Menu

نازيون وصهاينة في خندق واحد

تحليلعندما أصبحت أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا من أعظم الداعمين للصهيونية

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

ربما صدم البعض في أوربا وألمانيا خصوصا، العام الماضي، عندما تحول صبي يهودي مضطرب، ومنحرف قيميا، وعابد لسلطة والده، وممثل طبيعي لعائلة متوحشة وعنصرية، يدعى يائير نتنياهو، إلى وجه الغلاف للحملة الانتخابية للحزب اليميني الألماني البديل فور دوتشلاند ((AfD، وطبعا يائير هذا هو نجل رئيس الوزراء "الإسرائيلي" السابق بنيامين نتنياهو، وكان قد أثار الجدل عندما دعا إلى إلغاء الاتحاد الأوروبي "الشرير"، الذي قال إنه عدو "لإسرائيل" و"جميع الدول الأوروبية المسيحية"، وكان حزب البديل من أجل ألمانيا، على النقيض من ذلك، يفلت من تدقيق نتنياهو، ويتهم بانتظام بمعاداة السامية وقد وصفه رئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد لودر بأنه "عار على ألمانيا" وأطلق ألكسندر جولاند، القائد السابق لحزب البديل من أجل ألمانيا، على الحقبة النازية لقب "ذرة هراء من الطيور" في التاريخ الألماني.

ولكن إعادة نشر تعليق تافه ليائير نتنياهو، على لوحات انتخابية لحزب معاد للسامية، يمكن تفسيره في تاريخ أوربا ذاتها وتاريخ هذا النوع من الأحزاب، بل وأنواع غيرها إذا حاولنا تفسير عشق الحزب الشيوعي الفرنسي للصهيونية مثلا.

إذ لطالما كان التاريخ النقدي الأوربي والمناهض للصهيونية واضحا بخصوص هذه المعضلة، فأعداء السامية والمنكلين باليهود، يجدون أنفسهم ويتموضعون في متراس الصهيونية، هذا المتراس يضم امبرياليين، وفاشست ونازيين، يحبون "إسرائيل" والصهيونية ويكرهون اليهود، ربما لأن "إسرائيل" كانت خلاص أوربا من "مرضهم" اليهودي" وربما لأن الصهيونية في تماثلها مع الإمبريالية الأوربية هي معادية لليهود أصلا كما هي معادية لأي شيء، غير نفسها، هل نتكلم عن الفاشية هنا؟ لافرق أبدا، في الحقيقة إن تحالف الصهيونية مع الرايخ الثالث وأجهزة النظام النازي، والاتفاقات التي هقدت بين الجانبين أصبحت جزءا من التاريخ، أكثر من ذلك وبدون الخوض في تاريخ المحرقة، أثبتت قضية التعويضات الاتي تدفعها ألمانيا بشكل خاص للكيان الصهيوني، أنها جاءت لإنقاذ "إسرائيل" ومساعدتها وليس إنقاذ اليهود، ووافق النظام الإمبريالي الغربي، بشكل فاضح على استحواذ "إسرائيل" على فردانية تمثيل اليهود، وتعريف اليهود ك"إسرائيليين "بالقوة" حتى لو كانوا رافضين لذلك.

هذا النص مترجم ومعالج بتصرف، عن المقالة التي كتبتها لينا أوبر ماير والتي تصب في نفس المنحى، وتكشف كيف إن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا هي في ذات الوقت، أكبر أعداء اليهود، وأشد مناصري الصهيونية. .

لليمين المتطرف في أوروبا تاريخ طويل ومخجل في معاداة السامية، ومع ذلك، بينما يسعى اليمين المتطرف إلى تجديد صورته وتحقيق مكاسب انتخابية، أصبح الدعم المؤكد للصهيونية ركيزة أساسية للمشروع، في حين تم استكمال كراهية اليهود بأشكال جديدة من العنصرية وكراهية الأجانب.

الدعم اليميني المتطرف :لإسرائيل" ليس فريدًا من نوعه في ألمانيا ولكنه يتطور في جميع أنحاء أوروبا، إلى جانب أليس فيديل من حزب البديل من أجل ألمانيا، وقف قادة اليمين المتطرف مثل خيرت فيلدرز في هولندا، ومارين لوبان في فرنسا، ونيجل فاراج في المملكة المتحدة، وفيكتور أوربان في المجر، علانية مع "إسرائيل"، و أصبح الدعم المنفتح والحماسي للصهيونية عقيدة أيديولوجية لمعظم هذه الأحزاب، وهو سيناريو لا يمكن تصوره من منظور خمسين أو حتى ثلاثين عامًا. وبينما يستمر اليمين المتطرف القديم في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الصخب حول إبادة اليهود، فإن تناسخه الحديث يتوافق مع نتنياهو، كيف وصلنا إلى هنا؟

صانعي اليمين المتطرف

وقتنا المعاصر ليس أول من شهد معادي السامية يدعمون الصهيونية، فمنذ أن ولدت الحركة القومية اليهودية في أوروبا في القرن التاسع عشر، دافعت أقلية من معادي السامية الأوروبيين عن المستوطنات اليهودية في فلسطين، في الواقع، كان أحد الأسباب التي دفعت وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور من أجل دعم الحكومة البريطانية للحركة الصهيونية في وعد بلفور عام 1917 هو تخليص الأراضي البريطانية من اليهود.

بعد قرن من الزمان، وبعد فظائع الهولوكوست، أصبح إظهار الدعم "لإسرائيل" وسيلة لجعل الشعبوية اليمينية مقبولة اجتماعيًا مرة أخرى، حيث يعتبر حزب التجمع الوطني التابع لمارين لوبان (الجبهة الوطنية سابقاً) مثالاً بارزًا على ذلك، و عندما أسس والدها، جان ماري، الحزب في عام 1972، كان هذا الحزب معاد للسامية بشدة، لدرجة أنه يمكن أن يشير إلى الاحتلال النازي لفرنسا على أنه " ليس غير إنساني بشكل خاص"، و منذ ذلك الحين، حاولت مارين لوبان التخلص من صورة والدها السيئة من خلال التواصل مع الجالية اليهودية في "إسرائيل" وفرنسا.

مع تصاعد الدعم للجبهة الوطنية في فرنسا، وصل حزب البديل من أجل ألمانيا إلى الساحة في ألمانيا في عام 2013، حيث وضع نفسه كحركة متشككة في أوروبا انتقلت بسرعة إلى أقصى اليمين، و كان حزب البديل من أجل ألمانيا حريصًا أيضًا على إصلاح السياسة اليمينية، حتى ذلك الحين، كان الحزب الوطني الديمقراطي (NPD) - من بقايا الحقبة النازية - يمثل اليمين المتطرف، لكن حزب البديل من أجل ألمانيا وعد بأن يكون المستقبل، مما يعني الانفصال عن معاداة السامية المفتوحة التي لطالما ميزت الحزب الوطني الديمقراطي.

سافرت الزعيمة السابقة لحزب البديل من أجل ألمانيا، فراوكه بيتري، إلى تل أبيب في أوائل عام 2016 وأجرت مقابلة حصرية مع صحيفة يديعوت أحرونوت - وهي فرصة للتحدث علنًا ضد معاداة السامية وانتقاد "إسرائيل" مع تعزيز أوراق اعتمادها في الداخل.

لكن التقارب مع "إسرائيل" ليس مجرد وسيلة لتجديد السياسة اليمينية في أوروبا. إذا كان اليمين الأوروبي يتغاضى عن "إسرائيل"، فهذا أيضًا لأن "إسرائيل" كدولة قومية عرقية تقدم نوعًا من النموذج لأوروبا التي تكافح من أجل إيجاد إجماع حول كيفية التعامل مع حدودها في وجه اللاجئين، وعلاوة على ذلك، بالنسبة للكثيرين في أقصى اليمين، هناك شعور بالتضامن مع "إسرائيل"، التي يُتصور الآن أنها تشارك التراث اليهودي المسيحي، و يجب الدفاع عن هذا التراث بأي ثمن.

بينما تكافح الأحزاب الشعبوية اليمينية في أوروبا للتحدث إلى جمهور ناخب متباين، يبدو أن لدى "إسرائيل" كل شيء: أمة واحدة لشعب واحد من دين واحد، مع موقف لا يعتذر عنه ولا هوادة فيه تجاه سكانها الفلسطينيين، في الخيال الأوروبي اليميني، لا تسجل حقيقة أن "إسرائيل" هي مستقر أيضا لآلاف اليهود من غير الأوربيين، الذين يبدون أحيانا أشبه بالمسلمين منهم بالمسيحيين، أو أن الفلسطينيين من ذوي العقيدة المسيحية يواجهون عواقب الاستعمار الاستيطاني "الإسرائيلي" كل يوم، وبدلا من ذلك، يُنظر إلى "إسرائيل" بشكل خاص، واليهود بشكل عام، على أنهم كيانات أحادية البعد. هذا، بالطبع، هو إسقاط للاحترام اليميني.

التخيلات بجنون العظمة

جزء من هذا الفهم هو رؤية "إسرائيل" باعتبارها حصنًا عسكريًا للغاية ضد الإسلام.، وقد وصف خيرت فيلدرز من حزب الحرية الهولندي اليميني المتطرف" (PVV) "إسرائيل" ذات مرة بأنها "طائر الكناري في منجم الفحم" و "خط دفاع الغرب الأول ضد الإسلام"، وربط صراحةً بين كراهية اليمين للإسلام وفلسفتها المتزايدة. و وفقًا لعالم الاجتماع روجرز بروبيكر، في هذا السياق، فإن اليهود هم "الضحايا النموذجيين لتهديد الإسلام"، مما يجعل دعم إسرائيل مشروطًا بالقتال المشترك ظاهريًا ضد الحدود الإسلامية.

في أعقاب أزمة اللاجئين الأوروبية، استخدمت الأحزاب اليمينية عمدًا حالة عدم اليقين السياسي والقلق الاقتصادي في الداخل لإثارة خطابها المعادي للإسلام. وهم يزعمون أن أوروبا، مثلها مثل "إسرائيل"، كانت على شفا أن تستوعبها قوة إسلامية غازية، ومثلما هو الحال في "إسرائيل"، هناك حاجة إلى حكومة يمينية لحماية اليهود.

في عام 2014، حثت مارين لوبان اليهود الفرنسيين على التصويت لحزب الجبهة الوطنية، وهو حزب معروف بمأسسه أحد منكري الهولوكوست، وزعمت أن حزبها "هو بلا شك أفضل درع لحمايتك من العدو الحقيقي الوحيد، الأصولية الإسلامية"، أصبح هذا التأطير الجديد لمعاداة السامية كمشكلة إسلامية متأصلة في جوهر الخطاب المؤيد "لإسرائيل" في ألمانيا، في وقت سابق من هذا العام، ألقت بياتريكس فون ستورتش، نائبة زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا، باللوم على اندلاع الأحداث المعادية للسامية على "معادي السامية المستوردين" و "معاداي السامية مع خلفية هجرة واضحة"، ولكن كتقريرمن قبل المركز الدولي لدراسة التطرف في كينجز كوليدج لندن، لا يوجد استطلاع يشير إلى انتشار معاداة السامية بين السكان المسلمين. إن التأطير اليميني لمجتمع مسلم متآلف معاد للسامية بطبيعته هو مجرد شبح خيالي.

الصهيونية والعسكرة

يتلخص المبدأ الثالث لدعم "إسرائيل" في تمجيد مجمعها الصناعي العسكري المتطور، لطالما اعتمد الجيش "الإسرائيلي" على التجنيد الإجباري وهو رائد عالميًا في إنتاج الأسلحة، والذي يصفه بأنه "تم اختباره في المعركة" في عرض مبيعاته. في الوقت نفسه، تعتمد على كميات ضخمة من المساعدات الخارجية - معظمها من الولايات المتحدة - التي يتم تأطيرها بانتظام على أنها "التزام أمني".

في حين أن اليمين الأوروبي المتطرف يود أن يرى لاجئين تطلق عليهم النار على الحدود، في "إسرائيل"، كان هذا يحدث بالفعل منذ بعض الوقت، من سياسة "إطلاق النار" على اللاجئين الفلسطينيين في الخمسينيات من القرن الماضي إلى إصابتها مؤخرًا أكثر من 35000 متظاهر فلسطيني خلال مسيرة العودة الكبرى في غزة في 2018-2019، نادرًا ما تقابل مهمات "إسرائيل" المبهجة بإطلاق النار بإدانة دولية، و هذا الشهر فقط، أجرت صحيفة إسرائيل هايوم مقابلة مع مارسيل يارون غولدهامر، وهو ألماني تحول إلى اليهودية وخدم في الجيش "الإسرائيلي" - ووصف خدمته بأنها "أجمل وقت في حياتي"، وفي ألمانيا، هو مرشح البديل من أجل ألمانيا لعضوية البوندستاغ الألماني، منتقدًا وجود المسلمين في ألمانيا لأنه "سيكون كما هو الحال في إسرائيل، ونرى ما يحدث هناك الآن".

إن موجة الدعم المعاصرة لإسرائيل بين اليمين الأوروبي المتطرف هي أولاً وقبل كل شيء ذات دوافع استراتيجية، ينحرف الدعم عن عنصرية اليمين وكراهية الإسلام من خلال توجيه قضية الضحايا النهائيين لأوروبا، اليهود، ويساعد اليمين على التستر على سجله الواسع من الخطاب اللا سامي.

وفي ضوء استغلال اليمين الواضح للصهيونية لأغراضه الخاصة، لا يوجد ما يكفي من معارضة "إسرائيل" بشأن هذا الموضوع. وفي الواقع، العكس هو الصحيح. كان القوميون المتطرفون تحت إدارة نتنياهو حريصين على التجمع مع سياسيين معادين للسامية بشكل علني ومن النازيين مثل نائب المستشار النمساوي السابق هاينز كريستيان ستراش. و لسوء الحظ، لن يتغير شيء ما دامت الحكومة اليمينية في "إسرائيل"، بقيادة نفتالي بينيت، تسعى إلى إقامة تحالفات مع نظيراتها في أوروبا.

ولكن باستخدام سياساته المؤيدة "لإسرائيل" كورقة توت، تمكن اليمين الأوروبي من صرف الانتباه عن معاداة السامية الخطيرة في صفوفه، ووفقًا لجوزيف شوستر، رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، فإن اليمين السياسي في ألمانيا هو المسؤول، في الغالب، عن الارتفاع الأخير في الهجمات المعادية للسامية.