وقّع الكاتب والمفكًر الفلسطيني غازي الصوراني، مساء أمس الاثنين 24 آب/ أغسطس، كتابه الموسوعي "موجز الفلسفة والفلاسفة عبر العصور"، وذلك على شرف الذكرى الثالثة عشر لرحيل القائد الوطني د. حيد عبد الشافي، في حفلٍ نظّمته اللجنة الثقافية لجمعية الهلال الأحمر في قاعة المؤتمرات بمقرّها في مدينة غزة، وسط حضورٍ نخبويّ كبير، وبمُشاركة أستاذ العلوم السياسية د.وسام الفقعاوي، ورئيس مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر لقطاع غزّة الأستاذ يونس الجرو، وأستاذ العلوم السياسية د.إبراهيم أبراش.
وفي بداية الحفل، تحدّث مُقدِّمه د.وسام الفقعاوي، إذ أكَّد على أنّ "الكتاب الموسوعي الجديد للمفكّر الصوراني قد عكف على إنجازه لمدة تزيد عن خمس سنوات؛ ينتظر مولوده الجديد كما كان يقول، كيف لا يكون مولوده فعلًا، وهو الذي يقول: أنا ما أكتبه هو قطعة من روحي، وأضيف على ذلك مجبولة بالدم واللحم والعظام عندما يعطيها مركز الدماغ، قرار أن تباشر في القراءة ومن ثم الكتابة.. وهنا قد يتبادر السؤال: هل الكتابة تتنفس؟ أي هل لها روح مثلنا؟".
وخاطب الفقعاوي الحضور خلال حديثه قائلاً: "دقّقوا في واقعنا جميعًا، ستجدون أننا مرضى حد الموت، وهل هناك موتٌ أفظع من أن يلفظنا التاريخ، ويخرجنا منه؟ فهذا التاريخ لا يعترف "بالجهلاء" حتى لو ادّعوا أن العلم نور، وأن نبي العرب قال: اطلبوه ولو كان في الصين. هنا يكمن سؤالي بالمعنى الموضوعي: ما فائدة أن نردد أو نحفظ قولًا لا نملكه واقعًا.. لذلك لا نُغالي لو قلنا إننا أمة أصبحت خارج التاريخ، لكن، السؤال هل يمكن للفلسفة أن تعيدنا إلى التاريخ؟ نعم، إذا دققنا في القول الفلسفي: إنّ الإنسان هو معيار كل شيء.. نعرف أن بوابتنا لأن نكون في التاريخ هو تفلسف الإنسان، كون الفلسفة أسلوب حياة وفن للعيش؛ وأن لا بديل عن التفكير النقدي والتسليم بحق العقل في التساؤل وإثارة الممكن في عالم يزداد غموضًا وتعقيدًا وتكالبًا علينا.. فهل ننجو منه؟ سؤال برسم إجابة الفلسفة".
عقب ذلك تحدّث رئيس مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر لقطاع غزّة الأستاذ يونس الجرو، إذ عبَّر عن اعتزازه "بكل الجهد الذي بذله ويبذله الرفيق أبو جمال، وأعتقد أنّ هذا الكتاب الجديد لا يُوجد له شبيه في المكتبةِ الفلسطينيّة، ولا أدري إن كان له مثيل حتى في المكتبات العربيّة".
وشدّد الجرو على "قدرة الكاتب الصوراني على الاستمرار في الكتابة"، مُعبرًا عن أمله "في أن تكون هذه الندوة وهذا الحفل بادرة خير لإعادة النشاط الثقافي في جمعية الهلال الأحمر".
تاليًا، تحدّث الكاتب والباحث وأستاذ العلوم السياسية د.إبراهيم أبراش، والذي أوضح أنّه "وللمرّة الأولى يُشارك في مناقشة عمل من هذا النوع. نعم في غزّة نُشارك في مناقشة الكثير من الرسائل الجامعيّة والكتب التي يطغى عليها الطابع السياسي، لكن الكاتب أبو جمال نزع ذاته وجزء من تفكيره وعقله في خضم هذه الفوضى السياسيّة والفكريّة ويتقدّم بعمل فكري ويتفرّغ لسنوات ليعمل في هذا العمل فهو جزء يستحق كل التقدير والاحترام".
ولفت أبراش خلال الحفل الذي حضرته "بوابة الهدف"، إلى أهمية أن يكون "هذا العمل في فلسطين وفي غزّة تحديدًا. غزّة المسحوقة في هموم الحياة اليومية وباستراتيجيّة الالهاء التي تحدّث عنها أحد الفلاسفة الذين ذكرهم أبو جمال في كتابه، إلهاء الناس في هموم الحياة اليوميّة، وهذا هو الإنجاز الذي عمل عليه أبو جمال، أن ينتزع ذاته رغم كل هذه المعيقات، ففي فلسطين حقيقةً رجالُ الرجال، وفي غزّة أيضًا التي ما زال فيها من هو صامد ويثبت يوميًا جدارته بالحياة".
وأكَّد أبراش على أنّ "الكتاب موسوعة فلسفيّة يحتوي على 1350 صفحة وخمسة أبواب و12 فصلاً، وفي هذا العمل الموسوعي حاول أبو جمال أن يدرس الفلسفة والفلاسفة عبر التاريخ منذ الحضارة الفرعونيّة والبابليّة، ووثّق في هذا العمل حوالي 228 مرجعًا من موسوعة، وكتاب، ودراسة، ومقالة، ومواقع إلكترونية، وهذا جهد كبير جدًا جدًا".
وشدّد أبراش على أنّ "الإجابة على سؤال ما هو الفلسفة فيه فلسفة بحد ذاته، فالفلسفة هي أرقى أشكال الفكر وأسماها، هي التفكير في الكليّات، في الوجود وما بعد الوجود، هذ إعمال العقل بلا حدود دون الخوض في التفاصيل والجزئيات الصغيرة، وإذا فهمنا فلسفة الشخص أو النظام السياسي يمكن لنا أن نحكم أو نتوقّع كل تصرّف من تصرّفاته"، مُشيرًا إلى أنّ "الكاتب أبو جمال حاول أن يُجمل الفلسفة والفلاسفة عبر التاريخ، ولكن أتوقّع لو كان هناك متسعًا من الوقت لدى الكاتب لغطّى بعض الجوانب وخصوصًا بالنسبة للفلسفة والفلاسفة ما بعد عصر النهضة في العالم غير الغربي وغير الأوروبي".
وعبر تقنية البث المرئي تحدّث مجموعة من الكتّاب والمثقفين العرب عن الكاتب والكِتاب، إذ كانت المُشاركات لوحة وطنيّة عروبيّة بامتياز أثبتت أنّ فلسطين البوصلة رغم كل المُعيقات وحالة التيه التي تشهدها الساحة العربيّة في وقتنا الحاضر، إذ شملت المُشاركات كلاً من مصر ولبنان والعراق والأردن وتونس.
بدوره، قال المستشار حلمي شعراوي مستشار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر للشؤون الإفريقية، إنّ "المناضل والمفكّر الفلسطيني غازي الصوراني يظلّ أحد رموز الحركة العربيّة في أعلى مراحل نضالها من أجل الخلاص الوطني والقومي في فلسطين وأنحاء الوطن العربي عقب الحرب العالمية الثانية، ولولا صغر سنه النسبي لقلنا أنّه أكثر رمزية مما هو عليه اليوم، ولكن التحامه بالنضال في غزّة وعلى أرض فلسطين الكاملة يعطيه الحق أن يُفاخر به رمزًا حيًا للعمل الفلسطيني والقومي العربي، بل هو يذهب لأبعد من فلسطين إلى أنحاء عربيّة ودوليّة يبشّر بقضايا العرب ويرفع رايتهم بما يقدّمه من فكرٍ ونماذج نضاليّة ودراسات اقتصاديّة وسياسيّة".
ورأى شعراوي أنّ "أبو جمال كتب في أكثر من مجال بخلاف الاهتمام الأصيل والوطني والقومي، فكتب عن المجتمع المدني والخاص الفلسطيني والعام العربي، ولم يتوقّف الصوراني عند القضايا الروحيّة بل شمل اهتمامه الواسع أيضًا قضايا تعدّد العقائد والمعتقدات في أنحاء العالم، بل وأثرها على حركة شعوبنا وفي أنحاء مختلفة من عالم يقاوم الظلم والقهر ومحاولة الهيمنة على شعوب العالم الثالث".
وأشار إلى أنّ "الصوراني صاغ في عمله الجديد الكبير معظم أحلام البشر كما تمنى هو وما زال يحلم بأن يصيغ أحلامه الكبيرة من أجل شعبه ووطنه موضع التحقق، والشعوب لا تعيش بكرامتنا إلا أن تدفعها أحلام كبيرة ينتبه لها نبهاء من أبنائها المؤهلين للتأمل والعمل الشاق والبطولي، وقد عرفنا أبو جمال من ذلك النوع الذي لا يغفل عن حقائق الواقع وأعماقه، ويروح وراءها يفلسفها ويكشف بنياها كما يفعل مع كل صغيرة وكبيرة في الشأن الفلسطيني والعربي بما لا ينكره عارف دقيق بغازي الصوراني".
عقب شعراوي، تحدّثت الإعلامية والأديبة العراقية د.فاطمة الفلاحي، والتي عبَّرت عن فخرها "بالرفيق المفكّر الكبير غازي الصوراني. لقد تعلمت منه أنّ القضايا مشتركة والهم مُشترك وأنّ كل ما ينسلّ من رحم الفساد نصفعه جميعنا دون استثناء، وعلّمني كيف أجلب معي حمامات السلام أينما توجّهت بعمق تفكيره، فتهنئة كبيرة على كتابه الجديد الذي سيُعزّز به المكتبة الفكرية والفلسفية. أتمنى له العمر المديد ليكتب لنا ونقرأ له".
من جهته، قال المؤرّخ والناشط السياسي اليساري الفلسطيني عبد القادر ياسين، إنّه "ومنذ زمن أهدروا الفكر وأشهروا في وجوهنا (بلاش تنظير) في دعوةٍ صريحةٍ للتسطيح، بينما حرص الرفيق أبو جمال على التمسّك بالفكر والفلسفة ولو كره المسطّحون، وفي هذا الكتاب الموسوعي وضع الرفيق أبو جمال بين يديّ كل من أراد العمل في السياسة أو الانخراط في الكفاح الوطني بشتى مدارسه هذا الدليل حتى نمتلك منهجًا علميًا في التفكير حيث يبدأ التخطيط قبل التنفيذ والكفاح فالمتابعة والتقويم وهجر الارتجال والاتكاليّة التي ستُدخلنا المستقبل بظهورنا، ومن أراد أن يعبر النهر فلا مفر له من تعلّم السباحة".
وأوضح ياسين خلال حديثه: "لقد أوصلونا إلى قاع البير، ولا يزالون يعملون على نفس المنوال في اهدار الفكر، والارتجال، ويفزعون من أي منهجٍ علمي وكأنّ حيّةً لدغتهم إلى نسبة غير قليلة من المثقفين انتقلت من التثوير إلى التبرير وتزيين كل ما هو بشع إمّا طمعًا وإمّا خوفًا، وقلة من المثقفين حافظت على الدور التاريخي المُناط بالمثقّف وتشبثه بالموقف النقدي من السلطان، ومن بين هذه القلة الرفيق أبو جمال الذي ظل قابضًا على الجمر متمسكًا بالعلم والفكر غير آبهٍ بكل من صدمونا من (بلاش فلسفة وتنظير) في دعوةٍ صريحةٍ للتخبّط والاتكاليّة المقيتة، هذا الكتاب الجديد لأبو جمال هو مرجع موسوعي لكل من أراد الانغماس في النضال في سبيل الشعب والوطن وهو ليس وقفًا على الفلسطينيين فهو لكل أبناء الوطن العربي لأنّ أبو جمال أبعد ما يكون عن ال قطر ية الضيقة وهو متمسك بقوميته التقدميّة".
أمَّا المفكّر القومي التقدّمي الأردني الأستاذ الدكتور هشام غصيب، فقد أكَّد على أنّ "أبو جمال أبدى جلدًا أسطوريًا حتى أنهى هذا الكتاب الذي تناول تاريخ الفلسفة بصورةٍ شموليّة، ولا أعتقد أنّ هناك كتبًا عربية تُعنى بتاريخ الفلسفة بهذا الشمول، فهو لم يكتفِ في الواقع بالتركيز على الفلسفة الإسلاميّة أو الفلسفة الغربيّة وإنّما غطى تاريخ الفلسفة تقريبًا في العالم كله".
وبيّن غصيب أنّ "أبو جمال خرج لنا بكتابٍ وعمل موسوعي ضخم، ولكن علينا ألّا ننظر إلى هذا الكتاب بصورةٍ أكاديميةٍ بحتة، لأنّه نبع من همٍ وطنيٍ وقوميٍ وأممي، والذي دفع أبو جمال إلى بذل هذا المجهود الضخم لم يكن مجرد هم أكاديمي أو نظري بل نضالي، واعتبر أنّ أعمق نضال هو النضال الفكري الفلسفي ولذلك خاض هذه التجربة، ويرى الكاتب أنّ هذا العمل هو لبناء الوعي العلمي الثوري الذي نفتقده في الوطن العربي، وأدرك الكاتب أنّ هذا البعد ناقص في حركاتنا الوطنية لذلك بذل جهدًا استثنائيًا".
وتابع غصيب: "كلنا نعرف أنّ غزّة مُحاصرة وظروفها قاهرة ولا تُصدّق، لكنّ أبو جمال وهو يعيش في ذات هذه الظروف إلّا أنّه وبرغم العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزّة فلم تثنه هذه الظروف من انجاز هذا العمل الفكري الكبير، وأصرّ على ممارسة هذا العمل النضالي النبيل الذي يهدف من ورائه إلى بناء الوعي العلمي الثوري في الحركة الوطنية الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة العربيّة".
وفي السياق، قال أمين عام الحزب الاشتراكي المصري الأستاذ أحمد بهاء شعبان، إنّ "المفكّر غازي الصوراني تربطه علاقة قويّة خاصة مع كل الفصائل الوطنيّة التقدميّة المصريّة نشأت وتوثّقت على مدى عقودٍ طويلة من التفاهم والحوار المُستمر ونحترم كل آرائه وأفكاره التي نجد فيها ما يُفيدنا في عملنا الوطني في بلادنا، ونعرف تمامًا قيمة هذا العقل المُستنير والمناضل القوي الذي نثق في قدرته على قراءة الواقع المصري والعربي والفلسطيني والمساهمة المخلصة في الخروج من المأزق التي تعانيه كل قوانا في أنحاء الوطن العربي".
وأردف شعبان بالقول: "صدور هذا العمل الكبير المعني بالفلسفة الإنسانية على مدى العصور منذ فجر التاريخ حتى هذه اللحظة التي نحياها ليس بالأمر الهيّن فهو يحتاج إلى فريق عمل ومساعدين باحثين وإمكانيات ماديّة ولوجستيّة كبيرة جدًا لا تتوفّر لمناضل فلسطيني في ظروف نعلمها جميعًا من الحصار والأوضاع الاقتصادية المترديّة وعدم وجود الكهرباء وغياب المراجع وغيرها من المعوقات التي كانت من الممكن أن تعطّل انجاز هذا العمل الكبير لولا مضاء إرادة هذا الكاتب والمحلّل والمثقف الفلسطيني العظيم وقدرته على تحدي الظروف والثبات على الفكرة حتى أنجز هذا العمل الكبير الذي سيكون مُلهمًا لنا جميعًا ومُساعدًا كبيرًا لنا على إدراك الأوضاع التي نحياها في بلادنا ووضع الخطط المناسبة للخروج من أزمتنا".
ولفت شعبان خلال حديثه، إلى أنّ "المفكّر غازي الصوراني أشار في مقدمته لهذا الكتاب إلى أن قيمة الفلسفة الأساسيّة هي قدرتها على طرح الأسئلة، لأنّنا إذا طرحنا الأسئلة الصحيحة سنجد الإجابات الصحيحة في الوقت الصحيح وهو ما يساعدنا على مواجهة ظروفنا وحل أزماتنا بأفضل الصور والسّبل الممكنة"، مُؤكدًا أنّ "هذا السِفر الكبير يأتي في وقتِه تمامًا فكلّنا مُحاصرون من كل الجبهات وعلى كل الأصعدة ولابد بالفعل من قراءة عميقة لواقعنا تُساعد مثل هذه الكتب التأسيسيّة الكبيرة على إنجازها بشكلٍ جيّد".
وبعد انتهاء شعبان من حديثه، تحدّث من لبنان الأديب الفلسطيني مروان عبد العال، إذ رأى أنّ "الأستاذ غازي الصوراني يدشّن بمولوده الجديد قلعة أفكاره الأكثر إشراقًا وغزارة وفرادة ولنراه بهذا العمل كمعلمٍ وليس فقط كمؤلف"، مُتسائلاً: "لو عاش أرسطو اليوم هل كان ليكون أروسطيًا؟ هذا السؤال الذي فاجئني وأنا أنتهي من قراءة كتاب غازي الصوراني والذي يقدّم فيه تاريخًا موسوعيًا ذا عمقٍ معرفي ومنهجي في مكاشفة المفاهيم الفلسفيّة التي عبَّر عنها الفلاسفة طوال التاريخ البشري القديم والحديث والمُعاصر".
وأشار عبد العال إلى "المجهود العظيم الذي بذله الكاتب في قراءة النصوص الفلسفيّة وفي اعتماده فقه النصوص والسياقات واجتراح المفاهيم دون حبسها في فضاءاتٍ ميّتة بل بإعطائها بعدها ومداها في قضايا تُعد مركزيّة في الفلسفة السياسيّة والأهم بربطها في عملية حيويّة بمجمل حركة التاريخ والانحياز الفكري للنظريّة الثوريّة ونضالات الشعوب ضد الاستعمار والاحتلال والاستغلال والاستبداد والصراعات الطائفيّة وكل مظاهر التخلّف والتبعيّة".
وتابع عبد العال: "إنّ الثورة كما يحاجج الصوراني هي أساس ومنطلق رئيسي من أسس التفكير الفلسفي، وفي هذا لا يُشبه الصوراني الصورة التقليديّة لمُؤرخي الفلسفة، فهو عندما يكتب عن الفلاسفة نراه يُحاور مفكرين سياسيين مهتمين بقضايا مركزية في الفلسفة السياسيّة كطبيعة العدالة والديمقراطيّة والحريّة ولصالح نظرة تؤسّس لثورة معرفيّة ولنظرية ثوريّة في ثقافتنا الراهنة"، مُتابعًا حديثه بالقول: "لماذا نعتبر أنّ الثقافة تمثّل خط الدفاع الأخير؟، إنما هي أولوية في حيوية الهويّة الثقافيّة، بل ولم تقم نهضة في أي أمةٍ إلّا وكانت الثقافة في قلب مشروعها، ولا يمكن الخروج من الأزمة إذا كان سؤال الثقافة غائبًا".
وختم عبد العال حديثه: "يجري الحديث عن الاسترشاد بالمنهج المادي التاريخي الجدلي ويُصار إلى إضافة ويستنير بكل ما هو تقدّمي وانساني في التراث العربي والإسلامي والعالمي، هذا العمل المميّز عرض قائمة تراثيّة غنيّة لا شك للنصوص الفلسفيّة عمومًا والعالميّة خصوصًا، وأشعر الآن أنّني مطمئن إلى سلامة مسارنا الثقافي وحيويّته التي تتغذّى من مادة قيّمة تحتل مكانًا مرموقًا في الفكر المُعاصر وأطروحة مرجعيّة لأهل الفكر والبحث والدراسة وصنّاع السياسة لتؤكّد هي بذاتها صحة البرهان التي انطلقت منه ولأجله".
فيما قال المفكّر التونسي د.فريد العليبي، إنّ "الكتاب الجديد للمفكّر الصوراني له أهمية كبيرة لأنّه أرّخ وعرّف الفلاسفة وفلسفاتهم، بل تعدّى هذا الجانب بمعنى أنّه يحلّل وينتقد ويشتغل على الرهانات والاشكاليات الفلسفيّة، وصاحبه لم يأتِ من داخل الجامعات وأسوارها وإنّما هو هاوي فلسفة".
وأكَّد العليبي أنّ "الصوراني أعاد الأمور إلى نصابها، خاصة وأنّه تحدّث عن وظيفة محدّدة للفلسفة وهي وظيفة التغيير بمعنى أنّه يُريد لكتابه أن يقوم بوظيفة ضمن واقع عربي يصفه بالانحطاط والاستبداد وسيطرة السلفيّة فكرًا وسيطرة وغلبة النقل على العقل"، لافتًا إلى أنّ "صاحبه لا يُخفي حزنه وقلقه مما آلت إليه الأوضاع العربيّة التي لا تشغل فيها الفلسفة الموقع التي يجب أن يكون لها".
كما شدّد المفكّر العليبي على أنّ "الفلسفة لا تدرّس في الجامعات والمعاهد التي تعتمد على التلقين وليس على النقد والعقلنة والعقلانية، ومن هنا فإن كتاب غازي الصوراني له أهميته الكبيرة من حيث الارتباط بآفاق معينة له صلة بانشغالات غازي الصوراني التي تتصل بالتحرّر الوطني الديمقراطي في البلاد العربيّة والاشتراكيّة أفقًا لهذا التحرّر الوطني من حيث حب المعرفة وتأصيلها وتأصيل العقل والتنوير والنقد، وهذه الثورة لا يمكن أن تُنجز اليوم بعيدًا عن هذا التأصيل الذي يمكن أن يمهّد لها".
ختامًا وقُبيل توقيع الكتاب، كانت الكلمة للمفكّر الفلسطيني الكبير غازي الصوراني، إذ استذكر في بداية حديثه "الدكتور الكبير حيدر عبد الشافي في ذكرى رحيله، وكل المثقفين الذين ساهموا بكلماتهم الخاصة في حفل مولوده الجديد، كتاب: موجز الفلسفة والفلاسفة عبر العصور".
وقال الصوراني: "كتبت أكثر من 20 كتابًا، ولكن هذه الموسوعة هي بالنسبة لي كتاب العمر. قد يكون مُستغربًا لدى البعض أن نتحدّث اليوم عن الفلسفة كفلسطينيين يرزحون تحت الحصار، والانقسام، والعدوان الصهيوني، وتحت كل أشكال المعاناة والبؤس بكل معانيه من فقرٍ وحرمانٍ ليس في الغذاء بل في حرية الكلمة، وفي ظروف الانحطاط والهوان والاستسلام العربي الرسمي غير المسبوق من حولنا، لكن هذه الحالة من الاستغراب سرعان ما تنزوي بعيدًا أمام الحقائق السياسيّة والمعرفيّة التاريخيّة والمُعاصرة التي أكَّدت بوضوحٍ صارخ على أهمية الفلسفة ودورها في مجابهة الاحتلال والاستبداد والتخلّف، كما في اشعال الثورات بكل طاقاتها وأهدافها التحرريّة والديمقراطية".
وأكَّد على أنّ "ثقافة الديمقراطيّة تنهض على ثلاث قيم أساسيّة: التعدديّة، الحرية، العدالة الاجتماعية، وهي قيم غائبة أو مُغيّبة مع مؤسساتها عن مجتمعاتنا عمومًا وعن مجتمعنا الفلسطيني خصوصًا بسبب استبداد الانقسام وأنظمة وسلطات الاستبداد في كل النظام العربي، ولذلك الوعي بضرورة امتلاك المعرفة الفلسفيّة العلميّة التقدميّة هو لا شك عندي تمهيد لمراكمة وتوليد عوامل الثورة على واقع الانحطاط القومي والوطني واجتثاثه صوب رؤية وبرامج وطنية وقومية ديمقراطية تقدّميّة تحقّق أهداف جماهيرنا الشعبيّة في تحرّرها من كافة مظاهر الاستبداد والاستغلال والفقر والمرض والأوبئة كطريقٍ وحيد لإنهاء الوجود الصهيوني الإمبريالي من بلادنا".
كما شدّد على أنّ "ذلك هو المغزى والهدف للفلسفة التي أدعو إليها، وحرصت على تأكيده في كتابي. تعلمون جميعًا أنّ أوروبا غرقت في ظلام التخلّف طوال أكثر من 1400 عام بسبب تحكّم ملوك الاقطاع والكنيسة على عقول الناس، ولكن مع بزوغ الفكر الفلسفي العقلاني التنويري ظهر وانتشر عصر النهضة والحداثة، أمّا بلداننا ومجتمعاتنا العربية فقد غرقت في ظلام التخلّف والتبعيّة منذ القرن الثالث عشر"، لافتًا إلى أنّ "مجتمعاتنا فقدت كل أشكال البوصلة المعرفية العقلانية حتى اللحظة، ما كرّس تخلّف مجتمعاتنا واستتباعها على الرغم من أنّ ابن رشد كان الأساس الأوّل في بناء العقلانية والتنوير في أوروبا إلّا أنّ العرب يرزحون تحت خيمة التخلّف".
ورأى أنّه "كان من الطبيعي منع تدريس الفلسفة ومنع الحريّات الديمقراطية في معظم بلداننا العربيّة لأنّ التفكير الحر يُخيف الطبقات الحاكمة في تلك الأنظمة لذلك حرصَت على تكريس ونشر مناهج جديدة في التخلّف مستمرة منذ عقود طويلة في تاريخنا الحديث المعاصر ساهمت في تجديد التخلّف السياسي والاجتماعي والثقافي، وتلك المناهج استطاعت أن تفرض على الأجيال قوالب فكريّة متخلّفة وجامدة بلغ ثروتها في الحفظ دون النقل والتفكير والتجديد والانحناء أمام ما هو مكتوب".
وتابع الصوراني: "إنّ الفلسفة تعلمنا كيف نختار، وكيف نمارس النقد والشك المنهجي، وكيف نفكّر ونفكّك الأفكار ونعيد ترتيبها، وكيف نقاوم الظلم والعدوان إلى جانب مقاومتنا للاستبداد الداخلي وللظلم الطبقي بكل أنواعه، وتعلمنا كيف نكون أحرارًا في تفكيرنا لكي نكون أحرارًا في أوطاننا، وعلينا أن نتذكّر دائمًا أنّ فكر الثورة انبثق من قلب الصراع الفلسفي".
وأكَّد الصوراني في ختام حديثه خلال الحفل، على ضرورة "ممارسة النقد الجذري لكل ما هو قائم خاصة في مجابهة سلطات الانقسام، والاستبداد، وأنظمة الاستبداد والتخلّف والاستتباع والتطبيع العربي، والتحريض على هذه الأنظمة والسلطات من أجل اسقاطها وتحقيق أهداف الجماهير الشعبيّة في فلسطين والوطن العربي كله من أجل الحريّة والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة، وبما يضمن توفير مقومات النضال التحرّري لإنهاء الوجود الإمبريالي الصهيوني من بلادنا".