ما أهداف استئناف التحرك المصري على الجبهة الفلسطينية ودعوة بعض فصائل المقاومة مجددًا للحوار؟!
كان يحلو لكل العرب والقوميين تاريخيًا أن يسموا مصر بالجمهورية العربية المتحدة؛ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؛ نتيجة مواقفها القومية وتصديها لكل من يهدد أمنها القومي وأمن الأمة العربية. وكان يأمل وما يزال أبناء أمتنا أن تستعيد مصر دورها ومكانتها ووزنها القومي الذي عاشته أجيال قومية.
تراجع دور مصر واضح للعيان منذ انزلاق السادات في نفق كامب ديفيد وتوقيعه اتفاقات مذلة شرعت للتطبيع وفتح المجال لأخواتها من اتفاقيات تسووية من أوسلو إلى وادي عربة وما تبعها إلى يومنا هذا. هذه الاتفاقيات وإن رفضتها الشعوب العربية، لكننا اليوم ندفع الأثمان القومية والوطنية التي مست السيادة الوطنية والاستقلال وفرضت تبعية مستدامة حتى للأوضاع الاقتصادية والمعيشيه لشعوبنا وللقمة عيشه.
لقد شكلت القضية الفلسطينية خط الدفاع الأول عن الأمن القومي زمن الراحل عبد الناصر، وكلنا يتذكر لاءات الخرطوم بعد مؤتمر القمة العربية الذي أعقب هزيمة حزيران عام ١٩٦٧، هذه اللاءات الثلاثة (لا صلح، لا إعتراف، لا تفاوض) مع العدو جرى لحسها جميعًا، بل أصبحنا أمام مصالحة إبراهيمية تاريخية ومطبعة مع العدو من قبل دول عربية وازنة.
وبسب تراجع دور مصر العربي والإقليمي؛ وصل حد تطاول دول مثل إثيوبيا وغيرها على الأمن المائي والقومي لمصر؛ من خلال بناء سد النهضة وحرمان مصر و السودان من عائداته. وأبعد من ذلك؛ شكلت الاتفاقات التصفوية مع العدو في كامب ديفيد؛ تقييد للقرار المصري السيادي. فالشعب المصري يئن على وقع أوضاع اقتصادية واجتماعية ومعيشية وأمنية لا تطاق البتة، بل أن أمن مصر أُخترق من قبل العدو، وعانت غزة من خلال موقعها كجزء من الأمن القومي المصري تاريخيًا.. كما عانت مصر من تضييق وتجويع وحصار يستمر حتى الآن.
لقد استبشر شعبنا على وقع معركة سيف القدس ومقاومة شعبنا في غزة والقدس ومناطق عام ١٩٤٨ خيرًا؛ بتضامن مصري عبر عنه شعبيًا ورسميًا. وكان شعبنا يعتقد ويأمل ويعمل على البناء على هذا الموقف المصري في حينه؛ من خلال فتحه للمعابر وجهود إعادة الإعمار وتنشيط واستكمال الدور المصري لجهة المصالحة وإنهاء الانقسام والحصار وبناء وحدة وطنية تجسد الاتفاقات الوطنية المبرمة وقرارات الإجماع الوطني من خلال مبادرات الدعوة للحوار الوطني الشامل أعقاب وقف إطلاق النار ومعركة سيف القدس التي رسخت إنجازات وطنية وتضامنية عالمية وشعبية؛ كانت كفيلة لو ثمرت بالارتقاء بالواقع الفلسطيني ومشهده السياسي لجهة تعزيز ودعم صمود شعبنا وإنهاء حالة الحصار والتجويع لقطاعنا الأشم.
لقد أدركت مصر مؤخرًا بأن أدوار عربية وإقليمية وازنة؛ دخلت على خط القطاع وبعضها ينافس ويعبث بالأمن المصري - الفلسطيني الوطني والقومي ولكل منهم مصالحه وأهدافه، وهي في النهاية بهتت وأضعفت من دور ووزن مصر الذي اعتدنا عليه تاريخيًا، هذا عوضًا عن الدور الصهيوني (الذي يعمل على التركيع والابتزاز وفرض الاستسلام على شعبنا، وبالتالي تصفية حقوقه الوطنية)، هذه الأدوار العربية والإقليمية؛ استغلت حالة الفراغ والقصور المصري، وتحديدًا من ( قطر والإمارات وتركيا والسعودية) وباتت تستفيد من هذا الفراغ الذي تركته في صالح مشاريعها المرتبطة مع العدو الصهيوني والغربي عمومًا. فغزة منذ عدوان العدو عام ٢٠١٤، وما قبل ذلك تعاني من الاجحاف والحصار والتجويع؛ طالت كافة مناحي الحياة، وهي ترفض الاستسلام، ولم تقف متفرجة عما حصل ويحصل لأهلنا في القدس وانحازت للمقاومة بالنار والصاروخ.
إن استعادة الدور والمكانة لمصر مطلب فلسطيني وطني وقومي وإنساني بامتياز، ومصلحة لمصر أيضًا.. وكلنا أمل باستئناف جهود مصر للمصالحة بإعادة لم شمل الساحة الفلسطينية، رغم إدراكنا للعقبات المنتصبة أمامها، خاصة لجهة مواقف السلطة الفلسطينية وحماس، بعد فشل الحوارات الثنائية المصرية معهم في أعقاب معركة سيف القدس.
من على قاعدة صديقك من صدقك؛ فإن بوادر استئناف التحركات المصرية مجددًا، وخاصة من قبل الممسكين بالملف الفلسطيني في الحكومة المصرية؛ يتطلب قراءة الأهداف لهذه التحركات الجديدة ومآلها: هل هذه التحركات المصرية الجديدة، وخاصة لرئيس المخابرات المصرية لتعزيز صمود شعبنا وفك الحصار عنه وإعادة الاعتبار لمكانة ووزن ودور مصر القومي المأمول؟ أم أنها تطرح أسئلة وتكهنات وتثير الريبة والخوف والحذر، وخاصة أن المعابر من جهة مصر ما زالت مغلقة بالكامل وتتقاطع وتكمل حصار الاحتلال؟ هل مصر جادة بتقديم الدعم لشعبنا ولحقوقه الوطنية؟ أم أن هناك دورًا مرسومًا؛ أمريكيًا وإسرائيليًا من وراء هذه التحركات النشطة التي شملت عواصم عربية وفي مقدمتهم إسرائيل و الأردن ورام الله ولربما إلى لبنان سرًا أو علنًا؟
ربما لا نستطيع أن ندير الظهر في السياسة لوزن مصر (رغم إدراكنا لأهدافها)، وخاصة لجهة مصالح أهلنا في غزة، باعتبار مصر رئة التنفس العربية للقطاع. لكن مطلوب الوضوح السياسي والمكاشفة مع الإخوة المصريين دون مجاملة وبعيدًا عن أي نفاق ودبلوماسية لا تحفظ كرامة شعبنا. أما إذا كان الدور المصري وتحركها النشط مؤخرًا؛ يصب في إعادة مسار المفاوضات وإنعاش أوسلو وملاحقه وتأمين هدنة مع الاحتلال طويلة الأمد والتوسط لصفقة أسرى تعيد الجنود الإسرائيليين؛ دون مراعاة مصالح وحقوق شعبنا وبما يمس مقاومتنا حتى بمسيرات العودة والبالونات الحارقة... فإننا نقولها: لا كبيرة؛ فغير مرحب بدوركم كوسيط على حساب مصالح شعبنا وحقوقه ومقاومته، حتى لو أكل شعبنا العشب والتراب.. فلا مساومة على كرامة شعبنا الوطنية وحقه بالحياة والمقاومة.
ما يأمله شعبنا؛ أن تبقى مصر راعية وداعمة لحقوق ومصالح شعبنا، وتقف إلى جانب مقاومته وتبذل جهودها للمصالحة الوطنية؛ بعيدًا عن الرهان على المفاوضات وعلى حكومة صهيونية متطرفة لن تعطي شيئًا سوى المزيد من الاستيطان والتهويد واستباحة للمقدسات والأقصى والخنق والحصار ومحاولات فرض الاستسلام، وإدارات أمريكية متعاقبة؛ مصلحة العدو الأولوية لها في سياستها ودعمها له بكل ما اوتيت من قوة.
يبقى الأمل والرهان على شعبنا في تمسكه بخيار المقاومة، وعلى فصائل المقاومة التي تعرف جيدًا أهداف التحركات المصرية الجديدة، والتي لن يكتب لها النجاح بعدما فشل العدو في فرض خيارات الاستسلام والتجويع والحصار على شعبنا.