منذ قيام الكيان الصهيوني بناء على قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 47 واعترافها به مع باقي دول العالم الكبرى، خاصة الولايات المتحدة التي كانت أول الدول والاتحاد السوفييتي، الذي كان دافعه من الاعتراف -كما ادعى- هو "تعميم الديموقراطية" في وسط المنطقة العربية التي تعاني شعوبها من التخلف بكافة أشكاله، وحتى قبل قيام هذا الكيان رسميًا عام 48، حين كانت فلسطين التاريخية تحت حكم الانتداب البريطاني. ومنذ أن أصبحت القضية الفلسطينية قضية سياسية تحوز على اهتمام المجتمع الدولي، لم تلعب الأمم المتحدة دورًا حاسمًا في الوصول إلى حل لها؛ لأن كل القرارات التي صدرت عنها هي قرارات صادرة عن الجمعية العمومية ليست فيها قوة الإلزام، ولذلك ظلت في الإدراج المغلقة بدون تطبيق؛ تضرب بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عرض الحائط، الأمر الذي يشجعها دائمًا على أن تتصرف كدولة فوق القانون فتقوم بممارسة الاستيلاء على الأراضي بهدف الاستيطان والتهويد وبممارسة عقوبات جماعية ضد المدنيين دون خشية من القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان.
ظلت الأمم المتحدة طيلة سبعة عقود ماضية وحتى اليوم؛ عاجزة عن حل الصراع العربي الصهيوني حلًا جذريًا، وذلك منذ الغزو الصهيوني لفلسطين الذي بدا مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط دولة الخلافة العثمانية، والسبب في هذا العجز يعود بشكل أساسي إلى هيمنة دول الغرب الاستعمارية التي كانت وراء المشروع الصهيوني وأيضًا على امتلاك نظام حق الفيتو الذي كان يعرقل أي قرار دولي يتم إصداره من مجلس الأمن، لذلك لم يصدر من الأمم المتحدة طيلة هذه المدة الطويلة وحتى اليوم، أي قرار على البند السابع الذي يلزم إسرائيل بتطبيقه، بينما اتخذ هذا القرار ضد العراق، وكان قد أعطى الضوء الأخضر للولايات المتحدة كي تقوم بغزوه ثم احتلاله وتغيير نظامه السياسي، وأكثر من ذلك إعدام رئيسه صدام حسين؛ هكذا هي الأمم المتحدة دائمًا تنفذ املاءات الغرب، خاصة واشنطن ولا تعبأ بعدالة القضايا الدولية، بقدر اهتمامها بالمحافظة على مصالح الدول الكبرى، وفي إطار ذلك استطاعت هذه المنظمة الدولية أن تحل الكثير من المشاكل والنزاعات الإقليمية، كإقليم كوسوفو الذي وضع تحت وصايتها لفترة انتقالية حتى حصل على الاستقلال. وفي البلدان العربية التي تشهد الآن فوضى سياسية وأمنية كسوريا واليمن وليبيا، كان للأمم المتحدة مساعيها لدى القوى المنخرطة في الصراع، بينما في الحالة الفلسطينية لم تحرك ساكنًا، ولم تبذل أي جهد سياسي أو دبلوماسي لا في موضوع تصحيح الوضع الداخلي بإنهاء الانقسام السياسي ولا في موضوع استمرار الحصار الجائر على قطاع غزة ولا في موضوع عملية الاستيطان والتهويد الجارية في الضفة الغربية المحتلة، بل الأخطر من ذلك تُقدم الآن على البدء بتقليص خدمات اللاجئين الفلسطينيين مسايرة للسياسة الأمريكية، تمهيدًا لشطب قرار العودة في أي مفاوضات تسوية سياسية قادمة، وإذا كان هذا هو حال موقف الأمم المتحدة العاجز المنحاز دائمًا لمصالح الدول الكبرى التي تهيمن على الصراعات الدولية؛ فلماذا إذن الحديث الآن بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض ودخول الرئيس الأمريكي الجديد بايدن عن دور تقوم به المنظمة الدولية بعقد مؤتمر دولي للتوصل إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية؟ وهل يمكن لواشنطن أن تقوم بدور أساسي في مساعي التسوية في حالة الاستمرار على الاعتراف ب القدس بأكملها عاصمة للكيان الصهيوني؟ وإذا ما حدث ذلك، فإن أي مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط سيكون مصيره على شاكلة مؤتمر مدريد الذي حضره عن العدو الإسرائيلي آنذاك إسحاق شامير، الذي صرح وقتها أن بإمكانه أن يفاوض مائة عام، وهو الأمر الذي يجعل الحديث عن مؤتمر دولي مضيعة للوقت، تضاف إلى عدد الأعوام التي مرت على اتفاقية أوسلو، والتي كثف فيها الكيان الصهيوني حملة الاستيطان، ودون أن تحقق حين توقيعها ما كان يشكل مطلبًا لمنظمة التحرير الفلسطينية بالانتقال من مرحلة الحكم الذاتي إلى الاستقلال الوطني وقيام الدولة، وهو ما لم يحدث حتى الآن، بل إن تحقيق مشروع حل الدولتين الذي يحظى "بإجماع دولي"، والذي أعادت الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة بايدن طرحه مجددًا؛ أصبح إمكانية تحقيقه الآن محفوف بالمصاعب والعراقيل، بسبب كثافة الاستيطان الصهيوني من جهة، وتمسك معسكر الائتلاف اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة الليكود بالرواية اليهودية من جهة أخرى.
أ