أكّد الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي في المغرب، د.علي بوطوالة، أنّ "القضيّة الفلسطينية هي قضية وطنية مغربية، يجري عليها ما يجري على كل القضايا الأساسية للشعب المغربي، وهي قضية لطالما حظيت بإجماع كل مكوّناته: يسارية وديمقراطية وإسلامية".
وجدّد د.بوطوالة، في مقابلة خاصة "للهدف"، الموقف الرافض، الذي يتبنّاه حزب الطليعة، لصفقة القرن، مُشددًا على أنّها "لا تعدو عن كونها إلغاءٌ لكلّ شيء، حتى لما تضمّنه ما يُسمّى اتفاق أوسلو، فهي ألغت الطرف الفلسطيني تمامًا من المعادلة، وتُريد تلك القوى الإمبريالية الصهيونية الرجعية أن تفرض عليه شروطها، للقبول بالتصفية النهائية لقضيته الوطنية، بوعودٍ كاذبة وإغراءات مالية، في نهاية المطاف، هي تخلٍّ وبيعٍ للقضية".
انهيار!
ورأى د.بوطوالة أنّ "المسار التي سلكته الثورة الفلسطينية، وما مرّت به من منعطفات وما تعرّضت له من مؤامرات، إلى جانب الدور الذي لعبه المال الخليجي، والضغط الذي مارسته أنظمة عربية، ومحاولة بعض الأنظمة في محيط فلسطين ركوب القضية الفلسطينية واستعمالها، وتراجع حركات التحرر الوطني العربي سيما بعد انهيار الحليف الاتحاد السوفييتي واختفاء الأنظمة العربية التقدمية في ليبيا والعراق واليمن...إلخ، هذا كله أدّى إلى ما نحن فيه الآن، وألحق أضرارًا كبيرة بالقضية المركزية القضية الفلسطينية، وبكل الشعوب العربية وقضايا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتحرر في المنطقة".
ولفت إلى أنّ "الدولة المغربية مثلًا تعاني من ضغوط أمريكية وفرنسية وخليجية سيّما في قضية الصحراء المغربية، وهناك دول تعاني من نوع آخر من الضغوط، إلى جانب الهشاشة في الأوضاع الاقتصادي في غالبية الدول العربية، هذا يخلق التباسات كثيرة ويجعل الأفق غامضًا".
وعن تحوّلٍ كبير في التعاطي مع القضية الفلسطينية، استذكر د.بوطوالة "ما حدث بعد اتفاق أوسلو بشكل خاص، وبداية تطبيع الأنظمة العربية مع كيان الاحتلال أثر بشكل كبير؛ كان يُقال لنا أنتم تُريدون أن تكونوا فلسطينيين أكثر من السلطة الفلسطينية نفسها، فهي دخلت في اتفاق سلام مع الإسرائيليين ولا ينبغي أن نتجاوز أو نُزايد عليها، وهذا أدّى إلى مصائب وتراجع اهتمام وحماس الكثير من القوى في التعاطي والمساندة المستمر للكفاح الفلسطيني، إذ برزت أقلّيات التي تدعو إلى الاهتمام والتركيز على قضايا الشعب المغربي، وعدم الالتفات إلى قضايا المشرق العربي، التي تختلف عن قضايا المغرب بشكل كبير، لكن كان يتم التصدي دومًا لمثل هذه الدعوات".
لكن تبقى الفرصة سانحة، كما بيّن د.بوطوالة، "لتوعية جماهير الشعب المغربي، كما في تونس وموريتانيا والجزائر. وكما كنا نقول في سنوات 67 و68- وكنا حينها لا نزال طلبة وشباب- إن القضيّة الفلسطينية هي قضية وطنية مغربية، فكانت تُنظّم المسيرات الكبرى للتضامن مع الشعب الفلسطيني في الكثير من المحطات، وكانت تتّسم بنجاحٍ كبير، نتمنى أن تعود هذه الفترة، وأن تحظى الفعاليات الحالية التي تُنظَّم في المغرب بذات الزخم الكبير وأن تلقى صدىً واهتمامًا من الجمهور المغربي".
أوراق قوة
"في تاريخ الشعوب وحركات التحرر دومًا، كان هناك 3 شروطًا أساسية لنجاح أي ثورة والتغلب على العدو المحتل" قال الكاتب العام للحزب المغربي، وفصّل تاليًا هذه الشروط، "أولها: وحدة الشعب الذي يُعاني من الاحتلال وخاصة حركته الوطنية، على شكل جبهة أو ائتلاف، وثانيًا: وجود قاعدة خلفية أساسية تمدّ الثورة بما تحتاجه على المستوى البشري واللوجيستي والمالي وغيرها، وثالثًا: دعم المحيط الجهوي أو الدولي المستمر لحركة التحرر أو الثورة، وكان توافر هذه الشروط يضمن نجاح أي ثورة وطنية وتغلّبها على عدوها المحتل واقتلاع الاستعمار، كالجزائر ودول أخرى".
وبيّن د.بوطوالة، في حديثه للهدف "الآن، لا بد من خطة أو رؤية جديدة إستراتيجية تُحاول التوليف بين الأبعاد الوطنية المحضة والبُعد القومي العربي والبعد الأممي، فنحن بحاجة إلى إعادة بناء حركات التحرر الوطني العربي على أسس قومية تقدّمية جديدة، وبحاجة إلى توحّد الساحة الفلسطينية وخاصة القوى الوطنية على أساس برنامج تحرر وطني حقيقي، وعدم الانشغال بمشكلة السلطة وقضايا جزئية تُؤثر على الأفق الإستراتيجي للتحرر وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ، كما نحن بحاجة إلى أن تتمكّن القوى التقدمية العربية من إعادة بناء نفسها، وخلق حاضنة شعبية حقيقية ومتنامية باستمرارـ وكل هذا بالتزامن نع العمل المستمر مع الحلفاء في دول مُعادية للإمبريالية، وتمتين التحالفات مع قوى محور المقاومة والممانعة الذي حقق انتصارات مهمة، ولا بأس بها الآن، وبالتالي هناك إمكانية جديدة لمشروع تحرري وطني قومي تقدمي، تلتقي فيه كل القوى، وتكون رأس حربته الثورة الفلسطينية بقواها التقدمية أساسًا".
وأشار د.بوطوالة إلى أنّ "الموقف الذي اتخذته الجامعة العربية كان إيجابيًا، وكان الحد الأدنى لإيقاف التطبيع وانخراط بعض الأنظمة العربية في تنفيذ بنود صفقة القرن، هذه الأنظمة التي لجأت إلى خيار التخاذل والتطبيع خوفًا من ردود الفعل الأمريكية والضغوط المحتملة، في حالة رفضها التجاوب ودعم الخطة".
"رفض الصفقة هو الحد الأدنى، لكن المطلوب هو استثمار هذا الموقف والدفع به إلى أقصاه"، لكن هذا بحاجة إلى "متابعة وجهود وضغوط، وهذه الضغوط ينبغي أن تُمارسها الشعوب، فهي القادرة على تحريك الأنظمة لاتّخاذ خطوات عملية، والشعوب تُحرّكها القوى المناضلة، التي إذا تحرّكت بخطوات ذكية وضغطت الشعوب لتصعيد ضغطها على الأنظمة والأقطار، هذا يُمكن أن يخلق ديناميكية جديدة، وحتى إذا أجبر الأعداء على الجلوس إلى المفاوضات، قد تُحقق مكاسب أفضل، كما هو منصوصٌ عليه فيما يُسمّى قرارات الشرعية الدولية".
انتفاضة يسارية؟
هل يكون اليسار أمام فرصة تاريخية لوقف حالة الانهيار؟، على هذا التساؤل، المشروع الآن أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، أجاب د.بوطوالة بالقول "إذا كان للقوى التقدمية واليسارية العربية أفق واضح، وعرفت كيف تغتنم الفرصة والإمكانيات المتاحة، لإعادة بناء الموقف الوطني التحرري وتمتين تحالفاته الجهوية والدولية، بإمكانها وقف المسار التراجعي الخطير الذي دخلت إليه المنطقة العربية منذ سنوات، سيّما بعد ما سُمّي (الربيع العربي) الذي بدأ سنة 2011، وبالتالي الخروج من هذا النفق بإستراتيجية واضحة وذكية للتعاطي مع التحولات والمتغيرات الدولية، كوننا نمر بمرحلة مخاض عسير للانتقال من الأحادية إلى التعددية القطبية، بكل تداعياتها، وهذا هو ما دفع الإدارة الأمريكية لمحاولة إيقاف هذه التحولات للحفاظ على مركزيّتها الدولية وهيمنها المطلقة، سيّما في المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، وكما نلاحظ الصراعات على المستوى التجاري وعلى المواقع الإستراتيجية والأسواق. هذه تغيرات وتحولات سريعة ومؤثرة".
وقال "على قوى اليسار أن تعيد قراءتها بصورة جيّدة وذكية لتغيرات المرحلة، لتتمكن من التعامل معها بذكاء، وللاستفادة من إيجابياتها ومخاطرها". مُستدركًا "أمام اليسار فرصة كبيرة؛ لكن بدون السقوط في الأخطاء السابقة، سيّما في مسألة التحالفات، فالآن هناك قوى جديدة- لم تكن موجودة في الستينات والسبعينات- لا يُمكن تجاهل وجودها في المنطقة، كالقوى الإسلامية أو الأصولية، وبالتالي التعامل مع هذه القوى ومع الحلفاء على المستوى الدولي مطلوب، بالتزامن مع خطة ذكية، لمراكمة الإيجابيات والتقدّم تدريجيًا نحو الهدف الأساسي والحفاظ على فرص تحقيق المشروع الإستراتيجي الكبير لحركة التحرر الوطني العربية، وفي مقدمتها تحرير فلسطين، وحصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه التاريخية والمشروعة، والاستفادة مما يُتيحه الإطار الدولي- الذي هو أصلًا بحاجة إلى إصلاح عميق- هذه العوامل كلّها ضرورية ويجب أخذها بعين الاعتبار".
ولفت إلى أنّ "التوظيف الذكي والجيّد والاستثمار الأمثل للإمكانيات المُتاحة لإسقاط الصفقة، وإعادة بناء الموقف العربي: الرسمي الذي سيُواجه صعوبات، والشعبي المتمثل بالمكونات والقوى السياسية العربية، سيّما الديمقراطية واليسارية، بمعنى أنّ تصاعد أشكال التضامن والدعم والمساندة لكفاح الشعب الفلسطيني من هذه القوى، وعدم سقوط الأقطار العربية- رغم سقوط بعضها حاليًا- في الخضوع التام للضغوط الأمريكية والأوروبية، هذا وتبقى وحدة الفصائل الفلسطينية مكسبًا كبيرًا والسلاح الإستراتيجي الحاسم في المواجهة".
وختم د. بوطوالة بالقول "بدون تغيير ميزان القوى في الصراع مع التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي، وتحقيق مكاسب نضالية وتعزيز المواجهة مع الكيان الصهيوني، لا يُمكن الاستفادة من أية فرصة تُستجدّ، وبالنظر للصفقة الأمريكية فهي إلغاء لكل شيء، حتى لما تضمّنه أوسلو، إذ أُلغيَ الطرف الفلسطيني تمامًا من المعادلة، وتُريد القوى الإمبريالية الصهيونية الرجعية أن تفرض عليه ما تُريد، للقبول بالتصفية النهائية لقضيته بوعود كاذبة أو إغراءات مالية، في نهاية المطاف، هي تخلٍّ وبيعٍ للقضية".