(تنشر بوابة الهدف مواد الملف الخاص الذي تناولته مجلة الهدف في عددها الأخير التاسع رقميًا (1483) بالتسلسل التاريخي، بعنوان: الذكرى 52 لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ).
تمثل الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وما أفضت إليه من ردود فعل مؤيدة وأخرى رافضة حالة جدل في الساحة الفلسطينية، في ظل الأزمة المتواصلة التي تعصف بالحالة الفلسطينية منذ ما يزيد عن 13 عاماً، وحالة العجز في الإجابة عن الأسئلة الكبيرة والتحديات الراهنة التي تمر بها القضية الفلسطينية.
ولعل السؤال الأبرز الذي يقف ماثلاً أمام الحركة الوطنية الفلسطينية طوال أكثر من قرن من الصراع، وفي مختلف محطات النضال هو السؤال التحرري: إلى أي مدى تهيأت الحركة الوطنية للإجابة على هذا السؤال؟
ليس وظيفة هذه المقالة سبر أغوار التاريخ الفلسطيني الحديث، لِتَلمّس هذه الإجابة على الأسئلة الاستراتيجية، وإنما ما يهمنا هو لفت الانتباه إلى خطورة اللحظة السياسية الراهنة، وما تنطوي عليه من أزمات متراكمة قادت إلى ما قادت إليه من استفحال شامل في وضعنا الوطني، ووصل ذروتها بعد ما أفضت إليه نتائج انتخابات عام 2006، وما نتج عنها من تداعيات وتصدعات في البيت الفلسطيني، وأدت إلى الانقسام في الحالة الوطنية، وإلى تشكيل جسمين سياسيين وحكومتين مختلفتين، وصولاً للسنوات الماضية التي أمضيناها في ظل الانقسام، وحلقات جلسات المصالحة دون الوصول إلى نتائج تفضي إلى حلول للأزمة الراهنة، وإبقائها رهناً للتوترات والمماحكات والتوظيف السياسي حتى وصلت إلى درجات تُعبّر عن حالة من الانحطاط والتردي في الأوضاع الوطنية الداخلية.
وارتباطاً بذلك، ثمة أسئلة كبيرة مشروعة حول ماهية هذه الانتخابات في ظل هذا الواقع، وكأن هذه الانتخابات باتت هي الحل السحري لكافة إشكالياتنا المستعصية، ولعل أبرز الأسئلة يتلخص بالتالي: هل عجزت الحركة الوطنية الفلسطينية والطبقة السياسية عن الإجابة عن سؤال المصالحة وإنهاء الانقسام؟ ألا تستدعي معركة التحرر الوطني تنازل من كافة الأطراف عن بعض المسائل الخلافية؟ ألا تُعد الدعوة للانتخابات في ظل بقاء الانقسام وما يتعرض له شعبنا من مخاطر وجودية هروب إلى الأمام ونأياً عن معالجة المسائل الجدية من جذورها؟ هل الانتخابات تفتح الباب أمام الوحدة؟ أم أنها ستزيد الطين بلة وستنتج مزيد من الأزمات؟ وهل توجد ضمانات لعدم تكرار ما حدث في انتخابات عام 2006 في حال فوز أي طرف من الأطراف وعدم اعتراف الطرف الآخر بنتائجها؟ وماذا عن الاحتلال فهل ستقبل "إسرائيل" بالنتائج مهما كانت؟ وهل هذه الانتخابات التي يجري تهيئتها بمقدورها حماية الأرض من الاستيطان والتهويد؟ وهل من شأنها أن تتقدم بالنضال الوطني أم تعيد إنتاج الأزمة؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة مرهون بمدى إدراكنا لخطورة اللحظة السياسية، فهل نحن مدركون لما يجري من حولنا؟ من الواضح أن الحركة الوطنية الفلسطينية باتت عاجزة عن حل الأزمة الداخلية لأنه ببساطة لا تتوفر إرادة سياسية للحل، وباتت مفردة المصالحة مستهلكة ومبعث للإحباط، ووسيلة للاستخدام والابتزاز السياسي.
إن بديهيات الإجابة على سؤال الانقسام هو إنجاز المصالحة، وإن إنجازها يجب أن يؤدي إلى الانتخابات وليس العكس، لأن المصالحة هي من تقود إلى عملية انتخابات، وفكرة أن تؤدي الانتخابات إلى مصالحة شيء عبثي، بل وربما تصيبها بمقتل أو تؤجل إنجازها لسنوات طويلة.
ومن هنا فإن المدخل الأساس لترتيب البيت الفلسطيني هو المصالحة التي ستقود إلى الشراكة الوطنية، أما الإجابة على سؤال التحرر الوطني فهو بالمقاومة والشراكة السياسية، لذلك كان من الأجدى أن تبذل القيادة الفلسطينية جهداً لتطبيق قرارات الإجماع الوطني بتفعيل الأطر القيادية، وتشكيل قيادة وطنية موحدة تتصدى لمهامنا الوطنية التاريخية والملحة، أما إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية ليس هو الحل، لأن السلطة هي جهاز خدماتي وإداري، وخاضعة لإفرازات أوسلو وليس بمقدورها التصدي لمهامنا الوطنية والتاريخية، وأن تتصدى لسؤال التحرر الوطني، وإنما هذه الوظيفة من مهمة منظمة التحرير، وعلى ما يبدو أن سنوات الأزمة قد غيّرت المعادلة بحيث باتت السلطة ومكوناتها هي الأساس فيما باتت منظمة التحرير جسماً ثانوياً جرى ويجري تهميشه وإفراغها من محتواها ومن وظيفتها السياسية والتحررية.
إن ما ينبغي التركيز عليه في الوقت الراهن هو إعادة بناء منظمة التحرير لتستوعب الكل الفلسطيني، عبر اجراء انتخابات مجلس وطني جديد بمشاركة الجميع كمهمة أساس، وبما يرسم الاستراتيجية الموحدة التي يُجمع عليها كافة الفلسطينيين في الداخل والخارج لمجابهة الاحتلال ومشاريعه، أما الانتخابات الرئاسية والتشريعية فينبغي أن تكون مسألة ثانوية، مع أن مسألة إجراءهما في ظل أننا ما زلنا حركة تحرر وطني مسألة عبثية، ويمكن ربط إجرائها من عدمه بعملية المراجعة السياسية لمرحلة أوسلو وفي عملية القطع مع هذا الاتفاق الكارثي.
وأخيراً، إن الرد الفلسطيني على تهديدات الاحتلال اليومية بالمسارعة بتطبيق مخرجات الحوار الوطني والاتفاقيات الداخلية، والمسارعة إلى تشكيل الأطر القيادية الموحدة التي من شأنها أن تتصدى لممارسات الاحتلال، وليس الذهاب لانتخابات نتائجها يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر، وقد تستغلها "إسرائيل" لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وخاصة الأغوار والكتل الاستيطانية، ومجابهة هذه المشاريع الخطيرة لا تتم عبر صندوق الانتخابات، ليواصل شعبنا مقاومته، ولتأتي المصالحة أولاً لتطبيق ما أفضت إليه الحوارات وإعادة بناء منظمة التحرير، وأي انتخابات عملية وناجعة هي انتخاب المجلس الوطني.
انتهى