أكَّد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين جميل مزهر، مساء اليوم الأحد، على أنّ انطلاق الجبهة الشعبيّة شكّل رافدًا أساسيًا ومهمًا للنضال الوطني الفلسطيني، مُشددًا لكل "الرفيقات والرفاق ولكل أبناء شعبنا في الوطن والشتات وفي المُخيّمات والمهاجر، على أنّ الجبهة الشعبية لا زالت على العهد، وستواصل طريق النضال على خطى قادتها المؤسسين".
واستذكر مزهر خلال لقاءٍ خاص عبر فضائية فلسطين اليوم، تجربة الشهيد القائد جيفارا غزّة "الذي كان على رأس قوات المقاومة الشعبية في غزة يقودها في مواجهة الاحتلال، وهو ما جعل وزير حرب العدو الصهيوني يعترف بأن قوات الجبهة الشعبية تحكم القطاع بالليل"، لافتًا إلى أنّ "الجبهة الشعبيًة تميّزت في محطة التأسيس بعنفوان فعلها ونضالها وخاضت تجارب نضالية عديدة في الداخل والخارج، وعلى مدار 53 عامًا لم توقف الجبهة الكفاح المسلّح ولا المقاومة كخيارٍ وحيد في مواجهة الاحتلال".
وأشار إلى أنّ الجبهة "أوقفت أسلوب خطف الطائرات بعد تحقيق هدفها المتمثّل في إبراز القضية الفلسطينيّة في المحافل الدوليّة، والجبهة نفّذت عملية مهمة تعد العملية الأولى في تاريخ النضال الوطني وهي قتل وزير السياحة الصهيوني رحبعام زئيفي".
كما أكَّد مزهر على أنّ "الخلافات والتباينات والتعارضات ظاهرة صحية في النضال الوطني الفلسطيني، والجبهة لم تصل في علاقاتها لحد استخدام السلاح أو الاقتتال في فض الخلافات الداخلية، بل حافظت الجبهة طوال مسيرتها على نظافة بندقيتها، واعتبار الدم الفلسطيني خط أحمر، وكانت تتعامل مع التناقضات الداخلية في إطار قانون (وحدة صراع وحدة) انطلاقاً من مصالح شعبنا والانحياز للثوابت".
ولفت إلى أنّ "الجبهة اختلفت في محطات عديدة مع حركة فتح، وشَكلّت جبهة الرفض في الساحة الفلسطينية، وخرجت من التنفيذية والمؤسسات، ولكنها لم تخرج من المنظمة ككيان يمثل الشعب الفلسطيني، وهناك محطات عديدة الجبهة كانت تختلف وتتفق فيها لكنها كانت دومًا تحافظ على الوحدة الوطنية"، مُؤكدًا أنّ "الرفاق في الجبهة الديمقراطية الآن شركاء في النضال والكفاح، وهناك أطراف داخلية وعربية غذت الخلافات داخل الجبهة أيام الانشقاق".
كما شدّد مزهر على أنّ "الجبهة حددت في استراتيجيتها السياسيّة والتنظيميّة معسكر الأعداء المتمثل بالإمبرياليّة العالميّة والصهيونيّة والرجعيّة العربيّة، ومعسكر الأصدقاء المتمثل بالقوى والدول الصديقة التي تدعم شعبنا ونضاله، ويُسجّل للشعب المصري بأنه رغم اتفاق كامب ديفيد لا زال يأخذ موقفًا واضحًا وحازمًا وحادًا تجاه الوجود الصهيوني والمشروع الصهيوني في المنطقة".
وتابع مزهر: "عندما كسر الرئيس الراحل ياسر عرفات الموقف الرافض لاتفاقيات كامب ديفيد بزيارة القاهرة، أعلنت الجبهة موقفًا واضحًا بتشكيل جبهة الإنقاذ الوطني وخرجت من اللجنة التنفيذية، وكانت الجبهة الشعبية ركيزة أساسية في تشكيل القيادة الوطنية الموحدة التي قادت الانتفاضة الأولى، وكانت عنصر مهم بالنضال والكفاح والاشتراك المباشر في المواجهة الميدانية ضد الاحتلال، والجبهة خلال الانتفاضة الأولى تعرضت لحملة واسعة من الاعتقالات لكل قياداتها وكادراتها وأنصارها نتيجة لدورها البارز، كما أن العديد من قياداتها تعرضوا للإبعاد من قبل العدو الصهيوني".
ووجّه مزهر في "رحاب ذكرى الانتفاضة الأولى التحيّة لشعبنا الفلسطيني وخصوصًا في مُخيّم جباليا الذي فجر الانتفاضة"، مُعتبرًا أنّ "الانتفاضة الكبرى أعادت البريق للقضية الفلسطينية كقضيةٍ مركزيّة، ووضعتها على طاولة المجتمع الدولي من جديد، وأصبح العالم يتحرّك من أجل أن يبحث عن حلول، بعد أن مرُغ العدو في وحل هذه الانتفاضة لأنّها كانت محطة هامة في النضال الوطني وجعلت الاحتلال يغير حساباته في الوقت الذي كانت هناك حالة تراجع على المستوى الفلسطيني، وبمستوى الاهتمام بالقضية الفلسطينيّة".
ورأى مزهر خلال حديثه الذي تابعته "بوابة الهدف"، أنّ "العدو الصهيوني فشل في تحقيق هدفه بالنيل من الرفيق جورج حبش نتيجة الانتباه الأمني، فظل أيقونة للجبهة ولشعبنا الفلسطيني ولكل الأحرار في العالم حتى رحيله، والرفيق المؤسس د. جورج حبش قَدمّ نموذجًا ومثّلاً غير مسبوقًا في الساحة الفلسطينيّة، حينما تخلى طواعية في المؤتمر السادس عن الأمانة العامة، لأنه أراد أن يُقدم مثلاً في تكريس الديمقراطية في الساحة الفلسطينية، وحتى الشهيد القائد أبو علي مصطفى لعب دورًا مهمًا في محاولة تصليب البناء التنظيمي الداخلي للجبهة، ومحاولة تجميع القوى الوطنية الديمقراطية حتى تُشكّل رافعة لبناء الوحدة الوطنية".
وأكَّد على أنّ "اغتيال العدو للشهيد أبو علي مصطفى جاء من أجل إرباك الساحة الفلسطينيّة، ومحاولة وقف اندفاعات الشهيد تجاه الوحدة والمقاومة التي كان يعتبرها خيارًا استراتيجيًا ومهمًا لإطلاق العنان للمقاومة، ولأنّ العدو الصهيوني كان يعي أن الشهيد القائد أبو علي مصطفى يلعب دورًا مهمًا على صعيد توحيد طاقات شعبنا وإطلاق العنان للمقاومة".
ولفت إلى أنّ "الجبهة الشعبية عندما اتخذت قرار اغتيال وزير السياحة الصهيوني والترانسفير كانت تعي تمامًا أنّها ستتعرّض للملاحقة والاعتقال والاغتيال، وهذا أمر طبيعي في مسيرة النضال الوطني ضد هذا العدو الصهيوني، وعن وعيٍ وإدراك اتخذت الجبهة قرار تنفيذ حكم الشعب بقتل هذا المجرم صاحب نظرية الترنسفير للعرب، لتوجه رسالة للعدو الصهيوني أن الدم الفلسطيني ليس مباح، وكان الرفيق القائد أحمد سعدات خير خلف لخير سلف، ومَثلّ مقولة "الرأس بالرأس" بشكلٍ عملي، وفعلاً كان صاحب الوعد الصادق بالرد على جريمة اغتيال الرفيق أبو علي مصطفى".
وشدّد مزهر على أنّ "عملية 17 أكتوبر كانت من طرازٍ خاص، وأوّل عمليّة في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني يتم فيها قتل شخصية بحجم وزير صهيوني في الكيان الصهيوني، لكنّ الجبهة لم تتأثر باعتقال الرفيق الأمين العام، فهي تتميّز عن غيرها بأن من يحكمها هي مؤسسات وهيئات قيادية لها تدير فعل وعمل ونضال وكفاح الجبهة على كل الأصعدة والمستويات، ورغم ذلك فالأمين العام لم يغب يومًا عن الموقف والقرار، أو المساهمة الفاعلة في رسم السياسات وتوجيه البوصلة، وهو حاضر بقوة في كل حركة ونشاط وفعل بعقله وفكره".
وحول اتفاقات أوسلو، قال مزهر إنّ "الجبهة في كل المراحل لم تشارك بأي من حكومات أوسلو على الإطلاق، لأن مرجعيتها كانت دومًا أوسلو، وكانت تقف بالمرصاد لهذا النهج، والجبهة عارضت بقوة اتفاقيات أوسلو وكانت تعي الخطر والتهديد الكامن خلف هذه الاتفاقيات، حتى أنّ المشاركة في المجلس التشريعي مرهونة بالمرجعة السياسيّة لهذه الاتفاقيات، فالجبهة تتمسك بمرجعيّة سياسيّة قائمة على وثيقة الوفاق الوطني أو مخرجات اجتماع الأمناء العامين، وعلى أساس قرارات المجلسين المركزي والوطني بإلغاء اتفاقات أوسلو والتحلل من التزاماتها الأمنيّة والسياسيّة".
وبيّن أنّ "وثيقة الاستقلال شَكلّت أساسًا لمشاركة الجبهة في انتخابات التشريعي السابقة، ورغم ذلك خَطأت الجبهة نفسها، وقرار المشاركة من عدمه يخضع الآن للتقييم، واليوم خلافنا مع الرئيس محمود عباس في جوهره تنظيمي يتعلّق بمنطق التفرّد والهيمنة في المنظمة، وسياسي باستمرار المراهنة على المفاوضات والتسوية مع العدو الصهيوني"، مُؤكداً أنّ "الجبهة تدعو لعقد اجتماع مجلس وطني توحيدي جديد يشارك به الجميع بالانتخابات وبالتوافق عندما يتعذر إجراء هذه الانتخابات، لأنّنا لن نشارك في مؤسسات تدار فيها الأمور بهذه الطريقة بعيدًا عن قرارات الإجماع الوطني، ومؤسسات المنظمة الحاليّة شكليّة تُستخدم بطريقة أو بأخرى بمنطق الهيمنة والتفرّد، وهذا الشكل غير مقبول على الإطلاق في الجبهة".
وتابع مزهر: "نحن نريد مؤسسات وطنيّة ديمقراطيّة تقوم على أساس الشراكة الوطنيّة بما يتضمن مشاركة الجميع، ونشدّد على ضرورة الإقرار بشكلٍ واضح أنّ صيغة الأمناء العامين هي صيغة لقيادة انتقالية مؤقتة لحين اجراء انتخابات المجلس الوطني، وتشكيل القيادة الفلسطينية، ويجب أن تثبت هذه الصيغة باجتماعات دورية، ونرى ضرورة في تشكيل القيادة الوطنيّة الموحّدة لإدارة الصراع مع العدو، وهذا الذي يمكن أن يؤسس لانتفاضة شاملة ضد هذا العدو".
وشدّد مزهر على ضرورة "رفع كلفة الاحتلال وتصعيد المقاومة بكافة أشكالها، وصولاً لعصيان مدني ضد هذا العدو يشارك فيه كل طاقات شعبنا"، لافتًا إلى أنّ "هناك حسابات خاصة لا زالت تتحكّم في الواقع، وفي ظل تدخل لأطراف دولية وإقليمية تُغذي حالة الصراع والانقسام في الساحة الفلسطينية في إطار الحسابات، فضلاً عن استمرار المراهنات على المفاوضات والإدارات الأمريكية. تعالوا ندعو لاجتماع الأمناء العامين لإجراء حوار وطني شامل، نضع فيه كل قضايا الخلاف على الطاولة، ويجري حوار وطني هادئ بعيدًا عن الصراعات، لأنّ الحوار الوطني الشامل هو الممر الآمن والطريق الأمين لإنهاء الانقسام ومواجهة العدو والمخططات التصفوية، واللقاءات الثنائية لا يمكن أن تفضي لنتائج جدية وحقيقية، والحوار الوطني الشامل يُشكّل مخرج وضمانة وحاضنة للجميع من الارتدادات والحسابات الخاصة لهذا الفريق أو ذاك".
ورأى مزهر أيضًا أنّ "توحيد الموقف يتحقق في إطار جبهة مقاومة موحّدة تحدّد تكتيكات المقاومة أين ومتى وكيف انطلاقًا من مصالح شعبنا، وبعيدًا عن أي التزامات مع العدو الصهيوني"، مُعبرًا عن رفض الجبهة "للتهدئة والهدنة رفضًا قاطعًا طالما الاحتلال ما زال موجودًا فمن حق شعبنا أن يدافع عن نفسه وأن نقاوم الاحتلال في كل مكان، ونعتبر التوقيع على التهدئة أو الهدنة خطيئة كبرى".
وفي سياقٍ آخر، قال إنّ "الجبهة الشعبية كما قوى المقاومة تحظى بعلاقات ودعم وإسناد في مجالات عسكرية من قوى ودول وخاصة إيران، ومن الطبيعي أن تكون الجبهة الشعبية جزء من محور الممانعة والمقاومة، انسجامًا مع أدبياتها التي حددت فيها معسكر الأصدقاء بأنه من يدعم القضية ويقف في وجه الاحتلال الصهيوني وأمريكا، ويدعم الشعب الفلسطيني ويقف إلى جانبه"، مُؤكدًا أنّ "التطبيع خنجر مسموم في ظهر الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينيّة، والتحالفات الجديدة في المنطقة ما بين الأنظمة الرجعية العربية والاحتلال جرى إخراجها من الأدراج السرية إلى العلنية الواضحة، فهناك علاقات قديمة تربط هذه الأنظمة بالكيان الصهيوني".
وأشار إلى أنّ "الذي يدفع هذا المسار التطبيعي ويهندسه الإدارة الأمريكية والتي جعلت من إيران خطرًا رغم أنه كان يجب ألّا يجري التعامل معها على هذا الأساس، لكنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية لا خلاف بينهما في القضايا الاستراتيجية، بل الخلاف يكون في الأشكال والأدوات".
وفي ختام حديثه، قال مزهر: "الرئيس أوباما هو من أشعل الحرائق في المنطقة العربية والحروب الاثنية والطائفية والصراعات، واستخدام المأجورين والمرتزقة من كل دول العالم لتدمير بعض الدول العربية خدمة للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة"، مُؤكدًا أنّ "الرهان على بايدن رهان على الوهم، والأجدى أن نراهن على شعبنا ومقاومته، وفي ذات الوقت يجب تحرير هذه السلطة من التزاماتها الأمنيّة والسياسيّة والتمسك بالمقاومة باعتبارها نقطة الارتكاز والانتصار على هذا العدو".