Menu

نهج الإسلام السياسي وعزمي بشارة يهزمان في تونس (ج1)

غسان أبو نجم

عندما أحرق البوعزيزي نفسه كان الشرارة التي فجرت السخط الشعبي التونسي ضد نظام بن علي وتعبيرًا عن عمق الاضطهاد الطبقي والاستلاب الاجتماعي والنفسي الذي عانت منه جماهير تونس؛ نتيجة الفساد والمحسوبية واستغلال الطبقة الحاكمة ونهبها لمقدرات الوطن، مع ما كانت تعانيه تونس كباقي دول العالم الثالث؛ من استغلال واستنفاذ محور رأس المال الفرانكفوني لمقدرات الوطن التونسي؛ لضمان استمرارية تبعيته الاقتصادية والسياسية لقوى رأس المال المحوري الإمبريالي.

لم يكن البوعزيزي ومعه الجماهير الساخطة التي خرجت للشوارع لتواجه قوى البوليس العاتية التي دافعت وباستماته عن نظام بن علي الفاسد وحليف الكيان الصهيوني وإن سرًا ومركز التجسس الصهيوني في المغرب العربي؛ لم تكن تدرك هذه الجماهير أن ما ستنتجه اندفاعتها إلى الشارع وإسقاط نظام الطاغية هو مخطط أعد وخطط له بعناية في دوائر المخابرات الفرنكوفونية لإنتاج مشروع الشرق الأوسط الجديد وهو ما سمي ظلمًا الربيع العربي.

كان لتونس قصب السبق في تفجير مشروع الربيع العربي، حيث استطاعت قوى الشر العالمي وعبر سنوات من الإعداد المسبق من اشعال فتيل السخط الجماهيري وإسقاط بن علي والشروع في تنفيذ مشروعها على الأرض، والذي جهزت له الكوادر البشرية والامدادات المالية وماكينة إعلام؛ يروج ويلهب الشارع التونسي، وكانت إمارة الكاز قطر هي الممول والداعم لهذا المشروع وكان عزمي بشارة هو المنظر والموجه له إلى جانب برنارد ليفي، وتولت قناة الجزيرة التغطية الإعلامية ولعبت دورًا محوريًا في دفع وتحريض الجماهير ضمن منظومة أكاذيب وتهويلات كما فعلت في الحرب الكونية على العراق ولاحقًا سوريا، واستطاع مهندسو المشروع أن يدفعوا بالإسلام السياسي نحو تولي المشهد السياسي التونسي واعتلاء دفة الجماهير الغاضبة؛ ممولين ومدعومين سياسيًا من مركز الشر العالمي وإمارات النفط والكاز وكافة الأنظمة التابعة والملحقة.

رغم الفاعلية النسبية للأحزاب السياسية التونسية؛ حزب الشغيلة وغيره في الساحة التونسية، ولكن لم تكن قادرة على قيادة دفة الجماهير الغاضبة، ويعود هذا لسببين رئيسين: 
الأول: ضعف الالتفاف الشعبي حول برامج هذه الأحزاب وعدم تملكها نظرية ثورية تلتقط الحدث العارم الذي مرت به البلاد؛ رغم وجود أحزاب يسارية عريقة، مما فتح المجال واسعًا لقوى الإسلام السياسي؛ حزب النهضة من تولي زمام الأمور وقيادة الجماهير والاستيلاء على سدة الحكم وإزاحة كافة القوى جانبًا.

الثاني: أن من أهم مقومات إنشاء الثورات التي خطط لها مهندسو الربيع العربي أن تكون الثورة بلا رأس؛ ليتسنى لها إشاعة المزيد من الفوضى الخلاقة، ودعم التيارات التي تنسجم مع سياسات محور الشر؛ عبر تسهيل ودعم هذه التيارات ماديًا وإعلاميًا ودوليًا، وهذا ما فعلته مع حزب النهضة الإخواني الذي تم تمويله ودعمه سياسًيا وماديًا وإعلاميًا ودوليًا وأصبح هو القائد لتونس في مرحلة البناء الجديد ما بعد بن علي.

في المحصلة النهائية استطاع مهندسو المشروع أن يدخلوا تونس في دوامة الفوضى الخلاقة وما رافقها من نزاعات ومناكفات وفوضى انتخابات وتصفية حسابات ومحاكمات وتعزز مناخ الحرية الفردية والحزبية واستطاع حزب النهضة الإخواني من تولي مقاليد الحكم في تونس؛ عبر صندوق الاقتراع الذي لم يكن يومًا معبرًا حقيقيًا عن مضامين ثورية، وإنما هو تعبير عن الديموقراطية الرأسمالية التي داسها أصحابها أصلًا واحتدمت حدة التناقضات بين مكونات المجتمع التونسي الذي رزح تحت حكم النهضة سنوات 9.