المشاهد الصادرة من رام الله المحتلة بالأمس صادمة بلا شك، كدلالةٍ إضافية على تجاوز كل خط أحمر، وذهاب رهان الحاكم على تعميم القمع إلى أقصى مدى له، وكأن هناك من يريد أن يقول للفلسطيني أنني أحكم بالقوّة، ولا أريد ترك أي خط للعودة عن ذلك؛ تضاعف ذلك شهادات المعتقلات والمعتقلين ومعظمهم من الأسرى المحررين والمناضلين الوطنيين الذين خبروا ساحات المواجهة مع المحتل وقمعه، فلقد قوبلت أبسط مظاهر الاحتجاج بالاستمرار في تصعيد القمع، وما تعكسه قائمة المعتقلين بالأمس يؤكد وجود المؤسسة الأمنية في موقع التناقض مع أفراد وبنى الحركة الوطنية، إذ تذهب لقمع مكوناتها وفاعلين في صفوفها بهذه الوحشية.
لا تطيق السلطة أن تسمع صوت واحد يطالب بحق الشهيد نزار بنات، بل وترفض سماع أي صوت من الأساس إلا الهتاف ببقاء هذا النهج المدمر، وكأنه قضاء مقدر على الشعب الفلسطيني.
إن محاسبة قتلة الشهيد نزار والمسؤولين عنها، لا يعني إلا الانتصار ل فلسطين ومستقبلها، ولإعادة بناء الجسم الوطني الفلسطيني على أسس وطنية وديمقراطية، ومكسب لكافة القوى الوطنية المتمسكة بقضية هذا الشعب، ولعموم الفلسطينيين، فيما يمثل الإصرار على الحشد المضاد ومساعي تصوير كل ما يجري باعتباره استهداف لفصيل أو آخر لا يمكن فهمه إلا كإمعان في الجريمة.
يؤكد القمع الحاصل منذ جريمة الاغتيال وجود توجه نحو تأديب الشارع، وحرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم، وتجاوز كل استحقاق وطني، وهنا لا يمكن القفز على كون هذا القمع يأتي بعد التأجيل المنفرد للانتخابات التشريعية، وكجزء من سياق من الإصرار على الاستمرار في التفرد.
إن أولوية الساعة هي إطلاق سراح المعتقلين، كجزء من التصدي لهذه الهجمة القمعية، ومحاسبة قتلة الشهيد، إذ يشكل تمرير هذه الجريمة ممرًا لتكرارها وتعميم القمع والاغتيال كنهجٍ مسيطر على المشهد الفلسطيني.
إن شعب الشهداء والتضحيات الذي خاض مسيرة الكفاح الطويل في وجه العدو الصهيوني، وسطر مآثر عظيمة في القسطل وباب الواد والكرامة ومعركة سيف القدس ، لم ولن يخضع أمام القمع والهراوات وأدوات القتل والترهيب، هذا ما يجب أن يدركه الجميع وفي مقدمتهم من ينتج مثل هذه السياسات ويوجهها، ولا سبيل لتصور اخضاع شعب بأكمله لإدارة القمع وأصحابها كمخرج من هذه الأزمة الخطيرة؛ فالمخرج من هذه الأزمة واضح في مواصفاته وأولها أن يكون وطني يعلي إرادة هذا الشعب على ما عداها وديمقراطي قادر على الاستجابة لحقوق جماهير شعبنا، وعادل يستجيب لحقوق الضحايا وأولهم الشهيد نزار بنات، بما يشكل قطعًا شاملاً مع القمع والتفرد والارتهان السياسي والعبث بالمشهد الوطني.
وبكل صيغة ممكنة من المهم التأكيد أن لا أحد في البنية الوطنية لهذا التحرك الجماهيري يستهدف فصيل أو يصارع لأجل سلطة تحت الاحتلال، ولكن تتحرك هذه البنى الوطنية بوعي تام بالخطر الجسيم الذي يمثله نهج يحاول البعض تكريسه وحكم الفلسطينيين من خلاله بالترهيب وعصي الأمن وبنادقه وزنازينه.