كبار المناضلين الوطنيين والامميين الذي صاغوا من تجربتهم ومعاناة وتضحيات شعبهم طريقا ورؤية وثقافة للمقاومة، وطريقا للحرية والكرامة والخلاص من هذا الاحتلال الغاصب، وللوحدة الوطنية، وبناء مجتمع ديمقراطي يستند إلى مبدأ احترام الحريات العامة والتعددية السياسية والفكرية والعدالة الاجتماعية."
وتابع : "لقد كان خليل توما إنسانا وشاعرا ومثقفا ثوريا مقاوما للاحتلال تميز بكل الخصائص الإنسانية والأخلاقية الاستثنائية، والتي جعلت من شخصيته وسلوكه ووعيه التحرري والاجتماعي الطبقي لقضية شعبه العادلة قوة مثل، وإرادة لا تكسر، ونموذج قادر على التغيير."
ولفت عبد الجواد إلى أن، شاعرنا خليل توما سار على نهج ودرب من سبقوه من الشعراء والأدباء والمناضلين أمثال الكبار "محمود درويش، و غسان كنفاني وتوفيق زياد، وسميح القاسم" الذين ضخوا وعيا ثوريا وإنسانيا في الوعي الجمعي والثقافي لمختلف الأجيال الفلسطينية، وشكلوا جوهر ثقافة الشعب الفلسطيني بإبعادها الوطنية والقومية والإنسانية.
وقال: " لقد شكلت التجربة الجدلية الخصبة للراحل الكبير خليل توما، في النضال السياسي والنقابي والاجتماعي والثقافي، تنوعا وتكاملا استند إلى عقائدية ورؤية راسخة، جعلت منه أكثر دفاعا و انتماء للفقراء والكادحين والمهمشين، وإصرارا على النضال ضد المحتل ومواجهة الفكر التكفيري الظلامي، والتطبيع والمطبعين، وعرب أميركا ومؤامرة صفقة القرن، الذين باعوا أمتهم وقضية شعبنا، ودمروا مقومات وحدة العالم العربي."
والقى الصالحي كلمة قال فيها "ودعنا منذ فترة قصيرة مناضلا كبيرا ورفيقا عزيزا على قلوبنا جميعا، وهو الرفيق العزيز خليل توما (ابو فادي). ولا شك ان من الصعب جدا تعويض هذه الخسارة. فنحن في زمن اكثر ما نحتاج فيه الى أمثال الرفيق ابو فادي ذو البوصلة الوطنية والطبقية الواضحة، وصاحب الانتماء الفكري والسياسي والطبقي العميق".
ولفت إلى اننا نتحدث عن مناضل جسور، حسم خياراته الوطنية والطبقية مبكرا وخاض غمار النضال الوطني في صفوف حزبه والجبهة الوطنية، فلم يتردد ولم يضعف أمام آلة القمع وأمام عصي الجلادين وأمام حلكة السجن والقيد، ونتحدث عن مناضل طبقي أصيل ساهم في تطوير الحركة النقابية الفلسطينية، فكان من مؤسسي نقابة عمال الفنادق ومن قادة الحركة النقابية في أحد أهم معاقلها أواخر السبعينات، في مدينة القدس المحتلة. نتحدث عن مهني مخلص ومجتهد، طور إمكانياته اللغوية وامتاز بالجدية والمصداقية في عمله المهني وطور ملكاته وقدراته، فبات أحد أهم المراجع المهنية في مجال عمله في الترجمة. ونتحدث عن شاعر مرهف حساس وأديب مبدع، اخترقت قصائده جدران السجن فلامست النجمة فوق بيت لحم، وأيقظت واستيقظت على وقع اشعاره أجيال من الرفاق الذين صنعت منهم قصائد خليل توما وتوفيق زياد ومحمود درويش ومعين بسيسو وسميح القاسم حزباَ بات فيه الكل رفيق".
وقال " ان حزبنا يواجه تحديات كبيرة تكثفت أمامه كما هو الحال أمام القضية والحركة وشعبنا الباسل، التحديات التي راكمت أسئلة تحتاج الى إجابات شافية تربط بعمق بين الذاتي والموضوعي . الموضوعي الذي عايشت فيه التغير الحاد على صعيد القضية الوطنية بعد اتفاقات اوسلو وفشل هذا المشروع في ايصال شعبنا الى هدف التحرر والاستقلال الوطني، والموضوعي الذي شهد التبدلات الحادة في الواقع الطبقي، الاقتصادي والاجتماعي لشعبنا، ولأطره الجماهيرية المختلفة، والتي اختطفت، فباتت في معظمها أما ظلاَ لبيروقراطية السلطة والقطاع الخاص أو للممولين والمانحين وبرامجهم. والموضوعي أيضاَ الذي شهد انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي والأثر المدوي لذلك على العالم بأسره، وفي المركز منه الحركة الشيوعية وحركات التحرر الوطني، وكذلك على القضية الفلسطينية، أما الذاتي فهو كثير أيضاَ، وليس أقله الارتباك الفكري والتنظيمي والطبقي، وتجلياته المختلفة. "
ولفت الصالحي، إلى ان حزب الشعب يستعد لعقد المؤتمر العام ومواجهة كل التحديات الماثلة أمامه، وبعزيمة الشيوعيين قادرون على اجتياز أية عقبات أو أية أزمات كانت، دون أي ربط باستقلالية مواقفنا السياسية التي نعتز بها، إننا واثقون بطريق الحزب السياسي والوطني، والقائم على التحليل العلمي وأولويات كل محطة من محطات نضالنا الوطني والطبقي والديمقراطي، وعلى احترام قدرة هيئاته على اتخاذ القرارات وفقاَ لهذه الاعتبارات.
واستعرضت فداء توما كريمة الشاعر الفقيد محطات والدها في الحياة العامة، وكيف كان حريصا على أبنائه، وعلى تكوين أسرة منظمة ومتماسكة، مواجها الظروف الصعبة وخاصة الوضع المادي، حيث عمل صحفيا، وانتقل للعمل من صحيفة الى أخرى، أخرها كان العمل في صحيفة الفجر باللغة الانجليزية. كما ذكرت كيف انبرى للعمل في الترجمة، واجل تأليف الشعر من على ذلك المكتب الصغير في البيت، من اجل الحصول على لقمة عيش كريمة. وشكرت باسم العائلة كافة محبي والدها فبوقفتهم الكريمة تركت الأثر الكبير في نفوسنا جميعا.
وتخلل الاحتفال الذي حضره حشد كبير من المواطنين وممثلي الفعاليات المختلفة عرض فيلم وثائقي عن حياة الراحل.