Menu

تقريرالأردن.. مُلاحقة أمين عام حزب سياسي بسبب مقال رأي: رسالة لردع المُعارضة؟

أحمد نعيم بدير

د.سعيد ذياب

عمَّان _ خاص بوابة الهدف

في الوقت الذي من المفترض أن تتضافر فيه كافة الجهود من أجل مُواجهة ما يُسمى "صفقة القرن" وتوابعها من مشاريعٍ تصفويّة، وفي ظل المواقف التي يُطلقها الأردن الرسمي في الإعلام صباح مساء تجاه هذه المشاريع، يجري مُلاحقة أمين عام لحزب يُعد من أكبر الأحزاب اليساريّة المُعارضة في الأردن.

يوم السابع عشر من شهر يونيو/ حزيران الجاري، قرّرت الحكومة الأردنيّة تحويل أمين عام حزب الوحدة الشعبيّة الديمقراطي الأردني د.سعيد ذياب إلى وحدة الجرائم الالكترونية، وذلك بسبب مقال كتبه ونُشر عبر صفحة الحزب بمُناسبة "عيد الاستقلال"، أكّد فيه أهمية "استكمال الاستقلال بالتحرّر من التبعية الاقتصادية والسياسية".

وبعد جولاتٍ وصولاتْ، قَبِل مدّعي عام عمَّان ظهر يوم الثامن عشر من ذات الشهر بإخلاء سبيل د.ذياب بكفالةٍ عدليةٍ قدرها 5 آلاف دينار أردني، وأثناء حضوره أمام النائب العام تعرّض لمُعاملةٍ عرفيّة، الأمر الذي أدى لتدهور صحته، ما أفضى لإجراء عملية قسطرة عاجلة له في المستشفى التخصصي، وتم تركيب شبكيتين اثنتين في كل من Left anterior artery & Right coronal artery حيث كانت نسبة الانسداد ٩٠٪ و٩٩٪ على التوالي.

هذه المُلاحقة التي لربما تسبّبت بها بضع كلمات عن "الاستقلال"، لم تكن الأولى وبالتأكيد ليست الأخيرة، ولكن في أي سياقٍ تأتي؟، وهل هي فعلاً كما قالت بعض الأصوات من داخل الأردن وخارِجه لقمع أو مُحاولة قمع وردع الأحزاب السياسيّة المُعارِضة الأخرى؟.

"بوابة الهدف" تواصلت مع عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، فؤاد حبش للحديث أكثر عمَّا جرى مع د.سعيد وللإجابة عن التساؤلات السابقة، إذ أكَّد أنّ "كل ما تعرّض ويتعرّض له الحزب من مُلاحقات ومضايقات كان آخرها ما جرى مع الرفيق الأمين العام تأتي في سياق تشديد القبضة الأمنيّة، باعتبار أنّ المقال الذي كتبه د.سعيد لا يخرج عمليًا عن نطاق البرنامج السياسي للحزب الذي يقول أنّ الأردن ما زال تابعًا اقتصاديًا وسياسيًا للخارج. اقتصاديًا لصندوق النقد الدولي، وسياسيًا للمحوّر الغربي".

وأضاف حبش أنّ المقال المقصود "تحدّث فيه ذياب عن أنّ الاستقلال يتطلّب التخلّص من التبعيّة، بمعنى أنّه لم يخرج عن نطاق البرنامج السياسي للحزب، وكل ما نقوله حول التخلّص من كل أشكال التبعيّة هو مطلب جماهيري في الأردن وليس مطلبًا خاصًا بنا، والشعب الأردني يُطالب دائمًا بالتخلّص من التبعيّة لصندوق النقد الدولي الذي يفرض سياسات وإجراءات هي الأساس في الغلاء الذي تُعاني منه الجماهير في الأردن، خاصة الآن في ظل جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على كافة أبناء الشعب الأردني".

استهداف للمواقف المبدئيّة

كما أكَّد حبش خلال حديثه مع "الهدف"، أنّ "ما جرى من مُلاحقة للأمين العام هو استهداف للحزب بشكلٍ مُباشر لمواقفه المبدئيّة، والموضوع ليس شخصيًا للرفيق سعيد بقدر ما هو استهداف لقيم هذا الحزب المُعارض ومبادئه ومواقفه الصلبة مقارنةً بأحزاب أخرى داخل الأردن، وبالتالي هذا يُزعج الحكومة الأردنيّة والدليل أنّ هذه المُلاحقة ليست الأولى، لكن هذه المرة يجري مُلاحقة الرفيق ذياب بحسب قانون الجرائم الإلكترونية المُخالف للدستور الأردني الذي يكفل الحريات والتعبير عن الرأي".

رسالة ردع؟    

وتابع حبش: "بالفعل ما يجري هو لردع الأصوات المُعارضة، وتخفيض صوت المُعارضة بشكلٍ عام، وحتى خفض سقف النقابات والجمعيات والأندية والهيئات الثقافية وغيرها من الأصوات العالية"، مُشيرًا إلى أنّ "ملف الرفيق سعيد لم يُغلق حتى الآن، والقاضي حكَم بتوقيفه لمدة 7 أيام، ومن الممكن إعادة فتح الملف مطلع الأسبوع القادم".

وختم حبش حديثه مع "الهدف"، مُتأملاً باسم الحزب "إغلاق هذا الملف، والمكتب السياسي خاطب كافة جمعيات حقوق الإنسان في الأردن وخارجه للضغط باتجاه إغلاق هذا الملف، خاصةً ونحن نتحدّث عن أمين عام لحزب كبير ولم يرتكب جريمة تستدعي ما أقدمت عليه السلطات الأردنيّة".

أصوات أردنيّة عديدة خرجت ودانت هذه المُلاحقة، ورأت أنّ تحويل د.ذياب لوحدة الجرائم الإلكترونيّة بسبب مقالٍ له يُعتبر "استغلال لقانون الدفاع وتغوّل في سياسة تقييد حرية الرأي والتعبير ومُصادرة الحريّات العامة".

في السياق، شدّد رئيس الملتقى الوطني للحريّات في الأردن محمد البشير خلال اتصالٍ أجرته "بوابة الهدف"، على أنّ "المقال الذي يُلاحق بسببه الأمين العام لحزب الوحدة هو جزء من برنامج المُعارضة، وحول دعوة الحكومة في أكثر من مُناسبة وعلى امتداد تاريخ الأردن كان دائمًا يجري الحديث عن ضرورة الانفكاك من التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكيّة وأدواتها ورفض التبعيّة الاقتصاديّة والسياسيّة للأردن وخاصةً في هذه الظروف التي أصبحت فيها الغطرسة الصهيونية بعد إعلان ضم الأغوار دليل حقيقي على أنّ الداعم الأمريكي هو الذي دفع الصهاينة بأن يعلنوا بكل وقاحة نيتهم في ضم الأغوار، ما يعني تصفية القضية الفلسطينيّة أولاً، وتهديد الكيان السياسي في الأردن ثانيًا".

لم يُخالف الدستور

وقال إنّ هذا "ليس مدعاة لأن يُلاحق د.ذياب وتُحرّك قضية ضده أمام القضاء من قِبل الحكومة، ونحن ندين هذه المُحاولة ودائمًا ننتقد الإجراءات الحكوميّة في التضييق على حريّة التعبير والرأي"، مُؤكدًا أنّ "هذه المعارضة الأردنيّة تقوم بدور دستوري وحق كفله الدستور بأن نعلن عن رأينا ضمن منظومة الأردن التي نعتقد أنّها لا تتناقض مع ما هو موجود في الدستور".

ولفت البشير إلى أنّ "كل ما يجري هو سلوك متناقض مع ما تقوله الحكومة الأردنيّة، والملك الأردني ووزير خارجيته يتحدّثان صباح مساء وبشكلٍ واضح أنهما ضد الإجراءات والتغوّل الصهيوني وضد الضم الصهيوني، وهذا يتطلّب حقيقةً توجهًا مُختلفًا عمَّا تقوم به الحكومة وأجهزتها الأمنيّة من إجراءات"، مردفًا بالقول: "إنّ مواجهة العدو الصهيوني والأخطار التي يمثلها هذا العدو وتتويجًا لكل الاحتجاجات الأردنيّة خلال الفترات الماضية على تصرّفات الصهاينة من إعدام قاضي أردني على الحدود، وقتل أردنيين من خلال أمن السفارة الصهيونيّة، كل هذا يتطلّب انفراج مع الحركة السياسيّة، ولكن هناك إجراءات ترتكبها الأجهزة الأمنيّة تتناقض مع ضرورات تمتين الجبهة الداخليّة وخلق مُصالحة مع المُعارضة حتى نستطيع مواجهة ما هو قادم إذا أصرّت الحركة الصهيونية في ضم الأغوار".

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، وحول المطلوب لمُواجهة ومُجابهة هذه السياسات التعسفيّة، بيّن البشير أنّ "الأحزاب الأردنيّة والنقابات وأي قوى أخرى مجتمعيّة ما زالت مُصرّة على الاحتجاج السلمي بكل وسائله سواء بالكلمة أو بالتظاهر، ورغم جائحة كورونا وأوامر الدفاع الموجودة في الأردن إلا أنّ المُعارضة تُحاول بكل السُبل لنحول دون استمرار هذا النهج من تكميمٍ للأفواه ومنع الرأي الآخر ليقول كلمته في القضايا الوطنيّة والقضايا ذات العلاقة بالسيادة الأردنيّة".

يُشار إلى أنّ "المادة الخامسة عشر من الدستور الأردني تؤكّد أنّ "الدولة تكفل حريّة الرأي، ولكل أردني أن يُعرب بحريّة عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون"، ومن هذا المنطلق خاطب حزب الوحدة المنسّق الحكومي في الأردن لحقوق الانسان د.عبير دبابنة، مُطالبًا إيّاها "بالقيام بما تراه مُناسبًا وضروريًا لوقف إجراء التوقيف وإغلاق ملف القضيّة كون الأمر منظور بصدور قرار من محكمة الاستئناف".

وشدّد الحزب في رسالته إلى المنسق الحكومي على أنّ "ما حصل يوجّه رسالة خطيرة لكل الأحزاب والقوى السياسيّة والنقابيّة والمجتمعيّة المنظمة، عنوانها تضييق هامش حريّة الرأي والتعبير، ومُخالفة صريحة للنص الدستوري الذي يحمي ممارسة هذه الحريّة عبر الوسائل المشروعة، وأنّ المُضي في إجراءات المحكمة واحتماليّة التوقيف يمثل انتكاسة كبرى لما تبقى من مساحة العمل الديمقراطي التي تآكلت، للأسف".

كما أكَّد الحزب تمسكه بحقه في التعبير، وبمواقفه "تجاه مختلف القضايا الوطنيّة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وكذلك القضايا القوميّة، حسب نص ومضمون برنامج الحزب السياسي، وما تمليه علينا المسؤوليّة تجاه وطننا الحبيب الأردن".