Menu

انطوان شلحت في مقابلته مع الهدف: لا افق سياسي مع "اسرائيل" ويجب بناء مشروع وطني فلسطيني

الباحث الفلسطيني انطوان شلحت

الهدف- غرفة التحرير

من المؤكد أن انتفاض الجمهور الفلسطيني ضد الاحتلال كشف الكثير من المتغيرات التي مر بها الفلسطينيين في السنوات الأخيرة، وتغيرات مماثلة في بيئة ومعسكر عدوهم "الإسرائيلي"، هذه التغيرات كانت محور لحوار أجرته "بوابة الهدف الاخبارية" مع المحلل السياسي المختص في الشؤون الصهيونية "انطوان شلحت" ، اضافة للتأثيرات المباشرة المتوقعة لهذه الهبة على جانبي الصراع.

  • كيف تنظر دولة الاحتلال لهذه الهّبة الجماهيرية، سواء على مستواها الرسمي، أو على المستويات غير الرسمية من إعلام ونخب وتيارات سياسية خارج الحكومة؟

أكثر ما يميز النظرة الإسرائيلية سواء عبر المستوى الرسمي السياسي اوالأمني اوالإعلامي هو وصفهم للهّبة أنها (موجة إرهاب) فلسطينية أخرى، وتتطلب رداً حاسماً وحازماً. ومن الصعب أن ننكر أن هذه النظرة متأثرة أيضاً بالموقف الذي تتبناه السياسة الرسمية للحكومة الحالية، والتي يقف على رأسها بنيامين نتنياهو، وهي نظرة بطبيعة الحال لا نحتاج إلى عناء كبير كي نثبت أنها نظرة ضيقة الأفق، تُحمِّل مسؤولية هذه الهبة للفلسطينيين، وتحاول أن تهرب إلى الأمام بانكار مسؤوليتها عن تدهور الأوضاع الفلسطينية، سواء على المستوى السياسي أو الميداني.

 في الوقت نفسه يجب أن نرى أن هذه النظرة هي تعبير عن أزمة لا يستهان بها، يعاني منها الطرف الإسرائيلي، وهذه الأزمة يمكن ملاحظتها حتى الآن وفقاً لعدة مؤشرات. ومهما يكن أثر هذه المؤشرات  بجب أن نشير إلى بعضها هنا:

  • : هناك تباينات في المواقف بخصوص ردة الفعل الإسرائيلية على الهّبة، لا سيما بين المؤسستين السياسية والأمنية، وكذلك أطراف الائتلاف الحكومي وخصوصاً بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف.
  • : جانب من الأزمة التي نتحدث عنها أن هذه الهّبة تعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام، سواء على مستوى العلاقة الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو على مستوى جدول الأعمال الإقليمي والدولي. وهذا إلى حدٍ ما يؤدي إلى خلخلة جدول الأعمال الإسرائيلي بقيادة الحكومة الحالية، والذي يعتبر أن قضة إسرائيل المركزية هي إيران وليست القضية الفلسطينية أو ما يسميه نتنياهو ب "الإسلام المتطرف". ولكن بالرغم من ذلك، حتى الآن لا نجد أن هذه الأزمة تُحدث اختراق في التفكير والوعي الإسرائيلي، نحو أي مسار مختلف عن المسارات التي اتبعتها إسرائيل عند حدوث مثل هذه الاحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
  • هل هناك إمكانية لتقديم حكومة الاحتلال بدائل سياسية لتلافي استمرار الوضع الحالي، أو أي ضغوط دولية قد تنشأ؟ خصوصا في ظل تقدم الفلسطينيين ب3 ملفات للمحكمة الجنائية الدولية تتعلق بجرائم الاحتلال؟

من ناحية إسرائيل لا يوجد هناك أي مؤشر على أنها تتعاطى مع الهّبة بمقاربة سياسية جديدة، لا من طرف الحكومة ولا من طرف المعارضة. وحتى الآن ردة الفعل من الخارج تبدو معتدلة وغير دراماتيكية، ولا تمارس على إسرائيل ضغوط كبيرة. هناك تلميحات أنه سيكون هناك جهود دولية، وهي تتجه نحو ما يسمى (صلحة) عامة. وكان هناك وفد من الرباعية من المقرر أن يزور المنطقة ولكن نتنياهو طالب بإلغاء الزيارة، فألغيت. والآن يدور حديت عن نية وزير الخارجية الأمريكي التوجه إلى الشرق الأوسط، حاملاً في جعبته اقتراحات ليست للتسوية، وإنما اقتراحات لتهدئة الأوضاع. والقضية الفلسطينية  ليست بحاجة إلى اقتراحات تهدئة مثل هذه الاقتراحات، التي جربت على مدار أكثر من عقدين ولم تؤدي إلى أي نتيجة، بل بالعكس، أعادت إنتاج الأسباب التي فجرت هذه الهّبة. يضاف إلى ذلك أن الحكومة الإسرائيلية بكل أطيافها الآن، وبكل الذين يروجون لها سواء سياسيين أو أمنيين، يقولون: أنه لا توجد أي إمكانية لتسوية أو حل في الأفق، والشيء الوحيد الذي يمكن لإسرائيل أن تُقدم عليه هو إدارة هذا الصراع، ولكن بصورة حكيمة، أكثر من الطريقة التي أدارت بها الأوضاع حتى الآن.

وبالنسبة للمعارضة، التي يعتبر "المعسكر الصهيوني" القوة الرئيسية فيها، تُطرح مسألة العودة للمفاوضات،  ولا تُطرح قضية تسوية العودة للمفاوضات وتحديدها بجدول زمني. لذلك لا يوجد أي أفق يمكن التعويل عليه من قبل دولة الاحتلال.

 هذا إن دل على شيء فهو يدل على أن دولة الاحتلال ومن خلال مرور أكثر من عقدين على ما يسمى ب "عملية السلام"، يكاد يكون جوهر التغيرات هو الابتعاد عن طريق السلام والانجرار أكثر فأكثر نحو اليمين. ولذلك، يجب على هذه الحقيقة أن تكون ماثلة أمامنا كفلسطينيين، من أجل ترشيد هذه الهبة وتحديد غاياتها السياسية.

  • من الملاحظ أن هناك تحولات عدة في مستوى وأنماط المشاركة من الجمهور الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة عام 1948م ، ما الذي تعنيه تلك التحولات وما هي العوامل التي تقف خلفها؟

أنا أعتقد أنه إذا كانت غاية هذه الهّبة هي التحرر من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية فإن مثل هذا الامر  غير ممكن. بالتأكيد هذه الهّبة لها إنجازات تحققت حتى الآن، ولكني لا أعتقد أنه مثل هذه الهبة قادرة أن تنجز التحرير من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. طبعاً أنا لا أقول هذا الكلام من أجل التقليل لكن من باب تشخيص الواقع بنظرة موضوعية.

ولا أظن أن دور الفلسطينيين في مناطق 1948 مفاجئ فهو نتيجة تراكم الحراكات التي جرت في الآونة الأخيرة سواء على المستوى التفكيري أو على المستوى الميداني. وهنا أقول، أن المرحلة الذي يمر بها الفلسطينيين في الداخل أدت- اكثر من أي شيء آخر- لإعادة الارتباط بالقضية الفلسطينية، لأنهم جزء منها، والمشاكل التي يواجهونها في الداخل بالرغم من كونهم مواطنين في إسرائيل يواجهونها لأنهم جزء من القضية الفلسطينية. وبالتالي فإن أي حل مرهون لهذه المشاكل لا يمكن أن يكون إلاّ جزءً من الحل النهائي للقضية الفلسطينية بمختلف مستوياتها.

ولذلك وجدنا أن التجاوب مع هذه الهبة من مناطق 1948 اسرع وأشمل وأوسع نطاقاً من التجاوب مع الانتفاضة الثانية سنة 2000، لكن الآن، كلما استمرت الهبة نجد لها امتداداً داخل صفوف فلسطينيين 1948، ولذلك هذا الأمر يثير التفاؤل والأمل.

وأنا اعتقد أن عدد من الكتاب والمحللين السياسيين الإسرائيليين كتبوا بصريح العبارة أن هذه الهّبة تُفقد سياسة فرق تسد أهميتها، تلك السياسة التي حاولت إسرائيل أن تفرضها على الفلسطينيين بعد أن قسمتهم إلى أربعة كيانات،  هي الضفة وغزة و القدس والداخل 1948، والتي تبدو في ظاهرها كيانات منفصلة ، إلا أنها في العمق كيانات موحدة  ومرتبطة بالقضية الفلسطينية. وهذا هو الأمل الوحيد لهذه الانتفاضة، ولكن كيف يمكن استثمار ذلك نحو اختراق ما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟ هذا سؤال يبقى مطروح، ولا أملك جواباً عليه، ولكنه بالتأكيد سؤال مطروح على كل القوى الفلسطينية الفاعلة وكذلك على النخب السياسية.

وإذا ما كنا نريد فعلاً أن نستثمر هذه الهّبة، فيجب أن نستثمر في الوصول إلى جواب على هذا السؤال، كيف يمكن أن يتعمق الالتحام بين هذه الكيانات الأربعة وكيف يمكن أن نخوض المعركة التي تُخلصنا من الاحتلال.

  • هل سقف البرنامج السياسي الفلسطيني الرسمي والفصائلي وطبيعته كافية لاستيعاب هذه التحولات والاستفادة منها؟

قبل الحديث عن البرنامج السياسي يجب أن نتحدث عن المشروع الوطني الفلسطيني، فما يتوجب فعله أولاً هو بناء مشروع وطني فلسطيني . فهذه الهبة أثبتت أن الفلسطينيين في "الكيانات الفلسطينية المنفصلة" الموجودة داخل الوطن الفلسطيني (غزة- الضفة- القدس- الاراضي المحتلة عام 1948)،  هم متصلين وموحدين في رؤيتهم لذاتهم كفلسطينيين، رغم كل ما جرى للفصل بينهم و تشظية هويتهم. أنا اعتقد أن طريق التسوية السياسية اصبح مسدوداً، والعمل عليه يمكن أن نقول أنه مغلق وسيبقى مغلقاً حتى إشعار آخر.

لذلك يجب أن تتداعى جميع القوى الفلسطينية الفاعلة على الساحة الفلسطينية، للعمل على صياغة مشروع وطني فلسطيني، يحدد أهداف المرحلة الحالية، ومنه تشتق الحلول السياسة، سواء حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة.