Menu

الانتخابات الفلسطينية هل ستكون كعكة مسمومة؟ أم ستكون فاكهة الوحدة الوطنية؟

وديع ابو هاني

خاص بوابة الهدف

هل ستكون الانتخابات الفلسطينية القادمة استحقاق وطني يستجيب لمطلب الوحدة وإنهاء الانقسام والحصار والقطع مع أوسلو ومن أجل إعادة ترتيب البيت الجامع منظمة التحرير الفلسطينية على طريق استمرار المواجهة للمشروع الأمريكي الصهيوني الرجعي؟ أم إعادة لتقاسم للسلطة وتأبيد للانقسام ومشروع فتنة وطنية برعاية وهندسة دول في الإقليم لملاقاة الإدارة الأمريكية الجديدة؛ من أجل استئناف نهج التفاوض والرهان مجدداً على الرباعية ووعود أمريكية جربت لأكثر من ربع قرن منذ مدريد وصولاً لأوسلو سيئ السمعة والصيت؟

الانتخابات الفلسطينية تسيطر على المشهد والخطاب الوطني الفلسطيني، خاصة الرسمي منه، وتحظى باهتمام نخبه السياسية دون أن تصل لاهتمام وثقة القطاعات الشعبية الفلسطينية حتى الآن التي سئمت من الحالة المأزومة التي يعيش الجميع على وقعها على ضوء خيبات الأمل المتكررة، وحالة التكاذب التي سادت وأعقبت كل جولات الحوار الثنائية والوطنية حتى الآن، والمستمرة منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً على الحسم العسكري عام 2007 وحالة الانقسام المستمرة، منذ ولوج مسار أوسلو التصفوي وملاحقه السياسية والأمنية و الاقتصادية، حيث توجت هذه المرحلة الأوسلوية بالاعتراف "بإسرائيل" وشطب وتعديل أهم بنود الميثاق الوطني الفلسطيني من قبل القيادة المتنفذة في المنظمة والسلطة، وحيث تستمر المرارة الوطنية من انقسام وحصار في ظل التهام ما تبقى من أرض في القدس والضفة المحتلة وغور الأردن بفعل سياسة الاستيطان والتهويد والضم، وشكلت سياسة ترامب وصفقة العار وضم القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها أبلغ تعبير وتكثيف للمشروع والحل الأمريكي الصهيوني المدعوم بتطبيع عربي رسمي غير مسبوق؛ محصلة الحصاد المر لنهج أوسلو والمفاوضات حياة يتربع بثقله على أكتاف الشعب الفلسطيني وعلى حوامله السياسية والتنظيمية من قوى ومؤسسات، والتي باتت تهدد المشروع الوطني والحقوق الثابتة، في ظل حالة إرباك واستعصاء وطني لا سابق ولا مثيل له في كافة المراحل والمحطات التي مر بها النضال الوطني الفلسطيني.

لا أحد يجادل اليوم حول خطورة وسوداوية المشهد والحالة المأساوية التي حلت بالساحة الفلسطينية في غياب المراجعة السياسية الصادقة والأمينة على المستوى الوطني، وإلى حد كبير على مستوى القوى السياسية والمجتمعية التي لا تبرئ من مسؤولية المهادنة لنهج اليمين البرجوازي والديني من خلال الارتهان التاريخي للقيادة التي أوصلتنا للأزمة المستفحلة ولحالة الاستعصاء التي باتت تهدد ليس فقط المشروع الوطني، بل أيضاً الحقوق الوطنية وما تبقى من الأرض.

 العملية الانتخابية ستكون ملهاة جديدة لشعبنا عندما تغيب أهدافها وأجندتها الوطنية التي يجب أن تساهم كعملية تجديدية وديمقراطية في خدمة مرتكزات استمرار النضال الوطني من خلال العودة والحجيج للشعب واحترام خياراته عبر صناديق الانتخابات وضمان نزاهتها والتي تؤمن احترام خيارات الشعب ونتائجها وانتقال سلمي للسلطة المنتخبة، كل ذلك يحتاج ويجب أن يسبقه خارطة طريق وحوارات وطنية تفضي لتفاهمات وطنية وإجراءات دستورية ورقابة شعبية ودولية صارمة لاحترام نتائج هذه الانتخابات إن تمت. هذه الانتخابات الديمقراطية التي يجب أن تتيح مشاركة كل أبناء الشعب الفلسطيني أينما تواجدوا في الداخل والخارج، (في غزة، الضفة، القدس، أراضي 48 وفي الشتات وأماكن اللجوء والمهاجر) بعيداً عن سياسة الكوتا والمحسوبيات والتقاسم للسلطة، وبما يضمن تجديد بنى المؤسسات الوطنية والمجتمع والنظام السياسي الفلسطيني في حوامله المختلفة من (المجلس الوطني إلى المجلس التشريعي والرئاسة).

لكن يبقى السؤال: هل يمكن أن تجري انتخابات ديمقراطية تحت حراب الاحتلال واحتمالات تدخله وفرض شروطه، سواء بمنع مشاركة أهلنا بالقدس، أو من خلال المضايقات والاعتقالات والحصار والتزوير؟ أصلاً هل يمكن ممارسة الديمقراطية دون توفر الحرية في وطن حر وسيد ما زال يرزح تحت الاحتلال ويتحكم بكافة مناحي الحياة فيه؟

إن الحوار الوطني الشامل ضمان نجاح الانتخابات واحترام نتائجها.. شكلت طريقة التفرد بإصدار المراسيم الخاصة بالانتخابات استمرار لسياسة فرض الأمر الواقع المنافية للديمقراطية، حيث كرست نفس النهج والأسلوب بإدارة الظهر للشراكة الوطنية ولمجمل التفاهمات الوطنية ولمخرجات الحوار الوطني السابقة وليس أخرها لقاءات (رام الله، بيروت، دمشق)، فهل إصدار المراسيم الرئاسية بالطريقة التي تمت دون توافق وطني ودون ضمانات إجرائها بالتوازي أو التزامن يمكن أن تعزز المناخات والعلاقات الوطنية لمجمل العملية الديمقراطية ونتائجها، والمترافقة أصلاً مع التدخلات الفجة الفوقية بإعادة التشكيل والتغيير في المحكمة الدستورية والتنقلات التي تثير الريبة القانونية حول مدى نزاهة الجهات القضائية التي ستشرف على الانتخابات الوطنية والبت بأي خلافات واعتراضات وطعون دون ضغوط من أحد؟

 كل ذلك عزز الشكوك بالنوايا التي أقدم عليها الرئيس بطريقة فردية أثارت شبهات بأهداف العملية الانتخابية لدى الكثيرين من أبناء شعبنا وقواه السياسية، وحتى لدى نقابة المحامين الفلسطينية ولدى العديد من القانونيين، وأصبحت نزاهة العملية الديمقراطية والانتخابات على المحك. لقد بات واضحاً وجلياً أن الانتخابات الفلسطينية وجهود المصالحة (رغم أنها أولوية ومصلحة وطنية عليا في ظل حالة الانقسام والحصار)، فإن التدخلات الإقليمية والدولية (من قطر وتركيا و مصر وأخرون) بالأوضاع الداخلية الفلسطينية ومسارها تركت تخوفات جدية عند قطاعات شعبية وحزبية في الساحة الفلسطينية؛ فبدل احترام الاتفاقات الوطنية المبرمة وتنفيذها تستمر عملية التعطيل والتدخلات الخارجية وهي بذلك تطرح أسئلة جدية عن الأجندة والأهداف لما بعد العملية الانتخابية التي تسمى ديمقراطية، والتي ربما تنتقص من وطنيتها ومن وظيفتها، حيث لا يزال أصحاب ومتعهدي مشروع أوسلو فعلياً يتمسكون بمرجعية الانتخابات التي قامت عليها اتفاقات أوسلو، ويراهنوا على العودة لمسار التفاوض ولأكذوبة حل الدولتين وعلى الرباعية الدولية، بعد أن أسقطت فكرة ومطلب المؤتمر الدولي لتطبيق قرارات الأمم المتحدة، والتي تجاوزت قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالحقوق الوطنية الثابتة، وهم بذلك يوجهون سهماً قاتلاً لقرارات الإجماع الوطني التي دعت للقطع مع أوسلو ونتائجه الكارثية، وهم بذلك يماطلوا ويتهربوا من تنفيذ قرارات الهيئات الوطنية والمؤسسات الفلسطينية من (لجنة تنفيذية ومجلس مركزي ومجلس وطني)، والتي أجمعت على التحلل ووقف العمل بالاتفاقات مع الكيان الصهيوني؛ القرارات الوطنية التي دعت للقطع مع ثقافة دايتون ووقف التنسيق الأمني واتفاقات باريس الاقتصادية ولكافة الملاحق الأخرى التي تنتقص من حقوقنا الوطنية ومن السيادة، حيث أجمع الشعب الفلسطيني وقواه السياسية على سحب الاعتراف "بإسرائيل".

العملية الديمقراطية التي يطمح لها الكثير بقدر ما يجب أن تستجيب لمقومات وشروط الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام والحصار وإطلاق يد المقاومة الشاملة، يراد توظيفها لتزوير الإرادة الشعبية والبحث عن تجديد شرعيات متآكلة وشاخت وتسويات داست عليها دبابات وبساطير جنود الاحتلال؛ فبدل التنفيذ الفوري لمخرجات الحوارات الوطنية التي أفضت إلى ضرورة تشكيل القيادة الوطنية، وإطلاق المقاومة الشعبية الشاملة وتعزيز الشراكة الوطنية في القرار والميدان، ودمقرطة المجتمع والنظام السياسي الفلسطيني.. اليوم كل ذلك يجري توظيفه لأهداف أخرى ولأجندة المراهنة على نتائج الانتخابات الأمريكية الجديدة في ظل مجيء الرئيس بايدن.

تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة أغرت وشجعت صانع القرار في السلطة الفلسطينية وسال لعابها مجدداً بإمكانية التقاطع مع مرحلة بايدن الجديدة، والتي وجهت رسائل للسلطة وشملت وعود وإغراءات جربناها لأكثر من ربع قرن في أعقاب مؤتمر مدريد واتفاقات أوسلو وملاحقه التصفوية. فهل هذه هي الانتخابات التي ينشدها شعبنا حقاً؟ وهل أهداف السلطة وقيادة المنظمة المتنفذة ستستجيب لطموحات الشعب ومصالحه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف؟ وهل ستخدم الحقوق الوطنية ومقاومة شعبنا التي تتطلب تسعير وتعظيم المواجهة مع مشروع صفقة القرن والضم والتطبيع؟ وهل ستفضي الانتخابات إذا ما تمت لتصليب الوضع الفلسطيني أم ستزيده انقساماً؟ ثم إذا كانت الانتخابات الديمقراطية ليست بوارد تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني (جغرافياً وسياسياً)، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية الأداة الكفاحية للتحرير والممثل الوحيد والشرعي، والإطار الجامع للبيت الوطني فما الفائدة الوطنية المرجوة من هكذا انتخابات ونتائج حوارات لما يسمى بالانتخابات وجهود إنهاء الانقسام؟ ثم هل الانتخابات الفلسطينية وجهود تحقيق الوحدة الوطنية ستفضي لإطلاق يد المقاومة التي تمهد وتقود لانتفاضة شعبية ثالثة، أم لا سمح الله ستكرس انقسام جديد ومشروع احتراب داخلي فلسطيني يجني ثماره الاحتلال وحلفاؤه؟ وهل الانتخابات وسيلة أم غاية بحد ذاتها؟ وهل ستنعكس على مجمل الأوضاع الوطنية وعملية المواجهة مع المشروع الأمريكي الصهيوني الرجعي الذي يتم ويترجم على مرأى من أعين العالم، في ظل وضع دولي تختطف فيه الشرعية الأممية وتنتهك القرارات الدولية لصالح العدو الصهيوني؟

رغم التخوفات والضغوط والتدخلات؛ شعبنا يحدوه الأمل بإمكانية تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام وتجديد مشروعه التحرري ونحن في مرحلة التحرر الوطني، والمدخل الحقيقي والطريق الأقصر للخروج من حالة الانقسام والحصار، استعادة وحدة منظمة التحرير الفلسطينية المخطوفة إلى وظيفتها التحررية من خلال الدعوة لعقد مجلس وطني توحيدي جديد يشارك فيه الجميع، بانتخابات حرة وشاملة وديمقراطية يشارك بها كافة أبناء الشعب الفلسطيني أينما تواجد، هذه هي الانتخابات التي يريدها شعبنا، وهذه منظمة التحرير التي يسعى شعبنا لإعادة بنائها وإصلاح أوضاعها على أسس سياسية وتنظيمية وديمقراطية، استناداً للتفاهمات الوطنية المتفق عليها ولوثيقة الإجماع الوطني كمرجعية وطنية (وثيقة الأسرى)، وثيقة الوفاق الوطني التي أجمع عليها شعبنا كمرجعية وقواسم مشتركة لأي وحدة وطنية قادمة؛ فأي انتخابات إذا ما تمت ستبقى ناقصة إذا لم يشارك بها كافة أبناء الشعب الفلسطيني أينما تواجد، انتخابات ديمقراطية تحترم فيها النتائج وليس تقاسم ومحاصصة وكوتات بين الفصائل الفلسطينية أو بين الفصلين الكبيرين حماس وفتح، ومن وراء ظهر الشعب ودون مشاركته الفاعلة والشاملة أينما تواجد؛ فأي انتخابات وطنية لا تبدأ بمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال مجلس وطني توحيدي وجديد ومنتخب هي ديمقراطية ناقصة ومفبركة، وأي حنين وعودة لمسار أوسلو والتنصل من قرارات الإجماع الوطني سيفجر التفاهمات الوطنية مجدداً على نحو كارثي، لذلك فالعملية الوطنية الوحدوية يجب أن يشارك الجميع ببنائها ونجاحها وحمايتها والدفاع عنها كإنجاز وطني وتاريخي؛ لأنها المدخل القوي لاستعادة المبادرة الفلسطينية التي تقربنا من ساعة الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير.