Menu

النيابة لم تعد خصمًا شريفًا..

"الضمير": الفترة الماضية شكّلت ضربة لمنظومة العدالة الفلسطينيّة

رام الله - بوابة الهدف

قالت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الانسان إنّ الفترة الماضية شكّلت ضربة في منظومة العدالة الفلسطينيّة، منذ مقتل الناشط والمرشّح السابق للمجلس التشريعيّ الفلسطينيّ نزار بنات على يد عناصر من جهاز الأمن الوقائيّ الفلسطينيّ.

وكشفت في تقرير، نشرته أمس الأحد، حمل عنوان: "منظومة العدالة الفلسطينيّة: ما بين انتهاك حقوق المواطنين ودور السلطتين التنفيذيّة والقضائيّة" أنّ مقتل بنات تبعه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من قبل السلطة التنفيذيّة ممثّلة بالأجهزة الأمنيّة، من خلال الاعتداء على التجمّعات السلميّة، وانتهاك حقّ المواطنين في الحريّة، والتجمّع السلميّ، وحريّة الرأي والتعبير، والحقّ في الخصوصيّة.

وشدد التقرير على أنّ انتهاكات السلطة التنفيذيّة بأجهزتها  لم تقف في الفترة الماضية عند القمع والاعتداء على التجمّعات السلميّة، بل امتدت لتشمل تنفيذ حملة اعتقالات واسعة ضدّ الأشخاص المشاركين في التجمّعات السلميّة بشكلٍ تعسفيّ. حيث اعتقلت في الفترة المذكورة ما يقارب (70) شخصاً أثناء توجُّههم للتجمّعات السلميّة، تعرضوا جميعاً لظروف اعتقال صعبة، حيث قضوا فترات اعتقالهم في زنازين تفتقر إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات المعيشة الإنسانيّة، وفي ظروف بيئيّة وصحّيّة سيّئة، لم يُراعَ فيها الحدّ الأدنى من التدابير الوقائيّة؛ لحمايتهم من خطر تفشّي فيروس كورونا.

وفيما يتعلق باعتداءات واعتقالات الأجهزة الأمنيّة والمدنيّين بحقّ مختلف فئات الشعب الفلسطينيّ، لفت التقرير إلى عدّة حالات من أبرزها: تعرّض الصحفيّ (أ. ح) للاعتداء أثناء تواجده في دوّار الساعة لتصوير التجمّع السلمي الذي دعت الحراكات له.

وتعرّضت الطبيبة (د. أ) للاعتداء الشديد من قبل عناصر الشرطة أثناء مشاركتها في تجمّع سلميّ أمام مقر شرطة البالوع في مدينة رام الله؛ احتجاجاً على اعتقال مجموعة من المواطنين الذين تمّ اعتقالهم من دوّار المنارة قبل موعد التجمّع السلميّ الذي كان مفترضاً أن يكون في تمام الساعة السابعة مساءً؛ تنديداً بالاعتقال السياسيّ.

وتعرّض المدافع عن حقوق الإنسان والأسير السابق (أ. ع) للاعتقال التعسفيّ مرتين في الفترة المذكورة على يد الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة. جاء اعتقاله الأوّل، وذلك أثناء تواجده على دوّار المنارة بعد الدعوة لتجمّع سلميّ للمطالبة بمحاسبة قتلة نزار بنات.

وتعرّض الناشط السياسيّ (ع. ع) للاعتقال التعسّفيّ ثلاث مرات على يد الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة في الفترة المذكورة؛ بسبب مشاركته في التجمّعات السلميّة المختلفة التي تمّت الدعوة لها. حيث اعتُقل للمرّة الأولى أثناء تواجده على دوار المنارة قبل بدء التجمّع السلميّ، ونُقل إلى مركز شرطة البالوع حيث احتُجز تعسّفيّاً لمدّة يوم.

وأكد التقرير أنّ النيابة العامّة الفلسطينيّة تجاوزت دورها كـ"خصم شريف" وانتهجت إصدار مذكّرات الإحضار بحقّ مواطنين على خلفيّة سياسيّة، والتي في كثير من الأحيان لا يكون لها أساس في القانون، وثبتت لاحقاً من خلال إصدار المحاكم قرارات بالبراءة من الاتّهامات الموجّهة للنشطاء الذين تمّ توقيفهم.

واعتبر التقرير أنّ الاعتقال على خلفيّة الرأي والتعبير من خلال قيام النيابة بإصدار مذكّرات الإحضار يُفقد النيابة العامّة دورها الأساسي في حماية الحقوق والحريّات المكفولة في القانون الأساسيّ، ويجعلها خصماً غير عادل في دعوى الحقّ العام، ويجعلها غير مستقلة في أداء مهمّاتها، في شكل يناقض رؤيتها المُعلنة، ويناقض الدور المنوط بها في تكريس العدالة، وسيادة القانون دون تمييز بين المواطنين، وحماية الحقوق الأساسيّة والحرّيّات العامّة.

وشدد على أنّ ما تنتهجه النيابة العامّة الفلسطينيّة لا يقتصر على إصدار مذكّرات إحضار بحقّ مواطنين على خلفيّة حريّة الرأي والتعبير، أو على خلفيّة سياسيّة، بل يمتدّ إلى توقيف النشطاء على خلفيّة الحقّ في التجمّع السلميّ، والحقّ في التعبير عن الرأي والانتماء السياسيّ، معتبرًا أنّ "سلوك النيابة العامّة فيما يتعلّق بممارسة الحقوق والحريّات اكتنفه التمييز ما بين المواطنين في انتهاك للقانون الأساسيّ".

كما رأى التقرير أنّ تأخُّر النيابة في التحقيق بالبلاغات حول تعرّض المواطنين للاعتداء يؤدّي إلى ضياع أدلّة الإثبات أو تلفها، ويؤدّي إلى صعوبة التعرّف والوصول إلى الأشخاص المعتدين؛ ما يؤدّي إلى غياب العدالة، وينتهك مبدأ سيادة القانون، ويُعدّ تخلّفاً من النيابة عن القيام بالمسؤوليّات والالتزامات التي تقع على عاتقها بموجب القانون.

ورصدت مؤسسة الضمير في تقريرها تساهُل القضاة في ملاحقة المواطنين على خلفيّات التجمّع السلميّ، وحرّيّة الرأي والتعبير، والانتماء السياسيّ. وعلى الرغم من أنّ القضاة الذين عُرض عليهم معتقلون على خلفيّة التجمّع السلميّ قاموا بإصدار قرارات بإخلاء سبيل المعتقلين بكفالات سواء شخصيّة أو ماليّة، وعدم الإبقاء على حجز حرّيّتهم، إلّا أنّ ذلك يعني أنّهم ماضون في محاكمة المواطنين المفرَج عنهم؛ بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسيّة، كالحقّ في التجمّع السلميّ.

ونوهت المؤسسة إلى أنه من خلال سنوات عملها في الاعتقال السياسيّ، ومتابعة قضايا المعتقلين أمام القضاء الفلسطينيّ يبرز أنّ ما نسبته 99% من الملفّات التي ينظرها القضاء على خلفيّة حرّيّة الرأي والتعبير، والانتماء السياسيّ تنتهي ببراءة المتّهم من التّهم المسندة إليه، وغالبيّتها بسبب عدم كفاية الأدلّة، معتبرةً أنّ "هذا دليل على استخفاف منظومة العدالة الفلسطينيّة بحقوق المواطنين، حيث يمرّ المعتقل السياسيّ برحلة طويلة من المماطلة، تبدأ من الاعتقال وحجز الحرّيّة، مروراً بالتحقيق لدى الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة والتي يتعرّض فيها المعتقل في عديد من الأحيان للتعذيب وسوء المعاملة، وصولاً للمحاكمة أمام القضاء المختصّ، من خلال عدد من الجلسات التي تُعقد على مدار أشهر طويلة تنتهي ببراءة المتّهم".

وفي هذا السياق، أكدت المؤسسة على وجوب أن يحافظ القضاة على استقلاليّتهم بمواجهة أيّ محاولات للتأثير، أو الانجرار خلف أهواء السلطة التنفيذيّة، والكفّ عن قبول الدعاوى، والسير في إجراءات محاكمة مواطنين على خلفيّة التجمّع السلميّ، وحرّيّة الرأي والتعبير، والانتماء السياسيّ.

وسلط تقرير "الضمير" الضوء على التمييز الذي مارسته السلطات بحقّ المواطنين في التجمّعات السلميّة، حيث لم تعترض السلطة التنفيذيّة بأجهزتها أيّ من التجمّعات التي أقامتها حركة فتح أو أهالي المتهمين بقتل نزار بنات، ولم يُلاحَق أيّ من منظّميها أو المشاركين فيها، بينما تعرّضت تجمّعات أخرى معارِضة للقمع الشديد والملاحقة والاعتقال، مؤكدًا أنّ هذا التمييز "يستلزم إجراء محاسبة شاملة وفوريّة لكلّ مَن تورّط فيه، في الاعتداء والتعذيب، والاعتقال التعسّفيّ.

وختم التقرير محذرًا من أنّ هذا التمييز يعزّز عدم ثقة المواطنين بالسلطات، وبمنظومة العدالة ككلّ، ويؤسّس لحالة من العصيان تحديداً في ظلّ التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء السياسيّ.