في خطين متوازيين يبدو أن لا لقاء بينهما، تسير الإرادة الشعبية في مجابهتها مع الاحتلال، وفي موضعٍ مُغاير تسير الخطوات والقرارات الرسمية، فبينما صمدت هبة اللبدي شهر ونصف في وجه الاحتلال وآلام الجسد لتجبره على إطلاق سراحها، كما فعل ويفعل سامر عربيد في كل يوم من عمر هذه المسيرة الطويلة من النضال الوطني الذي اختاره شعب فلسطين، يستمر التلكؤ والتعطيل الرسمي لكل خطوة وطنية قد تكون ذات قيمة، وتستمر الرهانات المختلة والقياسات الفاسدة كمعيار لهذه المقاربات.
إجراء الانتخابات مطلب جماهيري مستمر منذ سنوات، وقد استبشرت شريحة واسعة من الفلسطينيين خيرًا بالإعلان الرئاسي عن النية في إجراء انتخابات تشريعية، رغم كل ما أحاط بهذا الإعلان من لغط وغموض وإبهام، حيث صدر الإعلان كغيره من القرارات المنفردة التي تحضر أو تغيب بين ليلة وضحاها، وتعاونت معظم الفصائل الفلسطينية بشكل ايجابي مع هذه الوجهة، باعتبار الاحتكام لإرادة الجمهور الفلسطيني أمر لا مناص منه.
لكن ما تثبته الوقائع تدريجيًا عدم وجود نية حقيقية للاحتكام لإرادة الجمهور الفلسطيني، حيث يتم تحديد مسار الانتخابات بما يلائم فريق بعينه. وبعيدًا عن ضرورات التوافق الوطني على ما يكفل سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها، ويتم تصميم ظرف انتخابي لا يمكن إلا أن يُقيِّم سلبيًا من كل عاقل، فالانتخابات ليس أداة مغالبة أو جزء من منظومة قهر، بل هي جزءًا من عملية ديموقراطية تظللها توافقات وطنية ومجتمعية كبرى، ويفترض بها أن تثمر الكثير في خدمة المصلحة الوطنية.
فكرة اختزال النموذج الديموقراطي الذي نحتاجه في الانتخابات، ثم اختزال هذه الانتخابات بشكلها، أي بالصندوق وأوراق التصويت، لهي خلل خطير على مستوى المفهوم والممارسة، يتم استخدامه لتكريس نموذج من التفرد، تحضر فيه الانتخابات كديكور مسرحي يغطي هذا التفرد والسياسة الإقصائية.
إن تمسك قوى العمل الوطني وكل حر وطني مؤمن بالديموقراطية، بحق الجمهور الفلسطيني في اختيار ممثليه وممارسة إرادته الحرة، وصنع سياساته يجب ألا يتزعزع، وأن يتم العمل على تحقيقه بخطوات نضالية وجماهيرية واثقة حازمة، واسعة النطاق عميقة الأثر، فلا مكان بعد اليوم لهذا التفرد والتعطيل المميت للحياة السياسية الفلسطينية، ولا مكان للإقصاء والتهميش وسياسة الإملاء والمغالبة في بيئة المجموع الوطني الفلسطيني.. ففي مواجهة مخططات التصفية وأدواتها، تصبح الحاجة لكل أشكال المشاركة الشعبية لا في دفع أثمان النضال فحسب، بل وفي صناعة السياسات والقرار الوطني، وتحديد شكل المنظومة التي ستقود كفاح هذا الشعب.