Menu

53 عامًا على انطلاق الجبهة الشعبية: كيف كانت التجربة مع "الطبقة العماليّة"؟

أحمد نعيم بدير

خاص بوابة الهدف

53 عامًا مرّت على انطلاقة الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، السنديانة الفلسطينيّة المستمرة في العطاء والنضال والكفاح الوطني والاجتماعي متعدّد الأشكال والأوجه، إلى جانب الجماهير والتجمُّعات داخل الوطن الفلسطيني المُحتل، وفي مواقع اللجوء والمهاجر القسريّة.

وبمُناسبة ذكرى الانطلاقة، أجرت "بوابة الهدف الإخباريّة" سلسلة من الحوارات الخاصة، تحدّثت خلالها مع مجموعة من الشخصيّات البارزة للحديث حول دور الجبهة الشعبيّة في النقابات والاتحادات والمنظّمات الشعبيّة كالعمّال والمرأة والطلاب والكتّاب والصحفيين.

في هذا الحوّار ركّزنا على تجربة الجبهة في النضال مع الطبقة العمّاليّة والحديث عن مسيرة العمل النقابي بهذا الاتجاه، وفي هذا الصدد تحدّثنا مع أحد مُؤسّسي جبهة العمل النقابي التقدميّة الإطار العمّالي للجبهة الشعبية، النقابي المؤسّس حسين أبو نار، إذ أكَّد في بداية حديثه على أنّ "الجبهة الشعبيّة بدأت تتجّه اتجاهًا نقابيًا جماهيريًا في العام 1979، وبدأ العمل من الجامعات على اعتبار أنّها كانت بؤرة للثورة، ومن ثم اتجهنا لتشكيل إطار عمّالي، وأوّل إطار تم تشكيله في العام 1985".

قرّرنا إنهاء حالة التكلّس

وأوضح أبو نار أنّه "بعد ذلك تم تشكيل لجنة مُشتركة ما بين الضفة وغزّة من أجل قيادة العمل النقابي، وعقدنا أوّل اجتماع لنا في مسرح الحكواتي في مدينة القدس المحتلّة، وانطلقنا بعد ذلك في المؤسّسات والمصانع وبدأنا تشكيل لجان عمّالية وكان يتواجد في ذلك الوقت مجموعة من النقابات فرأينا ضرورة إجراء انتخابات في هذه النقابات التي لم يجر فيها أي انتخابات منذ وجود المصريين في قطاع غزّة، ولابدّ من انهاء حالة التكلّس الموجودة داخل هذه النقابات وتجديد هيئاتها، وبالفعل كنّا السبّاقين في هذا الجانب، وبدأنا بنقابة الخدمات وأذكر أنّ مقر الاتحاد كان موجودًا في حي الشجاعيّة شرقي مدينة غزّة".

ولفت إلى أنّ "جيش الاحتلال حاصر المكان ومنع عملية إجراء الانتخابات، فأجريناها في مقر الصليب الأحمر لتكن أوّل انتخابات تجري بشكلٍ ديمقراطي في نقابات قطاع غزّة، وبعد ذلك ظهرت نقابة النجارة وحذت حذونا ونقابات أخرى أيضًا، في ظل أنّنا كنّا في مواجهة يوميّة مع الاحتلال ومعاناة لا توصف فكان هناك أناس استسهلوا حالة التكلّس الموجودة".

وتابع أبو نار: "بعد ذلك انطلقنا من خلال نقابة بشكلٍ رسمي رغم أنّ الاحتلال لم يكن يتعامل مع العمل النقابي بشكلٍ سهل أو يسير، وكانت أوّل تجربة خضناها في مصنع للصناديق الخشبيّة الخاصّة بنقل الخضروات في النصيرات، وتمكّن العمّال بالفعل من خوض إضراب وحقّقنا لهم أوّل انجاز على صعيد كل النقابات الموجودة في القطاع وحقّقنا مجموعة مطالب تتعلّق بعدد ساعات العمل والأعياد مدفوعة الأجر، وكانت أشياء إيجابيّة ليأخذ العمل النقابي بعد ذلك صدى أكثر مما هو عليه، وترتّب على ذلك توجّه الكثيرين للانتساب إلى هذه النقابة".

الاحتلال واجه العمل النقابي بمزيدٍ من التعسّف

وشدّد على أنّ "الاحتلال كان يواجه العمل النقابي بالمزيد من التعسّف، ووجّهنا دعوة بكل قوتنا من خلال المؤسّسات العمّاليّة سواء صغيرة أو كبيرة من أجل اعتبار عيد العمّال الأوّل من أيّار مدفوع الأجر ونجحنا مع جزء فقط من المؤسّسات لكنّنا كنّا راضين عن مستوى النجاح الذي حقّقناه في ذلك الوقت، وواصلنا العمل حتى جاءت انتفاضة الحجارة عام 1987 التي غيّرت مسار ووجّهة العمل إلى انتفاضي أكثر، وانخرطت كل الشرائح والأطر في هذا العمل".

أوسلو وانحراف البوصلة

ورأى أبو نار خلال حديثه مع "الهدف"، أنّ هناك حالة من الاختلاف ما بين اليوم والأمس، يُتابع: "سبب الاختلاف عدّة ظروف منها الموضوعيّة والذاتيّة أيضًا، فأمّا الأولى تتمثّل في الاحتلال وقوته وجبروته، وظروف أخرى على رأسها توقيع اتفاق "أوسلو" ومجيء السلطة الفلسطينيّة الذي خلّق طبقة نفعيّة، أي أنّ هناك جزءًا ممن قادوا الحركة العماليّة أصبح عندهم الجانب المادي أهم من النضال وتحقيق الأهداف للعمّال، والعامل الذاتي أننا كأفراد أصبحنا نميل إلى الاستفادة النفعيّة بالمعنى الفردي وهذا أضعف العمل النقابي والبحث عن قضايا وهموم العمّال والدفاع عنها وتحقيق أفضل الأوضاع لهم، واتجه جزء كبير من النقابيين إلى الانتفاع الفردي، ولم يعد همهم العمّال الغلابة والمسحوقين".

وأردف بالقول: "السلطة كانت ذكيّة في هذا الأمر، فقد عملت على تفريغ معظم النقابيين إلى أجهزتها ومؤسساتها، وعندما يصبح القائد النقابي يتقاضى راتبًا من السلطة يصبح هناك خلل، وإذا أراد النضال لصالح العمّال، أي أنّه سيُواجه السلطة، ولكن كيف سيُواجهها وهو جزء من هذه السلطة!، هذا هو الواقع.. كنّا نُعتبر في السابق أن نضالنا يحمل جانبين، جانب وطني وفي نفس الوقت نقابي وإيمان قطعي للدفاع عن العمّال وعدالة قضيتهم، لكن لم يعد الدافع الوطني موجودًا والإقرار الحقيقي، بأنّ هؤلاء العمّال مسحوقين ومضطهدين، وبحاجة إلى نضال لتحقيق طموحاتهم".

وقفة مع الذات

يُكمل أبو نار حديثه: "الحقيقة المرّة وبكل صراحة أنّ هناك إشكاليّة اليوم في التفكير، ولا نستطيع وضع سلّم أولويّات لعملنا، ولم يعد الفهم الموجود بالمعنى الواضح والصريح والصحيح تجاه قضايا العمّال، حتى أنّنا مع الأسف لم نبنِ ونُخرّج قيادات نقابيّة وأبقينا على الموجود وهذه مشكلة حقيقيّة ومعيق حقيقي أمام تطوير العمل النقابي، خاصةّ منذ أوسلو حتى الآن أبقينا الوضع على ما هو عليه، ما قبِل ذلك خلال فترة وجود الاحتلال بُنينا من خلال واقعٍ وطنيٍ وثوريٍ وظروفٍ قاهرة، لكن من أوسلو حتى اليوم هناك تراجعًا عامًا". 

وبيّن أبو نار أنّ "المخرَج سهل جدًا وبسيط جدًا وهو إذا آمنّا فعلاً أنّ العمّال يستحقون منّا كل التضحيّة والفداء، وأن نُناضل من أجل احقاق حقوقهم، وبدأنا نعمل في السنوات الأخيرة على الأرض ومن خلال الفعاليات التي نفذناها لامستُ حجم التعطّش والرغبة لهذه الفعاليات التي تضع هموم العامل وآلامه نصب أعينها، وتتحدّث بلسان العامل برغم كل الصعوبات.

وشدّد أبو نار في ختام حديثه مع "الهدف"، على أنّ "أي تجربة نقابيّة مطلبيّة عادلة بحاجة إلى تراكميّة وبناء، ويجب أن نبتعد عن النضالات الموسميّة فيما يتعلّق بالقضايا العمّاليّة لأنّها بلا قيمة حقيقيّة، إذا لم نكن نموذجًا يحتذي به فلن تلتف القاعدة العمّالية حولنا كما السابق"، خاتمًا حديثه: "في ذكرى الانطلاقة الرائدة والرائعة والثورة الحقيقيّة من المفترض أن تكون هذه الانطلاقة محطّة للتقييم حتى نقف أمام ما قصّرنا فيه لنتجاوزه ونرى أين أنجزنا للمُراكمة عليه".

التجربة في عيون الآخرين

ولكن كيف كانت تجربة الجبهة الشعبيّة مع العمّال والطبقات المسحوقة في عيون الآخرين؟ لذلك تحدّثنا مع عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمّال فلسطين د.سلامة أبو زعيتر الذي قدّم التهنئة للجبهة الشعبيّة بذكرى الانطلاقة في بداية حديثه، مُؤكدًا أنّ "الزملاء في العمل النقابي وفي إطار جبهة العمل النقابي كانوا مميّزين في عملهم ودائمًا كنّا نشعر أنّ لديهم حسًا وطنيًا مليئًا بالانتماء والعطاء، بما يخدم مصلحة العمل والعمّال، ودائمًا لديهم مصداقيّة وتشاركيّة في العمل، وشكّلوا نموذجًا إيجابيًا في العمل النقابي".

وتابع أبو زعيتر حديثه: "تجربتي مع الزملاء في جبهة العمل النقابي أحترمها وأفخر وأعتز بها، ودائمًا اعتبرهم شريكًا حريصًا وحقيقيًا ولم يبخلوا بأي جهدٍ تجاه قضيّة العمّال وأبعادها الاجتماعيّة بما يضمّن حماية مصالح العمّال والدفاع عن حقوقهم وتمثيلهم بشكلٍ حقيقي بعيدًا عن أيّة نزعات فئويّة أو حزبيّة".

كما لفت إلى أنّ "تجربتنا في العمل منذ انتفاضة الحجارة وحتى اللحظة كانت تذوب خلالها الفئويّة ولا تشعر للحظة ما هي انتماءاتنا السياسيّة، وكان يحكم عملنا دائمًا المصلحة الوطنيّة وقضايا العمّال كأولويّة، ولم نختلف ولو لمرّة واحدة من منطلق فئوي بل تحكم علاقتنا المهنيّة ومصلحة الفئات التي نمثّلها"، مُؤكدًا أنّ "الاختلاف هو طبيعة البشر، لكن المدرسة النقابيّة لها فكرها الخاص وأيديولوجيتها وأسُسِها القائمة على مصلحة العمّال والقضايا المطلبيّة التي لا يختلف عليها أحد بالرغم من اختلاف الأيديولوجيات".

بيئة غير مستقرّة

وبشأن أزمات العمل النقابي، شدّد أبو زعيتر على أنّ "العمل النقابي اليوم يواجه الكثير من التحدّيات الموضوعيّة والذاتيّة، تحديات لها علاقة بالبيئة التي نعيش فيها، من ارتفاع نسب البطالة، وقلّة فرص العمل، وجائحة كورونا، والحصار، والانقسام، لأنّ العمل النقابي يحتاج إلى بيئة مستقرة، وإذا أردنا تحسين ظروف وشروط العمل للعمّال نحتاج إلى استقرار واقتصاد وبيئة طبيعيّة، وحالة الشرذمة التي يعيشها مجتمعنا والمشوّهَة انعكست على كل المؤسسات، وبتقديري دائمًا أنّ المؤسسات النقابيّة بحاجة إلى أن تُحافظ على استقلاليتها وديمقراطيتها ومهمتها ودورها النقابي لخدمة الفئات التي تدافع عنها من جانب، ومن جانبٍ آخر تحييد هذه المؤسسات عن أي استقطاب أو تجاذب سياسي، ويجب معرفة الحدود ما بين العمل النقابي ومهمته ودوره في النضال لتحسين ظروف وشروط العمّال بعيدًا عن أيّة تدخلات حزبيّة أو حكوميّة أو حتى من قِبل أصحاب العمل.

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، قال د. سلامة "إذا حافظنا على استقلاليّة العمل النقابي سنؤسّس لواقعٍ جديد، لكن يجب أن يطوّر العمل النقابي من نفسه لأنّه يقوم على الصراع ما بين العمّال وأصحاب العمل، والمطلوب اليوم أن يكون هناك تشاركيّة وتكامليّة إذا توفّرت النوايا لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة والظروف التي نعيش فيها والتعاون من أجل تخطي هذه الأزمات مع كل شركائنا في المجتمع، وهذه الظروف تجعلنا بحاجة لتوحيد كل الجهود النقابيّة ولنفكّر سويًا كيف يكون دورنا بنيويًا للخروج من الأزمة ومُساعدة العمّال في مواجهة التحديات.. الواقع ليس طبيعيًا، وإذا أردنا المواجهة فلا بد من توحيد الحركة النقابيّة والتوجّه نحو خدمة العمّال وحمايتهم من أي استغلالٍ موجود".