Menu

بوليفيا والسودان: عن مقاومة الهيمنة الأمريكية

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

مُني الانقلاب في بوليفيا بهزيمة واضحة بالأمس، ومن خلفه ظهر إخفاق الولايات المتحدة في فرض هيمنتها على الشعب البوليفي الشجاع؛ عام من المقاومة أثمر هذا الانتصار الذي يعني الكثير على طريق استعادة الشعب لثرواته من براثن الشركات الغربية الناهبة ووكلائها المحليين.

جنرالات العسكر في بوليفيا؛ سقطت سياساتهم منذ اللحظة الأولى بفعل الإرادة والإصرار الحاسم والواضح الذي أظهره الشعب البوليفي لإسقاط الانقلاب، فيما تقود المساومات الانتهازية في بلادنا، من قبل القوى التي احتلت مواقع النطق باسم الثورات وحركات الشعوب تقود إلى مزيد من الابتزاز والهيمنة الأمريكية والاستعمارية.

ما يواجهه السودان اليوم مثال على نماذج الهيمنة الأمريكية بواسطة النخب المهزومة والعميلة المرتبطة مصلحيًا بالسياسات الأمريكية، فلا زال جنرالات العسكر ومعهم النخب المستوردة الصاعدة على ظهر الثورة والحراك السوداني؛ تراهن على السياسات الأمريكية، وتقدم على مساومات رخيصة فيما يتعلق بحق الشعب السوداني في رفع العقوبات الجائرة عنه، وتقدم مصير البلاد وسياساتها وقرارها رهينة للهيمنة الأمريكية كثمن لاستحقاق رفع العقوبات.

التطبيع مع العدو الصهيوني، أو دفع تعويضات من مال الشعب السوداني للأمريكيين كثمن لجرائم جنرالات المجلس السيادي في السودان، ليست إلا سطورًا في مستهل كتاب الهيمنة الأمريكية المستجلبة للسودان، سيترتب عليها الكثير من الأثمان الهائلة التي سيدفعها شعب السودان؛ من قوته وسيادته وثرواته ومستقبل أجياله، فيما السبيل لمواجهة كل هذا معروف وواضح، يبدأ بالعودة للشعب وحقيقة إرادته، فهذا الشعب العربي الأصيل في مواقفه الدقيق في بوصلته، الواضح في وعيه وإدراكه لواقعه وواقع المنطقة العربية، لم يكن في لحظة مصدر لهذه السياسات، بل ضحية لها، ودون التبني الكامل لإرادته الحقيقية وتطلعاته في الحرية والاستقلال والعيش الكريم، تبقى ألاعيب الساسة والجلادين القابضين على الحكم ليست إلا طريق إلى الهواية، حتى وإن ناورت الحكومة السودانية لتجاوز فخ التطبيع مع العدو الصهيوني، فإن ما أقدمت عليه هذه الحكومة من تصريحات في هذا الجانب، وما أقدم عليه جنرالات المجلس العسكري ورئيسه من خطوات تطبيعية، ألحقت أذى فادح بأمن ومصير الشعب السوداني وسيادته وموقفه العروبي، سيحتاج إلى الكثير للخلاص منه؛ فالمواقف المرتجفة من قبل النخب السياسية، بما في ذلك تلك القوى التي تتبنى خطابًا ثوريًا، تعكس زيف كبير يفصل بين الشعارات والممارسة، وجنوح للاستسلام أمام الهيمنة الأمريكية والمساومات الاستعمارية التي تستهدف إخضاع شعب السودان من بعد ثورته، وقطع مسار هذه الثورة وامتداداتها المحتملة.

رخاء السودان يبدأ فقط بسيطرته على موارده، وبامتلاك الشعب السوداني لمصيره، وإنهاء دور هذه النخب الانتهازية المتحكمة في البلاد، وهو أمر يحتاج لتخطي القوى الثورية الحقيقية لمواقف الارتجاف والتراجع أمام مقولات النخب السياسية الحاكمة، والعودة لتلك الإرادة التي أشهرها الشعب السوداني في ثورته، والسعي لتمكينها من مواضع السلطة والحكم وتقرير مصير البلاد وسياساتها ومستقبل ثرواتها.

لا يُعاني السودان من أزمة مالية فحسب، بل يُعاني بالأساس من أزمة نهب وسيطرة لنخب فاسدة تشكّل امتداد للحكم الديكتاتوري، وإذا كانت حركة التاريخ تشير إلى شيء فهو حتمية انتصار شعب السودان على جلاديه -كما تنبؤنا بذلك بوليفيا- وانتزاع حريته وقراره ومصيره عاجلًا أو آجلًا، ومسح كل ما تلحقه به هذه الحقبة من نهب وعار وارتهان.