Menu

الإمارات وإسرائيل: تبرير أقبح من تطبيع

سليمان أبو إرشيد

هو عذر أقبح من ذنب أن يتم استغلال "ضائقة الفلسطينيين في زمن الكورونا" بهذا الشكل البشع لتبرير التطبيع مع عدوهم وعدو العرب، الذي يحتل أرضهم وينكل بهم وينتهك قدس أقداسهم، على غرار ما فعلته مشيخة الإمارات العربية التي حطّت طائرة تابعة لخطوطها الجوية أوّل من أمس، الثلاثاء، بوضح النهار في تل أبيب، بدعوى أنها تحمل مساعدات طبية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبغض النظر عما نقلته "رويترز" على لسان مسؤولي الصحة في قطاع غزة، بأن لا علم لهم بأية شحنة مساعدات ل غزة وتأكيد رئيس الوزراء الفلسطيني في رام الله ذلك، فإنّ الحقيقة الثابتة هي ما نقلته مصادر إسرائيلية بأن الموضوع جرى تنسيقه بين مجلس الأمن القومي ووزارة الأمن الإسرائيليين مع حكومة الإمارات والأمم المتحدة، ما يفيد بأن المساعدة الإماراتية جاءت بناء على طلب حكومة الاحتلال وتلبية لاحتياجاته وليس لاحتياجات الفلسطينيين، بل لربما تكون هذه الشحنة هي استمرار للصفقة السرية التي وصلت إسرائيل في أوج أزمة كورونا من دولة خليجية لم يكشف، في حينه، عن اسمها. ولم يتوقف "كرم" الإمارات تجاه إسرائيل عند هذا الحد، بل تعداه إلى إرسال طائرة ملكية لتقل إسرائيليين علقوا في المغرب، خلال توقف حركة الطيران في أزمة كورونا وتعيدهم سالمين إلى تل أبيب، وفق ما كشفت القناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي، وهو كرم ينافس الكرم المغربي ذاته في السماح سنويا لأفواج من اليهود المغاربة الذين يحملون جواز السفر الإسرائيلي بدخول أراضيها، بحجة زيارة مسقط رأسهم، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية مع الدولة العبرية.

ولا تشذ الإمارات كثيرًا عمّا صار يتحول مؤخرًا إلى قاعدة عربية، وإن بدت متقدمة بعض الشيء، فالكثير من الدول العربية والخليجية منها بشكل خاص، قد أعادت اكتشاف " اليهود"، منها من عاش فيها جاليات يهودية قبل 1948 وبقيت فيها بقية ضئيلة مثل مصر، التي أعلنت مؤخرا عن ترميم "كنيس" في الإسكندرية كان قد تعرض للقصف خلال حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798، ومنها من اخترعت هذا الوجود ونسجت حوله مسلسلات، مثل "أم هارون" وغيره، خدمة لنفس الأغراض السياسية مثل الكويت. والغريب إنه في الكويت بالذات لا يوجد أي دليل لوجود تاريخي لليهود، ففي التقرير الذي رفعه والي بغداد مدحت باشا إلى السلطات العثمانية عام 1871 يغيب أي ذكر لليهود، رغم تطرقه إلى الانتماء الديني لأهلها ومذاهب سكانها المسلمين، هذا في حين يشير الإحصاء التقديري الذي أعده الجغرافي الفرنسي فيتال كينيه في العام 1890 إلى أنّ عدد سكان الكويت بلغ نحو 20 ألف نسمة وإلى جانبهم 50 يهوديا.

وكما هو معروف تاريخيًا، فإنّ يهود الجزيرة العربية الذين عاصروا صدر الإسلام قد أسلمت غالبيتهم الساحقة واندمجت في المجتمعات العربية، بحيث لم يبق وجود متواصل للديانة اليهودية سوى في اليمن، أما الوجود المعاصر والذي تضاءل بشكل كبير بعد قيام إسرائيل عام 1948 فهو ناتج عن الهجرة من أوساط يهود العراق. الأنظمة العربية التي حاولت، ليس بنجاح كبير، غداة نكبة 1948 الفصل بين اليهود وبين الصهيونية وإسرائيل لدرء محاولات اتهامها من قبل العالم باللاسامية، وقعت حينها في أخطاء سياساتها، ووفّرت، بقصد أو بدون قصد، لإسرائيل العنصر البشري الذي كان ينقصها لتعزيز كيانها المادي ورفدها بمئات آلاف المستوطنين "اليهود العرب"، الذين نزحوا بكميات كبيرة من المغرب العربي والعراق و اليمن بشكل خاص ولكن من مصر وسورية ولبنان، أيضًا. واليوم، أيضًا، تحاول هذه الأنظمة الاختباء وراء هذا الفصل المصطنع بين اليهود وبين إسرائيل. بينما تسعى، في الحقيقة، إلى استعمال اليهود كديانة وتراث و"وجود تاريخي"، لتبرير وتمرير تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وإسباغ الشرعية على وجودها في المنطقة. لم ينجحوا في الفصل عام 1948 وأغرقوا فلسطين، بقصد أو بدون قصد، بمئات آلاف المستوطنين الجدد، ولن ينجحوا بقصد هذه المرة، وهم يحولون إسرائيل من كيان غاصب إلى دولة شرعية في المنطقة.