Menu

مؤتمرُ أربيل التطبيعيّ بين المعلن والمخفيّ: حكومة إقليم كردستان لاعبٌ أساسيٌّ في خيار التطبيع بدعمٍ خفي من حكومة الكاظمي

عليان عليان

نشر في العدد الأخير من مجلة الهدف الرقمية

من تابع التصريحات الحكوميّة العراقيّة المندّدة بمؤتمر أربيل التطبيعيّ، والداعية لمحاكمة من عمل على الإعداد له والمشاركة فيه، وتوقيع أقصى العقوبات بحقّهم وَفْقَ قانون العقوبات العراقي؛ يكتشفُ أنّ هذه التصريحات لا تعدو كونها محاولةً مكشوفةً لامتصاص غضب الشارع العراقي المناهض للتطبيع، الذي يصفه بأنّه خيانةٌ وطنيّةٌ وقوميّة؛ فالحكومةُ العراقيّةُ لم تُقدمْ على أيّة خطوةٍ لاعتقالهم، ولم تمارس ضغطًا حقيقيًّا على حكومة إقليم كردستان لتسليمهم للقضاء العراقيّ، ناهيك أنّ الحكومةَ استثمرت موضوعَ الانتخابات البرلمانيّة لتجاوز المسألة برمّتها، وإنْ كانت بعضُ الكتل الانتخابيّة استثمرت موضوعَ التطبيع والموقف منه في السياق الانتخابي. هذا كلُّهُ من جهة، ومن جهةٍ أخرى، لم يجرِ تسليطُ الضوء على دور حكومة إقليم كردستان في دعم انعقاد هذا المؤتمر في عاصمة الإقليم "إربيل"، التي زعمت بأنّها لم تكن في صورة عقد هذا المؤتمر، وهي التي تملك أجهزةً أمنيّةً وعسكريّةً مناظرةً لأجهزة الحكومة العراقيّة؛ ناهيك أنّ المؤتمرَ الذي عقد لم يضمَّ شخصيّاتٍ كرديّةً للتمويه بأنّ حكومةَ كردستان لا علاقةَ لها بالمؤتمر.

حكومةُ إقليم كردستان ودورُها التطبيعي

يذهبُ العديدُ من المحلّلين، إلى أنّ القوّةَ الرئيسيّةَ التي عملت من وراء الستار لعقد المؤتمر، هي قيادةُ الحزب الديمقراطي الكردستاني التي تقود حكومةَ الإقليم؛ ارتباطًا بعوامل عدّة، أبرزُها:

1- أنّ هنالك علاقةً تاريخيّةً وتقليديّةً تربطُ قيادةَ الحزب بالكيان الصهيونيّ منذ نهاية خمسينات ومطلع ستينات القرن الماضي، في عهد الملا مصطفى البرزاني، الذي كان ينسّق مع العدو الصهيوني في مواجهة حكومة العراق السابقة وقيادته.

2- أنّ الحضور الإسرائيليّ موجودٌ حتّى اللحظة في إقليم كردستان، وتصاعد هذا الحضورُ إبّان استفتاء الإقليم بشأن الانفصال عن الدولة العراقيّة.

3- لم تكتفِ حكومةُ الإقليم بالصمت على الحضور الدبلوماسيّ الخفيّ للعدو، بل تجاوزته بالموافقة على إقامة محطّةٍ لجهاز المخابرات الإسرائيليّ "الموساد" على مقربةٍ من مطار أربيل الذي سبق وأن قصفته المقاومةُ العراقيّةُ بالصواريخ.

 

 

حكومةُ الكاظمي والخيارُ الأمريكي

الأمورُ لم تتوقّف على حكومة إقليم كردستان، بل إنّ أطرافًا أساسيّةً في الحكومة العراقيّة وفي الرئاسات الثلاث - لم تقدم على أيّة خطوةٍ عمليّةٍ لاعتقال منظمي المؤتمر؛ وذلك ارتباطًا بخياراتٍ سياسيّةٍ محدّدةٍ أبرزُها:

1- أنّ هذهِ الأطرافَ وقفت - ولا تزال تقف - مع بقاء قوّات الاحتلال الأمريكيّة في العراق، تحت مبرّريْ مكافحة الإرهاب، وتدريب القوّات العراقيّة، في تناقضٍ واضحٍ مع قرار البرلمان العراقي السابق بشأن خروج القوّات الأمريكيّة من العراق.

2- الأطرافُ الرئاسيّةُ الثلاثةُ (رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي) يتمثّل خيارُها السياسيّ بالتوجّه الدائم تجاهَ أمريكا، ورفض التوجّه تجاهَ الشرق، وهي وقفت ضدَّ الصفقة الاقتصاديّة (30 مليار) دولار التي أبرمها رئيسُ الوزراء السابق عادل عبد المهدي مع الصين، التي تصبّ في مصلحة الاقتصاد العراقيّ وبنية العراق التحتيّة.

ويجزمُ العديدُ من المحلّلين أنّ خيارَ التوجّه نحو أمريكا يغطّي سياسيًّا خيار المطبّعين في مؤتمر أربيل، وأنّ التصريحات الصادرة عن أصحاب هذا الخيار جاءت لامتصاص غضب الشارع العراقي الرافض للتطبيع ولمنطق التسويات معه، مطلق تسويات.

وبهذا الصدد قال الأمينُ العامُ لفصائل أهل الحق - أحد مكوّنات الحشد الشعبي – الشيخ قيس  الخزعلي، خلالَ مقابلةٍ مع الميادين، "هناك جبهتان: جبهةٌ فيها من يعتقد بضرورة بقاء الحشد الشعبي وخروج القوّات الأجنبيّة، وجبهةٌ ثانيةٌ فيها من يعتقد بضرورة حلّ الحشد وربط العراق بالغرب، ومن هو باطنًا مع التطبيع، مشيرًا إلى أنّ الفترةَ التي جرت فيها التظاهراتُ لا تعكس طبيعةَ الوضع في العراق، وخصوصًا بعد الانتصار على تنظيم داعش".

الانتخاباتُ مدخلٌ للتغريب وتسهيل عمليّة التطبيع

 ما يجبُ الإشارةُ إليه هنا أنّ أصحاب الخيار الأمريكي في العراق لم يتراجعوا عن توجّههم الخفيّ الداعم للتطبيع، بل أجّلوا السير في هذا المسار بانتظار توفير متغيّراتٍ جديدةٍ تسمح بتمريره، وفي هذا السياق جاءت عمليّةُ تزييف الانتخابات لضرب الحضور الفاعل "لتحالف الفتح" المشكّل من فصائل المقاومة والحشد الشعبي في البرلمان، لتشكّل مدخلًا لتحجيمها، بوصفها رأسَ الحربة في مواجهة قوّات الاحتلال الأمريكيّة في العراق، وفي مواجهة نهج التطبيع مع العدو الصهيوني. وقد أدّت مفوضيّةُ الانتخابات دورًا رئيسًا في تزييف إرادة الناخب العراقي لصالح الكتل الموالية لأمريكا، ولصالح كتلةٍ شيعيّةٍ (التيار الصدري) المناوئ لإيران، الذي بات يقيمُ علاقاتٍ وثيقةً مع السعودية، وسبق أن اصطفَّ معها سياسيًّا ضدّ النظام القومي في سورية. ولعلّ التصريح الصادر عن مقتدى الصدر غداة الإعلان عن النتائج الأوليّة للانتخابات، يفسّر حقيقةَ اصطفافه السياسي، إذ إنّه طالب فورًا بتجريد الميليشيات العراقيّة من سلاحها، وتسليم السلاح للدولة العراقيّة، في إشارةٍ منه إلى فصائل الحشد الشعبي، متجاهلًا حقيقةَ الدور المركزي لهذه الفصائل في تطهير العراق من تنظيم داعش الإرهابي.

سبق لمفوضيّة الانتخابات أن أصدرت قرارًا بعدم شمول منتسبي الحشد بالتصويت الخاص؛ أسوةً بمنتسبي الجيش وقوّات الأمن العراقي، رغم أنّ هناك قرارًا حكوميًّا منذ بَدْءِ الحرب على داعش بأنّ فصائل الحشد جزءٌ من الجيش العراقي، وتتبع القائد العام للقوّات المسلّحة العراقيّة، هذا (أوّلًا). (وثانيًا) لقد ثبت وَفْقًا لمصادر الحشد الشعبي بأنّ هناك تناقضًا بين مخرجات الفرز اليدوي ومخرجات الفرز الإلكتروني، وأنّ هناك ما يزيد عن مليوني صوتٍ لم يتمّ احتسابُها لصالح الحشد الشعبي ولحلفائه في الهيئة التنسيقيّة، كلّ ذلك بهدف إخراج الحشد الشعبي من دائرة التأثير في القرار السياسي، ولعلّ الإعلان المبكر وقبل صدور النتائج النهائيّة للانتخابات، بأنّ تحالف الفتح لم يحصل سوى على 14 مقعدًا في البرلمان، مقارنةً بـ (47) مقعدًا حصل عليها في البرلمان المنتهية ولايته، لمؤشر على التلاعب الواضح والمكشوف في نتائج الانتخابات.

يضاف إلى ما تقدّم، دخولُ أكثرَ من طرفٍ للتأثير على نتائج الانتخابات، ونخصّ بالذكر (أوّلًا) السفارة الأمريكيّة التي أدارت اجتماعاتٍ متلاحقةً عشيّةَ الانتخابات؛ بهدف التأثير على النتائج (وثانيًا) بعثة الأمم المتّحدة للرقابة على الانتخابات التي لم تسمح لمندوبي بعض الكيانات السياسيّة حضور عمليّات الفرز (وثالثًا) دخول الإمارات – حسب مصادر الحشد الشعبي – على خطّ الانتخابات عبر دورها في دعم الفرز والتزوير الإلكتروني؛ نظرًا لمصلحتها في أن تفوزَ جهاتٌ عراقيّةٌ مؤيدةٌ للتطبيع مع العدو الصهيوني.

بقي أن نشير إلى أن مهمّة تيار التطبيع في الحكومة العراقيّة لن تكون سهلةً في ضوء تحالف الحشد الشعبي، الذي لن يسلّم بنتائج الانتخابات، وسيقف بالمرصاد مع بقية المكوّنات العراقيّة ضدّ خيار التطبيع الخيانيّ.

نهجُ التطبيع يبحثُ عن خيارٍ يتمّ طبخُهُ على نارٍ هادئة

فمؤتمرُ أربيل التطبيعي، الذي  عقد  عشيّةَ الانتخابات البرلمانيّة بتخطيطٍ وتنظيمٍ من قبل ما يسمى "مركز اتصالات السلام الأمريكي" (The Center for Peace Communications) وشاركت فيه 300 شخصيّة عشائريّة ادّعت أنّها تمثّل سِتَّ محافظاتٍ ذاتِ أغلبيّةٍ سنيّةٍ وشيعيّة (بغداد، المُوصل، صلاح الدين، ديالي، الأنبار ونينوى) تحت عُنوان "مُؤتمر السّلام والاستِرداد"، كان بمثابة دوريّة استكشافيّة لرصد مزاج الشعب العراقي وردود فعله حيال  خيار التطبيع ، إذ جاءت ردود الفعل الشعبيّة على المؤتمر ومخرجاته معاكسةً بالمطلق لتوجّهات المؤتمر وقراراته.

 

لقد توقّعت الجهةُ المنظِّمةُ للمؤتمر، وبمباركةٍ ضمنيّةٍ من حكومة كردستان العراق، ومن أطرافٍ في الحكومة العراقيّة، بأنّ المؤتمر ومخرجاته، سيشكّل محطّةً يمكن البناءُ عليها، بعد رصد ردود الفعل عليها، لكن حجم ردود الفعل التي صدرت من أغلبيّة المكوّنات السياسيّة والطائفيّة والعشائريّة والإثنيّة، أذهلت المراقبين والدوائر الصهيوأميركيّة، وكشفت أنّ العراقَ ليس تربةً خصبةً يمكن أن تنمو فيها بذرةُ التطبيع.

ولم يخطر على بال الجهة الأمريكيّة المنظّمة للمؤتمر، بأنّ مخرجات هذا المؤتمر ستسير بالاتجاه المضادّ للمخطّطات الصهيوأميركيّة، وأنّ سحر المخطّطين وأدواتهم في العراق من أشباه المثقّفين، ومن وجوهٍ تدّعي المشيخة في القبائل العراقيّة؛ انقلبّ عليهم وباتوا يبحثون عن خيارٍ آخرَ يتمُّ طبخُهُ على نارٍ هادئةٍ لتمرير عمليّة التطبيع بالتدريج، بعد ردود الفعل الشعبيّة والرسميّة العراقيّة المنددة بالفعلة المشينة، وغير المسبوقة في الدول العربيّة منذ توقيع معاهدات السلام مع الكيان الصهيوني، ابتداءً من كامب ديفيد مرورًا باتفاقيّات أوسلو ومعاهدة وادي عربة وصولًا لاتفاقيّات إبراهام التطبيعيّة الخيانيّة، بين كلّ من الإمارات والبحرين وسلطنة عمان و السودان والمغرب وبين الكيان الصهيوني، التي أدّى فيها الحكمُ السعوديُّ دورَ العراب