صعدت السعودية إجراءاتها ضد لبنان معلنة عن سحب سفيرها ومجموعة من شركاتها منه، متذرعة بموقف أطلقه أحد الوزراء اللبنانيين المقربين تاريخيًا منها، وكأنها توضح للجميع نواياها بمنع خروج لبنان من أزمته ما لم يقدم اللبنانيون الإذعان الكامل لمطالبها، والتي يمكن أن تتلخص ببساطة في حرب أهلية لبنانية عنوانها إقصاء حزب الله وعزله وكل ما يمثله من دوره كمقاومة إلى دوره كممثل لقاعدة اجتماعية عريضة.
تؤكد السعودية بهذا الطور من حملتها اتصال وشمول سياساتها لكل ما يختلف معها بالإقليم أو يناهض عدوانها بمساراته المختلفة؛ فحربها العسكرية وحصارها المستمر على اليمن لا ينفصل عن سياساتها تجاه لبنان، والتي شملت سابقًا خطف واحتجاز وتعذيب رئيس حكومته المقرب منها، وذلك كله دفاعًا عن رؤية تريد تغيير واقع الإقليم نحو الاستسلام الكامل للمشروع الغربي والصهيوني الذي التحقت به.
أعداء السعودية المعلن عنهم هم المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، وتلك القوى التي تقاوم عدوانها على اليمن، وكل من تحرك ضد نظم الاستبداد والقهر، وهي وإن تخلت نسبيًا عن سياساتها لتغذية التطرف الديني داخلها، فإنها مصرة على استثمار الورقة الطائفية في كل بلد عربي، لحشد حلفائها ضد خصومها وأعدائها، ففي السعودية ذاتها لم يعد التطرف الديني بمعناه المباشر المنعكس على شكل قيود على حياة الأفراد هو السياسة الرسمية، ولكن في الإقليم على الجميع أن يصطف طائفيًا خلفها، ورغم استخدام الأداة الطائفية للحشد والتقسيم وصناعة الحروب الأهلية في الامتداد العربي والإقليمي، فإن المقصد واضح ومعلن وهو كل نفس مقاوم للمشروع الغربي والاستعماري والتحالف السعودي معه، حيث
تحاصر لبنان وتشن حرب لثمانِ سنوات على اليمن، وحين تخسر هذه الحرب وتتكبد الخسائر فيها، يكون الخيار إشعال النار في ساحة أخرى وأخرى، لكن وقف هذه الحرب والتنازل عن الشروط التعجيزية التي يضعها المهزوم غير مطروح على طاولتها. حاليًا على الأقل، فربما تنتظر مزيدا من الخسائر والهزائم التي يلحقها بها اليمنيون يوميًا وبحلفائها ومرتزقة عدوانها.
ستخسر السعودية كل شيء في اليمن، ومعه كل رهاناتها حول مصير هذا البلد، وفي لبنان لن تنتج أدوات حربها وحشدها إلا مزيدا من الخسران لها ولمعسكرها، قد يلحق ضررا كبيرا بلبنان الذي يعاني فعلًا من أزمة اقتصادية خانقة، ولكن المؤكد أن السعودية لن تربح شيء، لكن من يفهم السياسة السعودية تجاه العالم العربي بالسنوات الأخيرة، خصوصًا سيدرك أن مقياسها للفشل والنجاح لا يتصل بتسجيل أي من حلفائها وأدواتها تقدمًا نحو الامساك بالسلطة أو حيازة التأييد الجماهيري أو تقديم مشروعه السياسي، بل التدمير والتفتيت.
لا مشكلة لدى السعودية أن تورط حلفاءها في لبنان بمغامرات عسكرية وأمنية على غرار الذي شرعت به القوات اللبنانية، أو أن يقتلوا في الشوارع في إطار تنفيذهم لهذه المخططات، ستكافئ بسخاء كل اضطراب وعنف موجه نحو الداخل، وخصوصًا نحو المقاومة، وحين يسقط هذا الحليف أو ذاك ستتركه لمصيره أو أسوأ من ذلك؛ فيوميًا تفعل ذلك في اليمن منذ بداية حربها، حيث تقصف اليمنيين المقاتلين معها بجانب من يقاومها في ساحات القتال، ففي النهاية هؤلاء جميعًا لا قيمة لهم لديها.
العقاب السعودي المعلن هو الحصار والمقاطعة وحتى الحرب، لكن المغزى منه هو إحراق كل بلد عربي وإغراقه في نيران حرب أهلية لا معنى ولا مغزى لها، لا تتصل بحقوق الشعوب أو مطالبها، بل بتطلعات السعودي ومن يقف خلفه، وهو مسعى لا مكان لمقابلته إلا بالتصدي؛ فلا موضع للاستسلام أمام هذه الوحشية والغطرسة.