يصعّد الاحتلال هجوم عصاباته الأمنيّة الإرهابيّة على أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني المحتل وضفة الصمود، راميًا لتحقيق أهداف قديمة فشل فيها مرارًا وتكرارًا، وهي ردع الفلسطيني داخل الأرض المحتلة عن التعبير عن هويته وعزله عن التواصل مع أبناء شعبه.
يعتقل الاحتلال ويحاكم العديد من أبناء شعبنا في الداخل بتهم مبتدعة، تتعلق بتواصل أبناء فلسطين المحتلة مع شعبهم خارج فلسطين أو في الأراضي المحتلة في العام ١٩٦٧، أو مع أصدقاء وزملاء عرب، يطلق العدو مصطلحاته على هذه العلاقات مثل التواصل مع "عميل أجنبي" أو "جهات معادية"، وهنا لا نتحدث عن نشاط أمني احتلالي موجّه لردع الفلسطينيين عن القيام بحقهم وواجبهم بمقاومة الاحتلال، ولكن عن محاولة ممنهجة لتوسيع القمع والسياسات الأمنية لتشمل الهيمنة على علاقات الفلسطيني وتعريفه لذاته وتمثله لهويته وانتمائه لمحيطه العربي وشعبه الفلسطيني.
التجربة النضالية الطويلة لشعب فلسطين ومناضليه وحركاته الوطنية في مواجهة سياسات الاحتلال ومنظومات الإرهاب الأمني التابعة له، تثمر اليوم رفضًا واضحًا لهذه الاتهامات من حيث المبدأ، واصرار شجاع على الهوية التي تصنع هذه الصلات.
إن شكل التواصل الذي يرغب به الاحتلال وشركاؤه، هو التطبيع وقنوات الخيانة الأمنية والتحالف مع نظم الرجعية العربية العميلة، فيما يسعى العدو لتطويع الوعي الجمعي الفلسطيني، بالترهيب والاتهامات الأمنية، متناسيًا أن عداءه لكل ما هو عربي وفلسطيني لا يمكن أن يقبله أو يحمله الفلسطيني أو يمتثل لمعاييره، وأن أمن العدو الصهيوني، هو النقيض التام لأمن الإنسان العربي الفلسطيني، وأن هجمته هذه ليست الأولى من نوعها ولن يكون مصيرها إلّا السقوط كسوابقها.
إنّ الاصرار على وحدة شعبنا في الوطن والشتات، وعلى صلته الحتمية بمحيطه العربي، وكونه جزء من هذا النسيج العربي الحي الممتد من المحيط للخليج، هو تأكيد على حتمية هزيمة المشروع الصهيوني وسياساته الاستعمارية والعنصرية، بل وتوضيح لطبيعة التناقض بين ما يعبر عنه الوجود الإنساني والوطني الفلسطيني، كجزء من تاريخ هذه المنطقة، متصل بعمقه الاستراتيجي العربي، وبين المشروع الاستيطاني القائم على الحراب وحراسة وحماية الحلفاء المستعمرين.
إنّ الهزيمة المؤكّدة للمشروع الصهيوني، تأتي من تناقض واقعه مع كل ما هو طبيعي وإنساني، ومن انسجام الفلسطيني والعربي كمجموع وقضية مع القيم الإنسانية، والتطلعات العادلة لمستقبل أفضل لشعوب هذه المنطقة، مستقبل يخلو من الدور الخبيث للسرطان الاستعماري، وتمكن فيه الشعوب من حقها في العيش بحرية، وتسوده قيم الإخاء والمساواة والعدالة، وهذا لن يكون إلا بالتمسك بوحدة كفاح الشعوب في مواجهة المنظومة الاستعمارية، والحفاظ على فلسطين كموقع وفكرة تشكل بوصلة للنضال العربي ضد الهيمنة الاستعمارية.