Menu

عن الصحفي الكبير هيكل في ذكرى رحيله

محمّد جبر الريفي

خاص بوابة الهدف

محمد جبر الريفي

رحل في مثل هذا الشهر بتاريخ 18 فبراير قبل خمس سنوات الصحفي المصري الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل؛ صاحب مقال (بصراحة)الذي كان ينشره أسبوعيًا في يوم الجمعة في صحيفة الأهرام المصرية؛ الصحيفة شبه الرسمية في عهد حكم الرئيس جمال عبد الناصر الذي كانت تربطه بالأستاذ هيكل صداقة قوية، وكان مقاله هذا يجد إقبالًا شديدًا من القراء العرب لأنه شكل في تلك المرحلة بيانًا هامًا فيه استعراض لأحداث المنطقة، ومن زاوية مهنية إعلامية عالية تعكس انتماءه الوطني والقومي.

رحل هيكل عن عالم عربي ممزق ضعيف الإرادة السياسية عاجز عن مواجهة التحدي الحضاري بعيد عن تحقيق وحدته القومية تسيطر عليه أنظمة النفط والمال التي أدارت ظهرها للقضية الفلسطينية، حيث لم تعد تشكل لها القضية المركزية، مما جعل بعضها ينسج علاقة تطبيعية مع العدو الصهيوني، وما كان ليحدث هذا الموقف الخطير من أنظمة الرجعية العربية من خلال الانتقال من موقف العمالة التاريخية للغرب الاستعماري الإمبريالي والتساوق مع مخططاته،إلا بعد أن تراجع دور المراكز الحضارية القومية العربية في القاهرة ودمشق وبغداد.. فنحن في عالم عربي مضطرب يغوص في أزمات عميقة بعد أن انحرفت ثورات ربيعة وأفرزت حروب طاحنة وصراعات دموية؛ تدفع ثمنها شعوبه المطحونة بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية؛ المقهورة بالظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي..حروب يشارك فيها الغرب والشرق الصديق والعدو والحليف الكل يقتل الكل..الكل لا يقبل بالآخر..الجميع يحارب من أجل الوصول إلى السلطة السياسية المتنازع عليها بين الأحزاب والحركات تغذيها عوامل طائفية وعرقية وإقليمية ودولية، وكلها تصب في السيطرة على مقدرات المنطقة وابقائها في دائرة التخلف الحضاري، وهي القضايا التي كانت دائمًا تثير اهتمامه.

رحل الصحفي الكبير هيكل الذي عاصر القضية الفلسطينية في مرحلة مبكرة من الصراع العربي الصهيوني، وكان شاهد عيان على جريمة اغتصاب فلسطين، حيث كان مراسلًا حربيًا؛ رافق الجيش المصري في معاركه التي خاضها ضد العصابات الصهيونية عام 48 دفاعًا عن عروبة فلسطين. كان الأستاذ هيكل أحد أعمدة الصحافة العربية في فترة ساد بها المد القومي الذي كانت تقوده مصر عبد الناصر، فانتصر بقلمه للقضايا القومية العربية، وكان بذلك متميزًا في موقفه القومي العروبي بخلاف كثير من كتاب مصر الكبار الذين كانوا لا تثير اهتمام أقلامهم هذه القضايا، حيث كانوا يرون في مصر بلدًا شرق أوسطيًا بحضارته الفرعونية، خارج نطاق العروبة؛ غير منتميًا لإرثها العربي والإسلامي، ولذلك لا غرابة في أن يقف معارضًا لاتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني، مما عرضه للاعتقال في عهد السادات. كما عارض سياسات مبارك الذي سار على نهج سلفه واعتزل الكتابة لمدة سبعة عشر عامًا ليعود بعد ذلك لممارستها تحت عنوان مقاله القديم الشهير (بصراحة) بعد ثورة 25 يناير الشعبية.

كل التقدير لهذا الصحفي العربي الكبير في ذكرى يوم رحيله الذي يشكل خسارة كبيرة للصحافة العربية القومية الملتزمة بقضايا الأمة.