في نهاية جلسة مضطربة عقدت مساء يوم الأحد في 13 حزيران/يونيو الجاري، صوّت الكنيست الإسرائيلي على منح الثقة لحكومة "التغيير" المقبلة في إسرائيل؛ فمن بين 119 نائباً حضروا الجلسة (من أصل 120) صوّت 60 لصالح هذه الحكومة، وعارضها 59 نائباً، معظمهم من حزب الليكود وحزب الصهيونية الدينية وحزبًي الحريديم. وكانت جلسة الكنسيت قد انتخبت، قبل التصويت على منح الثقة بالحكومة الجديدة، رئيساً جديداً للكنيست هو ميكي ليفي من حزب "يوجد مستقبل"، وذلك بأغلبية 67 نائباً.
وإذا كان هذا التصويت قد أنهى 12 عاماً من حكم بنيامين نتنياهو، فإن هذا الأخير لم يستسلم، بل على العكس إذ أكد في الخطاب الذي ألقاه أمام تلك الجلسة بأنه سيعود رئيساً للحكومة الإسرائيلية قريباً، وقال: "إذا كان قدرنا أن نكون في المعارضة، سنفعل ذلك ورؤوسنا مرفوعة، وسنقوم بإسقاط هذه الحكومة السيئة وسنعود لإدارة البلاد بطريقتنا (...) سنعود قريباً ". وبعد أن وصف نتنياهو بينيت وأصدقاءه بأنهم يمثلون “يميناً مزيفاً"، أشاد بـ”إنجازات” حكومته التي جعلت إسرائيل تتحوّل إلى "دولة عظمى"، وقال: "أحضرنا ملايين اللقاحات التي ساهمت في خروج إسرائيل من الأزمة سريعاً..واجهنا إيران بإصرار حتى اضطررنا أحياناً إلى مواجهتها وحدنا، وهذا الإصرار أثّر في دول عربية عديدة رأت فينا ذراع حماية إقليمية. أبرمنا سلاماً مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. كما تمّ الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في القدس وهضبة الجولان وطوّرنا علاقات خاصة مع روسا ورئيسها"، مقدّراً أن "إيران تحتفل اليوم" بالحكومة الإسرائيلية الجديدة "لأنهم يعلمون أن هناك حكومة ضعيفة" في إسرائيل[1].
صحافي تلفزيوني سابق يعود إليه الفضل الأكبر في إقصاء نتنياهو
يعود الفضل الأكبر في إقصاء بنيامين نتنياهو عن سدة الحكم إلى يائير لبيد زعيم حزب "يوجد مستقبل"، الذي نجح، بعد أن كلفه رئيس الدولة بتشكيل حكومة جديدة، في إقامة ائتلاف حكومي ضم سبعة أحزاب صهيونية مختلفة المشارب والتوجهات تُصنف، بحسب التصنيفات السائدة في إسرائيل، في مواقع "اليمين القومي"، "والوسط" و"اليسار"، فضلاً عن حزب عربي إسلامي التوجه تمثله القائمة العربية الموحدة (راعم).
ولد يائير لبيد في تشرين الثاني/نوفمبر 1963 في مدينة تل أبيب حيث يتركز الدعم الرئيسي له ولحزبه، وكان والده تومي لبيد صحافياً قبل أن يصبح وزيراً للعدل. أما والدته شولاميت فهي كاتبة روايات بوليسية شهيرة. وقد بدأ يائير العمل في صحيفة "معاريف"، ثم في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وذلك قبل أن ينتقل إلى العمل في التلفزيون، ويشرف على برنامج حواري حقق له شهرة كبيرة. وفضلاً عن عمله في مجال الصحافة، كتب لبيد روايات بوليسية ومسلسلات تلفزيونية، وألف عدداً من الأغاني.
في سنة 2012، قرر يائير لبيد دخول المعترك السياسي، فأسس حزب "يوجد مستقبل"، الذي حقق مفاجأة كبيرة في انتخابات الكنيست الأولى التي يشارك فيها والتي جرت في سنة 2013، وذلك بحصوله على 19 مقعداً. وفي الانتخابات التي جرت في آذار/مارس 2020، شارك الحزب في ائتلاف انتخابي مع حزب "أزرق أبيض" برئاسة بني غانتس، لكنه انسحب منه بعد أن أبرم غانتس اتفاقاً مع بنيامين نتنياهو على التناوب على رئاسة الحكومة، وتحوّل لبيد إلى زعيم للمعارضة في الكنيست وخاض حزبه الانتخابات التي جرت في شهر آذار/مارس الفائت وحصل على 17 مقعداً ليصبح الحزب الثاني من حيث عدد المقاعد بعد حزب الليكود.
وبحسب ورقة تقدير موقف أعدها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، يشير الأساس الإيديولوجي لحزب "يوجد مستقبل " إلى أنه ينطلق من داخل الإجماع الصهيوني- اليهودي حول هوية الدولة؛ فالدولة بالنسبة له "لا يجب أن تكون يهودية في هويتها وتوجهاتها الثقافية فحسب، بل عليها أيضاً أن تكون ذات أغلبية يهودية، ودولة الشعب اليهودي في كل مكان". وفي المجال السياسي، يحمّل الحزب الفلسطينيين مسؤولية فشل "عملية السلام"، لكونهم "رفضوا مرة بعد مرة يد إسرائيل الممدودة للسلام، هكذا في الانتفاضتين الأولى والثانية، وهكذا بعد الانفصال أحادي الجانب عن غزة، فبدل أن يبنوا مستشفيات ومدارس مكان مستوطنات غوش قطيف في غزة، فضلوا إطلاق آلاف الصواريخ على المدنيين، وهكذا فعلوا برفضهم اقتراح إيهود أولمرت"، وهو يتبنى حل الدولتين، ولكن "ليس بدافع الاعتراف بحقوق الفلسطينيين الوطنية، بل بدافع الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية مع أغلبية يهودية"، من دون العودة إلى خطوط الخامس من حزيران 1967، وعبر الإبقاء على الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، والإبقاء على القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، وحل مشكلة اللاجئين في الدولة الفلسطينية فقط"[2].
نفتالي بينيت: اللاعب السياسي "الانتهازي" الذي أطاح بمعلمه السابق
سيتولى نفتالي بينيت رئاسة الوزارة الائتلافية الجديدة حتى سنة 2023 وهو لا يملك سوى مقاعد سبعة وحيدة فاز بها حزبه "يمينا" في الانتخابات التي جرت في آذار/مارس الفائت، تمّ تقليصها إلى ستة، برحيل النائب عميحاي شيكلي، وبذلك يكون قد حقق، كما وصفه أحد المحللين، "سرقة القرن السياسية في إسرائيل". وبحسب الصحافية نوا لاندو، فإن ضعف الأحزاب "اليسارية" في هذه الحكومة هو الذي يفسر نجاح مناورة القومي المتطرف بينيت في ترؤسها، متوقعة أن تكون هذه الحكومة أكثر يمينية من حكومة نتنياهو السابقة، وأن تواصل عمليات استعمار الضفة الغربية. وتدلل على ذلك بتوزيع الحقائب على أقطابها، حيث يتسلم المصنفون في مواقع "اليمين" الحقائب الوزارية الرئيسية فيها، إذ سيشغل يائير لبيد منصب وزير الخارجية في العامين الأولين من الحكومة، قبل أن يتسلم رئاستها من بينيت، وسيظل زعيم حزب “أزرق أبيض” بيني غانتس، الذي نقل بندقيته بسرعة مذهلة من كتف إلى كتف، وزيراً للدفاع، بينما سيتولى منصب وزير المالية أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "يسرائيل بيتنا"؛ وسيكون رئيس "أمل جديد”، جدعون ساعر، وزيراً للعدل، وتتولى أييليت شاكيد من حزب “يمينا” منصب وزيرة الداخلية، كما يتولى زئيف ألكين من حزب "أمل جديد" وزارة البناء والإسكان وشؤون القدس[3].
وكما كتب الصحافي سيلفان سيبل في مقال نشرته مجلة "أوريان 21" الإلكترونية، يوم 8 حزيران /يونيو 2021 ، فإن نجاح نفتالي بينيت في خلافة بنيامين نتنياهو سيمثّل "انتصاراً للقومية المسيانية اليهودية"، إذ سيصبح "أول رئيس لحكومة إسرائيلية لا يأتي من جناح الصهيونية العمالي، ولا من جناحها القومي "التحريفي"، وإنما "يجسد الحركة الاستعمارية الأكثر نشاطاً للصهيونية الدينية بإيحاءات مسيانية قوية"[4].
فمن هو هذا الصهيوني الديني المسياني الذي أطاح بمعلمه السابق نتنياهو؟
ولد نفتالي بينيت في مدينة حيفا في 25 آذار/ مارس 1972 لعائلة يهودية أميركية من سان فرانسيسكو، استقرت في مدينة حيفا بعد شهر من حرب حزيران/يونيو 1967، ونشأ بين إسرائيل والولايات المتحدة وكندا. بعد فترة قضاها في الحركة الدينية الشبابية "بني عكيفا"، ومال نحو مواقف الحزب القومي الديني "المفدال"، تم تجنيده في وحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي المعروفة باسم "سايرت ماتكال"، ثم في فرقة الاستطلاع ماجلان. في 18 أنيسان/ بريل 1996، عندما شنت إسرائيل هجوماً واسعاً على حزب الله في لبنان، شارك بينيت في الهجوم برتبة رائد، ولعب دوراً بارزاً في قصف قرية قانا، التي تضم مبنى للأمم المتحدة لجأ إليه العديد من القرويين، وكانت حصيلة ذلك القصف سقوط 102 من المدنيين قتلى تحت الأنقاض، و 4 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
بعد أن أمضى ست سنوات في الجيش الإسرائيلي حتى سنة 1996، انتقل إلى مانهاتن وأسس أول شركة للحماية التكنولوجية، Cyota، التي باعها بعد ست سنوات مقابل 145 مليون دولار. وبعد حصوله على شهادة في القانون من الجامعة العبرية في القدس، تحوّل بينيت في سنة 2006 نحو العمل السياسي، فأصبح رئيسساً لموظفي مكتب بنيامين نتنياهو (2006-2008)، الذي كان نائباً في ذلك الوقت وزعيم المعارضة في عهد حكومة إيهود أولمرت، لكنه تشاجر مع نتنياهو في سنة 2008، وشغل في سنة 2010 منصب المدير العام لمجلس "يشع"، وهي الهيئة التمثيلية للمستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي سنة 2012، أراد بينيت أن يتفوق على نتنياهو من يمينه، فشكّل حزب البيت اليهودي القومي الديني المدعوم من المستوطنين، وترأس قائمته الانتخابية في الانتخابات التشريعية التي جرت في سنة 2013، التي حصلت على 12 مقعداً في الكنيست، وتزامن دخوله إلى الكنيست مع الإعلان عن بيعه شركة Soluto بمبلغ 100 مليون دولار، وهي شركة ترأس مجلس إدارتها خلال الفترة القصيرة بين انتهاء مهامه إلى جانب نتنياهو وظهوره لأول مرة كرئيس لمجلس يشع، وعيّنه نتنياهو وقتها وزيراً للاقتصاد. وفي الانتخابات المبكرة التي جرت في سنة 2015، تراجع حزب البيت اليهودي بزعامة بينيت من 12 مقعدًا إلى ثمانية مقاعد فقط - وهو رقم ظل كبيرًا بما يكفي كي ينتزع منصب وزير التعليم في حكومة نتنياهو. ثم في أواخر سنة 2018 شكّل، مع أيلييت شاكيد، حزباً جديداً باسم "يمينا"، توجّه إلى القوميين اليمينيين من المتدينين وغير المتدنيين، وشغل في حكومة نتنياهو منصب وزير الدفاع. بيد أن الفترة التي قضاها بينيت وزارة الدفاع كانت قصيرة. ففي 17 أيار/مايو 2020، بعد التوصل إلى اتفاق ائتلاف الوحدة الجديد بين نتنياهو وغانتس، انضم بينيت إلى المعارضة[5].ويتطرق الصحافي سيلفان سيبل إلى مواقف نفتالي بينيت العنصرية إزاء العرب، فيذكر أنه في أيلول/سبتمبر 2010، دارت مناظرة تلفزيونية بينه وبين النائب العربي الفلسطيني أحمد طيبي، الذي أطلق عليه اسم "المستعمِر"، فما كان منه إلا أن ردّ على الطيبي بقوله: "سأقولها ببساطة ووضوح: أرض إسرائيل لنا، لقد كانت أرضنا قبل نشوء الإسلام بوقت طويل". لكن الطيبي وصفه بـ "المغتصب"، فرد عليه بينيت بقوله: "كنت لا تزال تتسلق الأشجار عندما كانت الدولة اليهودية موجودة بالفعل!!". ويضيف الصحافي نفسه أن الفكرة التي أعرب عنها بينيت، "عن مساواة العرب بالقردة كما فعل المتعصبون البيض في وصفهم للسود في الجنوب الأمريكي ، لم تكن غريبة عليه"، على الرغم من سعيه، خلافاً "لعدد كبير من حاخامات المستوطنات اليهودية أو نشطاء اليمين المتطرف الاستعماري الإسرائيلي - وكثير منهم ينضحون بالعدوان العنصري اللامحدود"، سعيه إلى "إظهار وجه متحضر وحديث، وعقلاني تقريبًا". وفي آب/أغسطس 2013، تفاخر بينيت بقوله: "لقد قتلت الكثير من العرب في حياتي ، ولا مشكلة لدي في ذلك". ويتابع سيبل أن أييليت شاكيد، رفيقته في الحزب، لا تتحرج من أن "تقدم نفسها على أنها "فاشية" في إعلان لحملة سياسية"، وهي أوضحت، في إحدى المناسبات، أن "الحفاظ على الطبيعة اليهودية للدولة يأتي أولاً، حتى على حساب رفض منح حقوق متساوية للمواطنين غير اليهود". وبخصوص مواقف حزبهما "يمينا"، فهي تقوم على المبادئ الأساسية الثلاثة الآتية: "الأول: أرض إسرائيل هبة من الله؛ لقد كانت لنا منذ 3800 عام وهي غير قابلة للتجزئة. الثاني: في دولة إسرائيل، لا يمكن لأي مواطن غير يهودي أن يتمتع بحقوق مساوية لحقوق اليهود. الثالث: ليس هناك "حل الدولتين"؛ وبما أن الصراع غير قابل للحل، فلا فائدة من محاولة إيجاد حل سياسي". وأوضح بينيت في سنة 2014 أن "السر هو السلام من الأسفل"؛ فالخيار الوحيد لإسرائيل هو "فرض إرادتها، بينما تقدم للفلسطينيين الراغبين في ذلك تحسيناً مشروطًا بطيئاً لحياتهم اليومية". وفي مقال نُشر في صحيفة نيويورك تايمز سنة 2014، أشار بينيت، الذي عبّر عن رغبته في ضم المنطقة ج في الضفة الغربية بكاملها إلى إسرائيل، إلى أن الفلسطينيين "سيحصلون في نهاية المطاف على 35 إلى 40 في المائة من أراضي الضفة الغربية (دون تحديد أنها ستكون مجزأة وأن القدس الشرقية لن يتم تضمينها). سوف يستفيدون من شكل من أشكال الحكم الذاتي غير الحكومي (يقول "سيكون كيانًا تحت الدولة")، حيث سيدير الحكام الشؤون اليومية وحيث تحتفظ إسرائيل بسلطتها على القضايا السيادية"[6].
على ماذا راهن منصور عباس؟
نجح نفتالي بينيت في الوصول إلى رئاسة ما سمي بحكومة "التغيير" بفضل الدعم الذي تلقاه من منصور عباس زعيم القائمة العربية الموحدة "راعم"، وهي الواجهة البرلمانية في الكنيست للجناح الجنوبي في الحركة الإسلامية داخل مناطق 1948، بحيث أصبح "راعم" أول حزب عربي ينضم إلى حكومة إسرائيلية. وكانت آخر مرة دعم فيها حزب عربي يهودي حكومة - لكنه لم يشارك فيها - في سنة 1992، في عهد "حكومة السلام" برئاسة يتسحاق رابين. وكان "راعم" قد بدأ يشق طريقاً مختلفاً، إذ فاجأ زعيمه عباس في أواخر سنة 2020 العرب واليهود على حد سواء عندما بدأ يسعى إلى توثيق العلاقات مع نتنياهو، ثم خاض الانتخابات في آذار/مارس الفائت، بعد انسحابه من "القائمة المشتركة"، بمفرده بالاستناد إلى برنامج أعلن فيه استعداده للتأثير من أجل التغيير من الداخل من خلال انفتاحه على فكرة الانضمام إلى حكومة، بهدف تحقيق تقدم ملموس في السياسة لمجتمعه العربي.
وبرر منصور عباس انضمامه إلى ائتلاف "التغيير" بقوله: "لقد توصلنا إلى جملة هامة من الاتفاقات في مختلف المجالات التي تخدم مصلحة المجتمع العربي وتقدم حلولاً للقضايا الساخنة في المجتمع العربي – التخطيط وأزمة الإسكان وبالطبع مكافحة العنف والجريمة المنظمة". ووعد عباس بتدفق الكثير من المنافع على منطقة النقب في جنوب إسرائيل، حيث يقع الثقل الانتخابي للقائمة العربية الموحدة وسط المجتمعات البدوية في صحراء النقب. وذكرت القائمة العربية الموحدة أن ائتلاف "التغيير" وافق "على أكثر من 53 مليار شيكل (16.3 مليار دولار) على شكل ميزانيات وخطط تطوير حكومية للمجتمع العربي"، وأن بينيت ولبيد "تعهدا بتقديم 30 مليار شيكل على مدى خمس سنوات لصناديق اقتصادية غير محددة، فضلاً عن 2.5 مليون شيكل لمحاربة العنف والجريمة المنظمة في المجتمع العربي". كما من المقرر، كما أضافت، "إضفاء الصيغة الشرعية على ثلاث قرى بدوية غير معترف بها، هي عبدة وخشم زنة ورخمة – بقرار حكومي"، والموافقة على تعديل "قانون كمينيتس" المثير للجدل الذي أقر في سنة 2017، والذي يستهدف البناء العربي غير القانوني وينظر إليه العرب على نطاق واسع على أنه تمييزي[7].
وبحسب مقال للمحلل السياسي جاكي خوري، بعنوان: "منصور عباس قام بمجازفة إذا فشلت سيكون لها تداعيات على ثقة الجمهور العربي بالمنظومة السياسية"، فإن عباس سيعتبر من الآن فصاعداً "شريكاً في كل خطوة تبادر إليها الحكومة في الساحة الفلسطينية أو في مواجهة الجمهور العربي"، وسيكون "ملزماً بتحقيق وعوده والتأثير في سياسة الحكومة"، وأضاف: "بالنسبة إليه وإلى راعم، فإن هذا يمكن أن يكون مجازفة بحياته السياسية وبحياة الحكومة"[8]. والواقع، أن نفتالي بينيت، وحتى قبل أن يتسلم رئاسة الحكومة الجديدة، كان قد صرّح، في 4 حزيران/يونيو الجاري - كما تنقل صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية- أن حكومته ستشن "حربًا على غزة حتى مع وجود القائمة العربية الموحدة في الحكومة"، وقال خلال مقابلة مع القناة "12" عن عباس: "لم أكن أتخيل حقًا أنني سأجلس معه، الظرف السياسي أدى إلى ذلك، لكن في وقت الحرب وأعمال الشغب التي قام بها العرب في إسرائيل ذهب منصور عباس إلى اللد والتقى مع رئيس البلدية رفيفو وزار الكنيس المحروق، وهذا لفت نظري"، وأضاف: "هو شخص محترم شجاع لأنه يريد حقًا أن يعتني بالجانب المدني لعرب إسرائيل". وحينما سئل عن الخوف من حرية تصرف الحكومة في شن حرب على غزة في الوقت الذي تجلس فيه الموحدة برئاسة عباس في الحكومة، قال "إذا لزم الأمر، سنشن حربًا على غزة بدون أي قيود سياسية، حتى مع وجودهم في الحكومة، وإذا كنا مضطرين أن نذهب إلى انتخابات بعد الحرب فلا بأس بذلك"[9].
إلى متى ستعمر حكومة الأضداد هذه؟
أجمعت الصحافة على وصف ائتلاف "التغيير"، الذي يجمع بين أحزابه قاسم مشترك واحد هو "إرادة إسقاط نتنياهو" بأنه "تحالف غريب" ستنتج عنه حكومة هشة. إذ توقع العديد من المحللين أن فرص حكومة بينيت-لبيد في البقاء بحلول 27 آب/أغسطس 2023، عندما يحل يائير لبيد محل نفتالي بينيت كرئيس للوزراء وفقًا لاتفاقية التناوب، ستكون ضئيلة في أحسن الأحوال. وهم يرون أن هذه الحكومة ستحاول التركيز على خفض منسوب "العنف اللفظي" غير المسبوق داخل المجتمع الإسرائيلي، وإعادة الاعتبار إلى القضاء، وتمرير الميزانية. لكنها ستواجه تحديات كبيرة تبدأ اليوم –عند كتابة هذا المقال- في التعامل مع المسيرة المزمعة لليمين الإسرائيلي المتطرف في القدس الشرقية، خصوصاً بعد أن هددت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالرد إذا نظمت المسيرة بالقرب من ساحة المسجد الأقصى. وسيختلف أقطابها في الغالب فيما بينهم حول مسائل الاقتصاد والحقوق الاجتماعية، وعلاقة الدين بالدولة، وقضية ضم أجزاء من الضفة الغربية. وبحسب دينيس شاربيت، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المفتوحة في تل أبيب، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع التحالف من الانهيار بسرعة كبيرة هو منع بنيامين نتنياهو "من العودة إذا كان هو زعيم المعارضة"[10]. أما الصحافي شارل إندرلين المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ، فهو يرى أن إسرائيل دخلت مع حكومة بينيت "منطقة مجهولة سياسيًا"، وهو يقدّر أن فشلها "سيؤدي حتماً إلى انتخابات جديدة قد تكون مكلفة للغاية بالنسبة لمختلف الأحزاب التي تشكل هذه الحكومة"، وأنه سيتعين على الائتلاف الحاكم، "المتسم بالهشاشة، الذي توحده رغبته الوحيدة في الإطاحة بنيامين نتنياهو من السلطة، إيجاد أرضية مشتركة بشأن القضايا الداخلية والقضايا الحساسة مثل القضية الفلسطينية"، ويضيف: "يجب أن يظل الملف الفلسطيني على نار هادئة للغاية للسماح لمناصري الضم ومعارضيه بالتعايش"[11].