Menu

المتلاعب بالعقول..

تحليلكيف سلب نتنياهو وزمرته خطاب الشرقيين وصار ناطقًا باسمهم؟

خاص بالهدف - أحمد مصطفى جابر

طالما حظي حزب الليكود بعلاقة غريبة مع المزراحيم (اليهود الشرقيون)، تلك العلاقة كانت دائماً نوعاً من الحب المحرم: الاستغلال-الخيانة، والاستخدام المشين وقابلية الوقوع في شراك الخديعة. وكأن هذا صار جزءًا من التاريخ، أن يستغل الليكود وزعمائه استياء الشرقيين وغضبهم المستدام ضد خصومه الأشكيناز، ثم يخونهم ويتخلى عنهم.. هل يبدو للقارئ إنها قصة قديمة؟ نعم لقد سبق وأن تم عرضها في بث مباشر عام 1977، ولكنه كان مناحيم بيغن حينها، ومن الواضح أن بنيامين نتنياهو وشركاؤه، قد ورثوا تلك الأساليب.

عودة إلى عام 1977:

تزايدت المعارضة الشرقية للهيكلية الثقافية والسياسية والاقتصادية لحزب العمل إثر حرب 1967، نتيجة لاكتشاف التناقض ما بين شعار الحزب بالمساواة، وإمساك الأشكنازيم بزمام الأمور سياسياً واقتصادياً، نتيجة لتزايد الهوة الاجتماعية والاقتصادية بين الطرفين، وكان من الطبيعي أن اليهود الشرقيين سيحملون المسؤولية لحركة العمل عن الوضعية المتردية التي وصلوا إليها. وتعود العوامل التي أدت بالشرقيين إلى الانحياز إلى المعسكر القومي الديني بقيادة الليكود إلى جملة من العوامل، من التمييز في مختلف المجالات والذي واجهه الشرقيون منذ قدومهم، وتخييب التيار العمالي آمالهم رغم وقوفهم معه في الخمسينات والستينات، مروراً بطبيعة التركيبة الاجتماعية المتدينة للشرقيين، حيث يغلب على هذه الفئات الميل للتصويت لليمين وهذه ظاهرة عامة في كل مكان في العالم، وهكذا قرر هؤلاء معاقبة الحزب على سياساته، فجاء تحويل الأصوات من حزب العمل لصالح منافسه المباشر الليكود كرد فعل على الهوة الحاصلة في جميع المجالات، واستجابة للدعاية التضليلية التي قادها حزب الليكود، في صفوفهم بزعامة بيغن، مما مكن الليكود من الوصول إلى السلطة لأول مرة عام 1977، بفضل أصوات الشرقيين.

فحزب الليكود الذي يواصل التمرد على أصله كمجرد حزب (حيروت) اليميني المبني على طبقة وسطى أوربية، خصوصاً بعد زمن طويل من اختفاء الحزب الليبرالي، الذي شارك حيروت في إقامة الليكود، هذا الحزب (التكتل) كان العنصر الحاسم في نجاحه وصعوده القاعدة الشعبية الواسعة في أوساط اليهود الشرقيين، التي تمكن بيغن من استمالتها عبر عملية تاريخية بدأت بنشوء نخبة شباب الشرقيين في مدن التطوير، في الأطراف والبلدات الجديدة التي نقل إليها أهاليهم من معسكرات الاستيعاب. يبدو الليكود اليوم كتلة هرمية عملاقة يقف الأشكيناز على قمتها، بينما احتل كتلة شرقية كبيرة القاعدة الجماهيرية فيها.

والتحليل الغربي لموقف اليهود الشرقيين في انتخابات 1977 الانقلابية، يعيد التأكيد على النظرة تجاه الشرق واحتقاره، حيث يميل المحللون الغربيون في الكيان إلى ربط تأييد الشرقيين لليكود وبيغن، بالمفاهيم البطريركية و/أو الفاشية في خلفيتهم الثقافية، ويستند هذا التقييم إلى تمييز ضمني بين الثقافة السياسية ليهود أوربا الشرقية (الأشكناز)، ويهود الشرق الأوسط، واضعين الأوائل في خانة الديمقراطية الغربية والآخرين في مخيم "الفاشية غير الغربية". ولا يصمد هذا الرأي أمام التحليل الدقيق، حيث أنه يغيب حقيقتين أساسيتين: الأولى أن الفاشية التي ورثها بيغن وحزبه، كما الكثير من أحزاب اليمين الإسرائيلي، إنما عاشت وازدهرت ونشأت في أوربا على أساس الفكر الفلسفي الأوربي اللاعقلاني، الفكر ذاته الذي نشأت عنه الصهيونية. والحقيقة الثانية أن الشرقيين كانوا قد اقترعوا جماعياً وطوال ثلاثين عاماً لمصلحة حزب العمل "الاشتراكي"، ولم يقل أحد عنهم أنهم تقدميون أو ليبراليون، وهذا الموقف الغربي يخالف بشكل كامل التحليل الشرقي للمسألة.

يعتبر إيلي إيلشار أن تصرف الشرقيين كان تعبيراً عن غضب قاعدة اجتماعية قررت الثورة على أوضاعها البائسة، وعندما لم يتوفر الحل من داخلها بحثت عنه في الخارج، وهكذا وجد اليهود الشرقيون مخلصهم في شخص بيغن، فهم لم يصوتوا للسياسة الخارجية لليكود، وإنما أرادوه أداة للتغيير الاجتماعي، وقد نجح بيغن في التقاط سخطهم واحتجاجهم، لكن تطور الحركة السياسية لليهود الشرقيين فيما بعد يثبت أن تصويتهم لحزب الليكود، لم يكن سوى رد فعل تجاه سياسات العمل، أكثر مما هو تأييد لليكود، واكتشف هؤلاء نتيجة لاستمرار تفاقم أوضاعهم أنهم لم يكونوا أكثر من أداة أو حصان شطرنج في اللعبة الأشكنازية- الأشكنازية بطرفيها العمل والليكود سواء بسواء أو كما هو حالياً داخل الليكود نفسه.

العودة إلى الحاضر:

ما الذي تغير اليوم، لا شيىء على ما يبدو، فالنخبة الأشكنازية في الليكود تحولت لـ"شفيع للمزراحيين" على حد تعبير الصحفية أورلي نوى، ولنتأمل هذا الحوار القديم، الموثق:

"- موريس (مغربي): "عندما وصلنا إلى إسرائيل واجهنا بالفعل تمييزاً".

- لماذا؟

- موريس: "إنني لا أعرف السبب، ولكن بيالك، إذا كنت تذكر، قال إننا نشبه العرب، إن هذه الأشياء تؤلمك عندما يكون قد مضى عليك 29 عاماً في البلد ولديك ولدين في الجيش.. عندي ابنة التحقت بالجيش وكانت دائماً تقول "استبدل أسمك، استبدل اسم الباز" فسألتها "لماذا استبدل الباز".

-"لأنها كانت تريد اسماً روسياً".

-عندما التحقت بالجيش ملأت نماذج خاصة بدورات تدريب الضباط، وكانت هذه النماذج تتضمن أسئلة عن مكان الولادة والمجموعة الإثنية التي ينتمي إليها الوالد، كتبت أن والدها من المغرب، وتقول أنها لم تقبل لدورة الضباط، رموا بها في مكان أسوأ من الخالصة (مكان الإقامة). إننا شعب ساذج جداً.. هل تعرف؟ هناك أشكنازي واحد في الخالصة هو الذي اخترناه محافظاً حتى أننا لم نشأ أن ننتخب واحداً منا."

إن مصادرة هوية "الأدنى" وانتحال خطابه، والادعاء بتمثيله، سواء كان هذا "الأدنى" شعبا مستعمراً أو طبقة أو طائفة لا تتوافق مع النموذج السيد، هي صفة استعمارية ثابتة، إذ طالما محا الاستعمار حق أولئك الذين يستعبدهم، بحجة تخلفهم، وقصورهم العقلي وعدم قدرتهم على تمثيل أنفسهم، حيث أنهم "لم ينضجوا بعد"، وبالمقابل يسعى المغلوب لانتحال الغالب والتشبه به، وهو ما حلله بشكل واف فرانس فانون وكذلك إدوارد سعيد وقبل ذلك بكثير ابن خلدون وغيرهم، وإذا كانت "إسرائيل الأولى" قد خشيت من قدوم الشرقيين، لأنهم يؤثرون على الصورة التي وعدت بها الحركة الصهيونية الغرب بأن تكون خير ممثل للغرب المتحضر في مواجهة الشرق المتخلف، فإن "إسرائيل الثانية" على ما يبدو عرفت كيف تتجاوز هذه المخاوف وتستغل هؤلاء وتضعهم في طبقة أدنى، ولكن مع وجود مركز تصريف للغضب يتمثل بمن هو دونهم في التركيب الطبقي الصهيوني أي الفلسطينيين.

يأتي هذا التحليل حين لا يجد نتنياهو وأنصاره زخماً جماهيرياً أشكنازياً كافياً للرد على المتظاهرين، الذين وصفهم هو ورفاقه في الحزب وجماعته في وسائل الإعلام بأنهم "خائنون" و "فوضويون" و كان الهدف ذو شقين: تنشيط قاعدة الليكود مع نزع الشرعية عن الاحتجاجات، ومع فشل مساعي تشويه السمعة وجد نتنياهو ومساعديه طريقة أخرى: تصوير المظاهرات على أنها عصابة من النخبة الأشكنازية الليبرالية، مع تحريض الجمهور الشرقي ضد المحتجين استناداً إلى تاريخهم القديم في العلاقة مع النخب الأشكنازية الليبرالية وإحساسهم المستمر بخيانتها لهم، وكأن نتنياهو لم يكن في الحكم طوال السنوات العشرة الأخيرة.

لا شك أن التمييز المنهجي الذي تعرض له المزراحيم (اليهود من أصل عربي وإسلامي) على يد الأشكيناز قد أًشبع درساً وتمحيصاً على مدى عقود، وبعض الملفات لا تجد طريقة لإغلاقها حتى اليوم (قضية اختفاء الأطفال اليمنيين مثلا)، وقد امتد التمييز منذ اللحظة الأولى، وكان ذا طابع أيدلوجي ومعنوي، وسياسي اقتصادي أيضاً، ومن المعروف أن الحركة الصهيونية قد تأخرت في اكتشاف هؤلاء اليهود وعندما اكتشفتهم كانت مدفوعة بالحاجة الديمغرافية، وليس حب اليهود أو بزعمها اعتبار نفسها "حركة تحرر لليهود جميعا"؛ إذ هل يعقل في النهاية أن يكون هناك "يهود سمر" على حد تعبير المقولة الأشكينازية الشهيرة؟ وهكذا "لم يعجب الصهاينة الأوروبيون قضية تلوين المستوطنات في فلسطين باليهود الشرقيين، وعندما طرحت الفكرة رفضت بإجماع قطعي في المؤتمر الصهيوني الأول، إذ كانت الدعاوى موجهة للأشكناز فقط" كما تذكر إيلا حبيبة شوحط، التمييز جاء متوازياً مع عمليات التدجين ومحو الهوية الشرقية، عبر "بوتقة الصهر" التي استسلمت للفشل الذريع، فلا بقي هؤلاء على هويتهم الأصلية ولا تحولوا لأشكيناز وظلوا عالقين بين عالمين. ودائماً ما كان اليمين يستغل الاستياء المزراحي لأغراضه السياسية الخاصة، وقد نجح فعلاً في هذا، حيث يشكلون اليوم يشكلون شريحة كبيرة من قاعدة الجناح اليميني لدرجة أن يعلن المزراحي "المتشكنز" إن صح القول "نحن من يأتي برئيس الوزراء" كما تشير شوشانا جباي، وفي الواقع يخفي كيف تحول الشرقيون إلى قطيع أليف للنخبة الأشكينازية النيوليبرالية.

نظام الوصاية الموروث من مناحيم بيغن، "الأب الحامي" للشرقيين في مواجهة اضطهاد حركة العمل وإهمالها لهم، يجد صداه اليوم، فمثلاً في مناظرة بين عضو الكنيست السابق من البيت اليهودي ينون ماجال، وهو صحفي من صقور الأشكناز، ويفات بيتون، أستاذة القانون والناشطة النسوية الشرقية التي تبحث في التمييز ضد المزراحي في النظام القانوني "الإسرائيلي"، ربما كان ماجال، وهو جزء لا يتجزأ من النخبة الأشكنازية، صادقاً تماماً عندما قال لبيتون" إنه ممثل أفضل منها للمزراحيين لأنها "يسارية". ماجال هذا سبق له كما ظهر في مقطع فيديو متداول؛ أن وصف باراك كوهين الناشط السياسي ومحامي الشرقيين بأنه "دودة يمنية" و "خادم أشكناز". يائير نتنياهو أيضاً يريد التقرب من الشرقيين، وأصبح اليوم يعترف بمدن التطوير التي قذف إليها الشرقيون ويتعاطف معهم، ولكن فقط في سياق انتقاد أعدائه الكيبوتسيين الأشكناز أيضاً، وقد كتب على تويتر منتقداً سكان الكيبوتز، المرتبطين تاريخياً باليسار، واصفاً إياهم بـ "الشيوعيين الذين سرقوا نصف أراضي البلاد على حساب مدن التطوير".

وتغريدة يائير تحمل إشارة إلى نزاع مستمر بين كيبوتس نير دافيد ومستوطنة بيت شين في شمال فلسطين المحتلة، حول الوصول إلى نهر العاصي الذي يمرّ في أراضي قرية الساخنة وقرية تل الشوك المهجرتين منذ 1948 الذي يمر عبر الكيبوتس، ويمنع الكيبوتس المقيمين من غير الكيبوتس والسكان من المجتمعات المجاورة من زيارة النهر، على الرغم من كونه مورداً طبيعياً، ولكن علينا أن نستطرد هنا، فالقصة لها طرف ثالث يتم تغييبه في الصراع على الغنائم وهو الفلسطينيين المشردين المطرودين من أرضهم؛ فبيسان التي يمر النهر جوارها هي إحدى المناطق الفلسطينية التي طهرت عرقيا بنسبة 100% (عدا قريتين صغيرتين أقرب إلى الناصرة)، ونير دافيد هو كيبوتس أشكينازي أقيم عام 1937 على أراض استولى عليها بالخداع، تمّ ألحق بها أراضي قرية الساخنة بعد عام 1948، واليهود الشرقيّين الذين يصارعون ضد عنصرية الأشكيناز هم أنفسهم يستوطنون أرضاً مغتصبة من سكانها الأصليين وسعيهم لإتاحة موارد النهر هو صراع على تقاسم الغنائم لا أكثر.

ليس فقط أن يائير نتنياهو ينتحل الشرقيين، ولكن في الواقع إن لعائلته سجلاً سيئاً جداً مع المزراحيين وكذلك الأثيوبيين، وهو عنصري ينتمي لعائلة أشكينازية لا تحب السود؛ إلا لالتقاط الصور لفتوحات والده الدبلوماسية في أفريقيا، ولا أحد في الكيان الصهيوني يريد أن ينسى المستوطنة المزراحية في كريات شمونة قبل عامين التي قاطعت خطاب بنيامين نتنياهو أثناء افتتاحه غرفة طوارئ جديدة، يومها صرخت أورنا بيرتس في وجهه –وهي ناشطة مزراحية محلية- مرددة شكاوى السكان المحليين من أنهم يواجهون التمييز و يضطرون للسفر لمسافات طويلة من أجل المرافق الطبية المناسبة.

نتنياهو رد بأنها "مملة" و"غير مهمة"، وردت هي "أنا أصوت لك كل أربع سنوات، وإذا كانت هذه هي الطريقة التي تتعامل بها مع جمهورك، فعندئذ عار عليك؛ إنه حقير"، ويبقى السؤال لماذا يصوت الشرقيون لهذا "الحقير" باستمرار مطروحاً عليهم وعلى نشطائهم، وليس على أي شخص آخر؟

قصة مدير منزل نتنياهو المغربي ماني نفتالي واضطهاد سارة نتنياهو له على خلفية عرقية معروفة ووصلت إلى القضاء، وأمام المحكمة قال ماني إن سارة نتنياهو قالت له ""نحن أوروبيون. نحن حساسون، نحن لا نأكل بقدر ما أنتم أيها المغاربة. أنت تسمننا وبعد ذلك عندما يتم تصويرنا في الخارج، نبدو سمينين"، وهذا الدعوى التي رفعها ماني فتحت سيلاً من دعاوى مماثلة من قبل عاملات في منزل نتنياهو تعرضن للانتهاك والتمييز، حتى وزير ماليته موشي كحلون –من أصل ليبي- لم ينج من سخرية نتنياهو العنصرية عندما أهانه في رده على سؤال عن سبب تأجير إطلاق محطة البث العام التي كانت مشكلة كبيره في حينه، لمدة ستة أشهر في آذار 2017 رد نتنياهو "لقد تحرك جيني المزراحي" في إشارة إلى اتهام هؤلاء بالكسل المرتبط بالعرق.

تتساءل أورلي نوى، كيف تنجح هذه المجموعة من الأشكناز، الذين يعبرون مراراً وتكراراً عن ازدرائهم للمزراحيين، في تسويق رئيس الوزراء على أنه راعي الجمهور الإسرائيلي الشرقي؟ وهو سؤال محق إذا تذكرنا كيف اعترفت اورنا بيرتس إنها تصوت دائماً لنتنياهو؟

هناك كثير من المحاولات للإجابة، أكثرها سخرية، ولكن في نفس الوقت أكثرها نجاحاً ابتدعها أفيشاي بن حاييم، الصحفي المغربي المؤيد لنتنياهو، والذي يأخذ الصراع إلى مدى آخر بزعمه في دفاعه المستمر عن نتنياهو أن النخبة الأشكنازية القديمة في "إسرائيل"، والتي يسميها "إسرائيل الأولى"، تضطهد نتنياهو لتمثيله "إسرائيل الثانية"، ويزعم مزراحي إن "إسرائيل الثانية" هي "إسرائيل المزراحية" لهذا على هؤلاء أن يدعموا نتنياهو بشكل ثابت.

لنأخذ مثلا عام 2015، في تلك الانتخابات التي سحق فيها نتنياهو اسحق هيرتسوغ ، وبكلمات الصحفي آفي يسسخاروف "لماذا صوتوا لبيبي؟ على الأرجح فإن السبب كان الخوف “منهم”، من الآخرين، العرب، الذين جعلوهم يتدفقون إلى الشوراع للتصويت ككتلة واحدة لنتنياهو، الذي لا يتحدث فقط الانجليزية بطلاقة، ولكنه يتحدث لغة المزاحيم أيضا بطلاقة. على الرغم من أن نتنياهو بنفسه هو منتج لنخبة القدس ، ووُلد في حي رحافيا الراقي وهو ابن لبروفسور، فقد نجح في جعلهم يرونه كقائد شرعي. فهو لم “يتحدث بضعف” مثل يتسحاق هرتسوغ. بدلا من ذلك، تحدث “لغة المزراحيم بطلاقة” – لقد استخدم أكثر أنواع الخوف بدائية: الخوف من العرب".

تلاعب نتنياهو المزراحيم، اتضح أيضاً في انتخابات أيلول 2019، في تسريب لوسائل الإعلام يظهر فيه صديقه المقرب ومستشاره ناتان إيشل، وهو يدلي بتعليقات مهينة للمزراحيين وكل من هو ليس أشكينازي، ويقول: "يكرهون كل شيء" وأن حزب الليكود "نجح في إثارة تلك الكراهية، والكراهية هي ما يوحد معسكرنا". في تلك التسجيلات اعترف إيشل كيف أدار الليكود حملة كراهية منظمة ضد الشرقيين وصلت لمعاقل الليكود حيث وصفت وزيرة الثقافة ميري ريجف –من أصل مغربي- بأنها "بهيمة".

تاريخ وصف المزراحيين بأنهم همج وفوضويون وعنيفون تعود ليس فقط إلى غولدا مائير والفهود السود، بل أيضاً إلى أحداث وادي الصليب وديفيد بن غوريون، ونتنياهو يريد أن يجني الثمار عبر إشعال نار الخصومة المزراحية ضد ليس جميع الأشكيناز، ولكن فقط الأشكيناز الذين هم ضد نتنياهو.

في أثناء المظاهرات قامت مجموعة من اليمينيين بمهاجمة المتظاهرين بعنف عقب مظاهرة خارج منزل أمير أوهانا وزير الداخلية، في تل أبيب، اليمينيون المهاجمون العنيفون تم تشخيصهم بسهولة –لعلها مقصودة- وكان لهم أسماء مزراحية واضحة.

أيضاً حاولت مجموعة من أعضاء لا فاميليا، وهي مجموعة من أنصار اليمين المتطرف لنادي بيتار القدس لكرة القدم، ولها تاريخ حافل بالعنف - ومعظم أنصارها من أصل شرقي – التجمع بعد أن منعتهم الشرطة من السير نحو مظاهرة ضد نتنياهو في شارع بلفور، بدؤوا في ترديد الأغاني العنصرية ضد العرب، و كان معظمهم من المزراحيين.

تصف أورلي نوى فكرة ناتان إيشل أعلاه، بأنها تعكس البصيرة الميكيافيلية بشكل تام، حيث يمكن في عام 2020 في الكيان الصهيوني للمرء أن يكون زعيماً أشكنازياً ورئيس الوزراء الأطول خدمة، ويحتقر المزراحيم، ويواصل سياسة إهمال مدن التطوير، ولا يزال يقدم نفسه على أنه المنقذ للجمهور الشرقي، وكل ما على نتنياهو أن يفعله هو تملقهم بالرمزية والإيماءات الفارغة، وإشعال غضبهم ضد "اليسار" الذي كان مسؤولاً عن محنتهم في الخمسينيات (خاصة وأن قطاعات كبيرة من اليسار تستمر في التصرف بغطرسة وعنصرية تجاه المزراحيم)، يؤجج نيران كراهيتهم للفلسطينيين ويوجهون ذلك الغضب في النهاية ضد خصوم اليمين السياسيين، وهكذا سيستمر هؤلاء في انتخاب نتنياهو إلى الأبد معتقدين فعلا أنهم من يأتي برئيس وزراء "إسرائيل".