بعد إصدار المراسيم الرئاسية من قبل الرئيس أبي مازن بتاريخ 25/1/2021، وتحديد مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، على أن تتم بالتتالي بدلًا من التزامن، رغم أن القانون الأساسي سابقًا يتحدث عن التزامن؛ جاء الاتفاق على اجراء هذه الانتخابات، والتي تأجلت لسنوات طويلة بعد موافقة حركة حماس عليها وبهذا الشكل، بعد أن اعترضت سابقًا، وقبلت الآن بوجهة نظر فتح، مما يطرح العديد من الأسئلة من نوع ما الذي تغير ودفع الفرقاء إلى التوافق.
إن المتغير الاساسي الذي حصل هو الانتخابات الأمريكية ونجاح بايدن، وما تبع ذلك من مصالحة خليجية، إلى جانب ترطيب الأجواء بين السعودية و مصر وتركيا، كل ذلك يأتي استجابة للطلبات الأمريكية التي قدمتها الإدارة الجديدة. والأسئلة التي تطرح هنا: ماذا نتوقع كفلسطينيين أن تقدم لنا إدارة بايدن من جديد يخدم القضية الوطنية الفلسطينية؟ هل ستعمل على وقف الاستيطان؟هل ستعمل على تطبيق قرارات الشرعية الدولية؟ هل ستدعم الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه؟ هل ستحاسب وتعاقب دولة الكيان كما تعاقب الدول الأخرى؟ هذه وغيرها من الأسئلة تبرز في الذهن، لماذا هذا الرهان، على الإدارة الجديدة؟
والجواب واضح كل الوضوح لكل صاحب بصيرة، أن هذه الإدارة جُربت مرات عديدة أيام كلينتون وأوباما ومن سبقهما، فماذا قدمت لنا هذه الإدارات سوى الضغط المتواصل علينا لتقديم التنازلات والدعم المتواصل لدولة الكيان وتشجيعها على مواصلة سياسة الاستيطان والتمييز العنصري وهدم البيوت والزج بالمناضلين في السجون والتمرد على القرارات الدولية وغيرها؟ ومن يراجع التجارب السابقة يرى ذلك بوضوح.
والآن ماذا تقول الإدارة الجديدة؟
إنها تقول بتأييد قرارات ترامب بشأن ضم القدس واعتبارها عاصمة موحدة لدول الكيان، ونقل السفارة الأمريكية إليها، إلى جانب الاستمرار في سياسة ترامب وما قام به إزاء عملية التطبيع، وليس هذا فقط، ألم تقل الإدارة الجديدة إنها ملزمة بحماية دولة الكيان والدفاع عنها والحفاظ على تفوقها وأمنها؟ ألم تقل بالأمس إنها ضد قرار محكمة الجنايات الدولية الذي يؤكد وصايتها على الضفة وغزة وشرقي القدس؟ بعد كل ذلك ماذا تتوقعون من هذه الإدارة؟ ستبقى منحازة لدولة العدو وتقدم لنا بعض الرشوات من نوع إعادة المساعدة المالية وإعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، وهذا يأتي في إطار عملية مواصلة الضغوط من أجل جر السلطة والقيادة الرسمية نحو مفاوضات جديدة؛ لن تقدم لنا شيئًا سوى الاستمرار على طريق أوسلو والجميع يعرف هذا الحصاد المر الذي نتج عنه.
إن الذهاب للانتخابات، ليس حرصًا على الديمقراطية وتمسكًا بها، ولا لمصلحة الشعب الفلسطيني كما يدعون، وكنا نتمنى أن يكون ذلك صحيحًا، لكن ماذا قالت التجربة؟ أليست القيادة الفلسطينية بشخص رئيسها أبو مازن هي التي تحارب الديمقراطية وتقف في وجهها؟ وإلا ماذا يعني عدم الالتزام بقرارات المجلس الوطني والمركزي العديدة وضربها عرض الحائط؟ ماذا يعني التحلل من قرارات الأمناء العامين في اجتماع بيروت رام الله مقابل التمسك بمخرجات أوسلو؟! هناك العديد من الأمثلة يمكن ذكرها ولا يتسع لها المجال هنا؛ فالديمقراطية مسؤولية وثقافة وممارسة، والسؤال أين نحن من ذلك؟ هل الانتخابات تجري في إطار العملية الديمقراطية؟ أم أن لها أهداف أخرى؟!
الجواب واضح، إنها تأتي استجابة لطلبات وضغوطات من الخارج، وهدفها الأساسي تجديد شرعية السلطة التي تقادمت ولم تعد صالحة من أجل الذهاب للمفاوضات مجددًا.
المسألة ببساطة أننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني، بالتالي نحن حركة تحرر وطني وأرضنا تحت الاحتلال، ومن المعروف أنه لا ديمقراطية تحت الاحتلال كون الاحتلال والديمقراطية لا يلتقيان؛ فكيف يمكن أن تقوم انتخابات حرة ونزيهة والاحتلال يهدد مسبقًا كل من يعارضه ويشارك في هذه الانتخابات بالملاحقة والاعتقال؟ وهل تستطيع السلطة ومن أعطاها الضمانات ان يمنع ذلك؟! وماذا قالت تجربة الانتخابات السابقة؟ ألم تقم دولة الكيان باعتقال عدد كبير من أعضاء المجلس التشريعي وزجت بهم في السجون وما زال الكثيرون منهم يقبعون فيها حتى الآن؟ ومن الذي سيمنع العدو من تكرار ذلك؟ والسؤال الآخر والمهم، هل ستكون الانتخابات مقدمة للخروج من المأزق الذي نعاني منه منذ فترة طويلة، في ظل الانقسام البغيض الذي دمر كل شيء؟
أخشى أن تكون الانتخابات مقدمة لاستمرار هذا الانقسام وبشكل أكبر. ثم ألم يكن الأسلم يسبق القرارات والمراسيم الحوار الوطني، وبعد ذلك تأتي المراسيم والقرارات كنتيجة له؟ بالتالي لماذا نضع العربة أمام الحصان؟!
إن من يريد الخروج من المأزق، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني عليه أولًا وقبل كل شيء أن يدعو لحوار وطني شامل يشارك فيه الكل الفلسطيني، دون استبعاد أو اقصاء لأحد؛ فلسطين للجميع ويجب أن يشارك الجميع في صنع القرار الفلسطيني. وهنا لا بد من التأكيد بأننا بحاجة لتقييم ومراجعة حقيقية للتجربة الماضية، واستخراج الدروس منها والعودة لرسم استراتيجية جديدة؛ تقوم على قاعدة استعادة وحدة منظمة التحرير الفلسطينية؛ استنادًا لميثاقها الوطني الأصلي، ورفض كل التعديلات التي أدخلت عليه في مجلس غزة اللاشرعي؛ استجابة لطلبات أمريكا ودولة الكيان وبحضور كلينتون، ومغادرة ذهنية التفرد والفردية والمحاصصة.
إن من يريد الخروج من المأزق عليه أن يخرج من دائرة المفاوضات العبثية والرهان على أمريكا والقرارات الأممية التي لم تفعل شيئًا سوى إطالة أمد الاحتلال، وعليه أن يقتنع بأن الحرية والاستقلال والتحرير له ثمن كبير ولا يمكن أن يتحقق كل ذلك؛ إلا بالقوة، وهل من ثورة في العالم حققت أهدافها وحررت بلادها دون قوة؟ "فما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، أين نحن من ذلك؟ وهذا أيضًا ما تقوله تجارب الشعوب التي تحررت من نير الاحتلال والاستعمار.
علينا أن نذهب لتفعيل خيار المقاومة وأن نكون جزءًا لا يتجزأ من محور المقاومة؛ علينا أن نخرج من اتفاقيات أوسلو، وأن نسحب الاعتراف بدولة الكيان؛ علينا أن نوطد علاقاتنا مع الشعوب العربية والإسلامية ومع كافة القوى الديمقراطية والمحبة للسلام في العالم ونعمل معها في كل المجالات التي تخدم قضيتنا وقضايا الحرية والعدالة؛ علينا أن نذهب لعملية تجديد حقيقية في صفوف القيادة، في المنظمة والمنظمات الشعبية وكافة المؤسسات الفلسطينية، بما يعطي للمرأة حقها في المشاركة كونها نصف المجتمع، كما أن تقدم أي مجتمع يقاس بمقدار دور المرأة فيه؛ وعلينا تعزيز دور الشباب في القيادة كونهم الأمل والمستقبل، ومن يريد التجديد عليه أن يقدم نموذجًا بذلك.. نعم هذا هو الطريق للخروج من المأزق لمن أراد حقًا ذلك.
بعد ما سجلته سابقًا، اود التأكيد على التالي:
_ لست مع الانتخابات في ظل الاحتلال.
_ لا ديمقراطية لانتخابات تحت بسطار وسطوة الاحتلال.
_ لن تقدم لنا هذه الانتخابات حلًا للمشاكل القائمة مثل: الانقسام وغيرها، بل بالعكس ربما تفتح الأبواب أمام مشاكل جديدة؛ نحن في غنى عنها.
_ إن هذه الانتخابات لا تأتي كاستحقاق وطني، وإنما تلبية لمطالب خارجية، وهدفها العودة للمفاوضات المعروفة نتائجها سلفًا، في ظل موازين القوى القائمة، وهي لن تكون في أي حال من الأحوال لمصلحة الشعب الفلسطيني.
_ هذه الانتخابات تعتريها العديد من الثغرات القانونية، خاصة عندما نتحدث عن وحدة الشعب والأرض.
وأزيد على ما سبق في طرح السؤال التالي: أين دور شعبنا في منطقة ال48؟ أم أننا تخلينا عنهم؟ وماذا عن دور شعبنا في مختلف مواقع الشتات؟
لا يكفي أن نقول دومًا أن شعبنا بلغ تعداده 13 - 14 مليونًا، في الوقت الذي يتم استبعاد أكثر من نصفه عن المشاركة في صنع القرار! ففلسطين ليست الضفة وغزة والقدس؛ فلسطين كل حبة تراب من النهر إلى البحر؛ فلسطين هي الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ومختلف مناطق تواجده، عندما نتحدث عن إرادة الشعب يجب أن تشمل كل الشعب.
إن أمريكا والغرب والمطبعين العرب؛ يريدون مشاركة كافة الفصائل، وخاصة الأساسية منها في الانتخابات كون الاستحقاق القادم يتطلب من كل من يشارك أن يلتزم بـ اوسلو والاعتراف بـ دولة الكيان ومغادرة المقاومة ووقف الكفاح المسلح، فهل تعون ذلك؟!
إن هذه الانتخابات لن تقدم حلولًا، بل ستزيد المشاكل والأزمات الفلسطينية تفاقمًا، وسيزداد المشهد تعقيدًا، ويستمر المأزق ويتسع، وننتقل من الأمل الموعود لنصل إلى الطريق المسدود وهذا مالا نتمناه لكننا نتوقعه، وهذا ليس من موقع التنجيم والعلم بالغيب وإنما من موقع القراءة الدقيقة للتجربة الماضية وإلى أين وصلنا.
هناك خشية حقيقية؛ أن تؤدي هذه الانتخابات إلى المزيد من الشرذمة والانقسام بين قوى اليسار الفلسطينية، في وقت مطلوب تجميع القوى استنادًا إلى الموقف الوطني ومن البرنامج الوطني، وليس إلى الجانب الأيديولوجي، من أجل الاستمرار في النضال سويًا من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين.