ضمن مناقشات مؤتمر التقييم الاستراتيجي للكيان الصهيوني في معهد دراسات الأمن القومي، احتل الصراع الفلسطيني –الصهيوني طبعا أولوية معتادة، وانصب الجهد البحثي في هذا المؤتمر كما عكسه التقرير الختاميي ومداخلات المشاركين على سؤال حالة الساحة الفلسطينية، وأين تكمن مصلحة الكيان الصهيوني هل عبر المحافظة على الأمر الواقع أم السعي للتغيير ودعم جهود التغيير بأساليب متعددة.
يرصد التقرير أنه في عام 2020، عانى النظام الفلسطيني من عدد من الضربات، عرضت "خطة ترامب" للتسوية، والتي تجاهلت فعليًا الفلسطينيين ومطالبهم وتبنت موقف الحكومة الصهيونية الحالية من بعض القضايا، وقد ثبت عدم قدرتها على وقف نية الحكومة الصهيونية بفرض السيادة على مناطق في الضفة الغربية.
خسر الفلسطينيون حق النقض على إقامة التطبيع بين الكيان والدول العربية، وحدث وباء كورونا كأزمة صحية عمقت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في الساحة الفلسطينية.
في الوقت نفسه، حولت "إسرائيل" التأخير في تطبيق السيادة إلى سياسة ضم زاحف وتوسيع البناء في جميع المستوطنات في الضفة الغربية.
ويبدو أنه من وجهة نظر القيادة الصهيونية الحالية، لا مصلحة في تعزيز عملية سياسية تجاه الفلسطينيين، لأن الوضع الحالي في نظرها هو في يد "إسرائيل"، وبالتأكيد عندما يكون جدار العالم العربي قد تم اختراقه فعليا، فحتى إذا دخلت "إسرائيل" في مفاوضات مع الفلسطينيين (منظمة التحرير الفلسطينية / السلطة الفلسطينية)، فمن المحتمل أن تطالب بأن تكون خطة ترامب أساسًا للنقاش - وهو مطلب من المتوقع أن يرفضه الفلسطينيون.
ومع ذلك ، فإن انتخاب بايدن للرئاسة يمثل توجهاً إيجابياً في نظر قيادة السلطة الفلسطينية، ومن المتوقع أن تُظهر الإدارة الجديدة دعمًا أقل لمواقف "إسرائيل" مقارنةً بإدارة ترامب، بل إنه من المتوقع أن تقنع الدول الأوروبية، على خلفية التقارب المتجدد عبر الأطلسي، بالعمل على تجديد العملية السياسية وتعزيز حل الدولتين، ويدعم الحزب الديمقراطي الأمريكي فكرة الدولتين، لكن من غير المرجح أن تلغي الإدارة الاعتراف ب القدس عاصمة "لإسرائيل"، أو تعيد السفارة من القدس إلى تل أبيب.
من ناحية أخرى، من المرجح أن تلغي الإدارة الجديدة اعتراف (إدارة ترامب) بشرعية المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، ومن الممكن أيضًا أن تفتح الإدارة الجديدة تمثيلًا لمنظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة وربما أيضًا قنصلية مستقلة في القدس الشرقية.
حاولت القيادتان الفلسطينيتان (السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة)، دون جدوى، تنظيم علاقاتهما من خلال المصالحة والوحدة والانتخابات.
والنتيجة هي في الواقع تعميق التمييز بين المناطق، مع احتفاظ كل جانب بأصوله وعدم استعداده للتحلي بالمرونة.
ومع دخول الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة، نما النظام الفلسطيني فهم الحاجة إلى التنسيق مع "إسرائيل" والاعتماد على المساعدة منها، ومنح درجة معينة من الشرعية للتعاون معها.
أما بالنسبة لحماس، فإن الأزمة الاقتصادية ووباء كورونا يجبران المنظمة على محاولة التوصل إلى تفاهم مع "إسرائيل" من أجل تحسين الوضع الإنساني والصحي والبنية التحتية في قطاع غزة.
وبدأت الاستعدادات لانتخابات القيادة، المتوقع إجراؤها في ربيع 2021، ويبدو أنه حتى في ظل هذه الخلفية، فإن قيادة التنظيم ستبتعد عن الاستفزازات مع "إسرائيل"، والتي من المحتمل أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية.
في الوقت نفسه، من المتوقع أن تستمر حماس في بناء قوتها العسكرية، وعلى وجه الخصوص زيادة مخزونها من الصواريخ والطائرات بدون طيار، الموجهة للهجوم في الأراضي الإسرائيلية.
في العامين الماضيين، تم إطلاق صواريخ عدة مرات من قطاع غزة وهي حوادث تم وصفها بأنها غير مقصودة أو ناجمة عن خطأ، ولكن من المحتمل أن يكون هذا إطلاقًا متعمدًا، يهدف إلى إبلاغ "إسرائيل" بأن التحديات الأمنية لا تزال قائم، دون المخاطرة بالتصعيد، حيث من الواضح أن حماس غير معنية بالتصعيد، بل إنها تنجح في فرض الهدوء (النسبي) على القوى الأخرى في قطاع غزة.
لـ"إسرائيل" مصلحة في وجود سلطة فلسطينية، عاملة، ومستقرة وغير معادية، لذلك، -حسب التقرير- من المناسب اتباع نهج داعم ومفيد، يهدف إلى تقويتها باعتبارها العنوان الشرعي الوحيد لتسوية مستقبلية وتحديد هدف سياسي يتمثل في "الترتيبات الانتقالية" التي ستشكل واقع الفصل (السياسي والإقليمي والديمغرافي) الخطوط العريضة لشروط الواقع المستقبلي للدولتين (مخطط INSS).
أما بالنسبة لقطاع غزة، فإن المصلحة "الإسرائيلية" هي فترة طويلة من الصمت الأمني، لذلك، من الصواب تحديد حماس كعنوان مؤقت مسؤول في قطاع غزة وصياغة وقف إطلاق نار طويل الأمد معها، مقابل تحسين أوضاع السكان والبنية التحتية المدنية (كهرباء ومياه) في القطاع، وفي محاولة منه للحد من تكثيف فرص نشوب صراع، يجب على "جيش الدفاع الإسرائيلي" والمنظمات الأمنية الأخرى استهداف إلحاق أضرار جسيمة بالذراع العسكري لحماس والجهاد الإسلامي.