Menu

حزيـــنـًا: الــوهيـبـي يـودع طبـريـا !!

الفنان الفلسطيني محمد الوهيبي

بوابة الهدف_ألمانيا_أحمد بدير

وصل إلى ألمانيا، وتوفي حزينآ لأنه لم يستطع لم شمل أسرته المتواجدة في هولندا ، أولاده فوق السن القانوني، وله ابن في روسيا، ولم يستطع أن يجمعهم في منزل واحد مثل أيام الشام. تفرقت العائلة بسبب الحرب و لم تعد قادرة أن تلتقي سوى في الزيارات بين بلاد الله الواسعة .

فنان فلسطيني من مواليد طبريا ب فلسطين عام 1947، هجّر مع عائلته إلى سوريا، إثر نكبة فلسطين في العام 1948، استقر بهم المطاف بدايةً في مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين، على سفوح جبل الشيخ، حيث تشبعت عيناه بالمناظر الطبيعية الخلابة، ثم استقر في مخيم اليرموك .

درس في دار المعلمين في حلب، ثم اتجه للتدريس في الأرياف, وتابع تحصيله في كلية الفنون الجميلة في دمشق قسم الحفر، ليتخرج منها في العام 1984.

عضو في الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين فرع سوريا, وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية واتحاد الفنانين التشكيليين العرب.

له معارض ولوحات كثيرة ظلت الذاكرة الشعبية الفلسطينية، عنصرا حاضراً فيها، خصوصاً من خلال تراثها التزييني في الحلي والوشم والنقوش الجدراية، وقد وظّف هذه العناصر لينشَط بفنه في إطار قضية اللاجئين الفلسطينيين, هكذا يقول أصدقاؤه.

هو محمد الوهيبي، يقول عنه البروفيسور في جامعة دمشق أحمد نسيم برقاوي عبر صفحته على موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك: في لحظة تنتشر فيها رائحة الموت رحل الرسام الفلسطيني السوري محمد الوهيبي... قبل أن تتقطع بِنَا السبل بفترة قصيرة دخلتُ مرسمه في مشروع دمر بدمشق، ملأت أساطير كنعان المكان، فرح الأطفال في عينيه، و راح يحكي وانا أستمع وأنظر ، وفجأة توقف عند لوحة، واللوحة لفتاة في مقتبل العمر.. هنا قال لي:

هذه (زغندة) وزغندة اسم فتاة فلسطينية ، والأسم منتشر في قرى فلسطين وحوران ، وراح يحدثني عن زغندة ، ثم فتح دفتراً مترهلاً و بدأ يقرأ كلاماً هو إلى أدب الصوفية أقرب و بعد طقوس حميمة من الضيافة ودعته على أمل أن نلتقي .

ويكمل برقاوي " لم نكن ندري بأن لقاءنا سيكون الأخير حيث رحل كل منّا الى صقع مختلف من أصقاع الأرض, المولود في طبريا والمتربي في مخيم خان الشيح والعائش في مخيم اليرموك ، والمطل على دمشق من دمر برلين محطته الأخيرة " .

صديق الحب والجمال

الفنان الوهيبي أقام العديد من المعارض الفردية، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية حول العالم , وتتميز أعمال الوهيبي بتقنيتها العالية والفريدة من نوعها بالحفر و التصوير, وهو مجرب دائم ممتلك لأدواته , ومن كلماته الخالدة ( إن أهم ما يميز اللوحة هو التقنية، وفي أي عمل فني لا بد من إظهار جانب الفكرة أو الدلالة الذي يساوي الجانب التقني، والجانب التقني هو رافع الفكرة، وبهذا تتوهج طاقة التجربة التقنية مع الفكرة ) .

الفنان التشكيلي موفق مخول ودّع صديقه فكتب : رحل صديق عمري رحل صديق الحب والجمال رحل من علمني كيف أكون إنساناً رحل من علمني أنّ الفن هو ظل الله على الأرض رحل وأخذ قطعة من قلبي وروحي معه دون أن يعلم.. إنني حزين عليك يا وطني لأن ترابك لم تتقدس بجسد هذا الملاك !. محمد سوف تظل ذكراك في روحنا في حبنا في ألواننا في لوحاتنا في قهوتنا في كاسنا.. وداعاً يا أيها العصفور.. وداعاً يا أيها الزهرة يا أيّها الفراشة .

الذكري الجميلة

يقول إبراهيم شاهين أحد طلاب الراحل الوهيبي " كنا في الصف الثامن ، دخل علينا بثياب سود و لفحة حمراء طويلة، سأل بعضنا عن اسمه وصار يكتب الأسماء على السبورة ، كل اسم بخط مختلف عن الآخر, حديث ممتع، لم نشعر ﻷول مرة معه أن حصة الرسم عبث فارغ و ملل و زجر .

في الدرس التالي كانت المفاجأة، (كتالوغات) ضخمة جلبها معه ، فيها عدد هائل من اللوحات عن التماثيل الطينية التي خلد فيها الصينيون ثورة الفلاحين الأقنان ، وحديث لا حدود له عن الفن والثورة والحرية .

في حصة الرسم التالية، لم يكن نفس الأستاذ، جاءت آنسة جميلة كتبت على اللوح : موضوع اليوم رسم حر عن فصل الخريف .

ولما سألها أحدنا إن كانت ترسم قالت "خطيبي ملازم اول بالجيش ما بيحب الرسم" , سألناها عن الأستاذ قالت "يمكن ما عجب الإدارة" .

الأستاذ الذي حدثنا عن ثورة الأقنان والفن والحرية ، ولم يعجب الإدارة في إحدى مدارس مخيم اليرموك ، هو الراحل محمد الوهيبي" .

العودة لطبريا

بعد خروجه الأول من فلسطين، اضطر الوهيبي إلى مغادرة سورية في 2011، بسبب الحرب، وفي رصيده 25 معرضاً فرديّا داخل سورية والوطن العربي.

رحل العازف والفنان محمد الوهيبي 68 عاماً بعد رحلة متميزة من العطاء في عالم الفن التشكيلي حيث أبدع لوحات حفرية ملونة ولوحات تشكيلية حملت بصمته الخاصّة ليعبر عن حالات إنسانية كان وطنه الأم فلسطين حاضراً فيها بقوة .

كتبت عتاب حريب، الكاتبة والشاعرة السورية من أمريكا ترثي الوهيبي: الفنان الجميل الهادئ الصامت جميل ويحب الجمال وكلمته المفضلة "جميل".. كل شيء عنده جميل ! رحيلك صامت وجليل متل قامتك التي تركتها في الوسط الثقافي والفني، أتذكر اليوم قال لي محمد الوهيبي عندما توفي والدي وسافرنا الى الميادين بسورية لندفنه: أحسدك يا عتاب بأن لكم أرض تدفنون فيها أحباءكم وتزورونهم.. نحن ليس لنا مكان، أنا لا أستطيع العودة لطبريا.. رحلت يا محمد وها أنا مثلك لم يبق لي لا ضيعة ولا بيت ولا مكان أعود إليه تآكلت بلادنا كلها وأكلت قلوبنا أوجاع غيابك المباغت".