Menu

في  الذكرى (54) لانطلاقتها: الجبهة الشعبية أنموذج  يساري يحتذى به في التمسك بالثوابت الوطنية الاستراتيجية وفي الالتزام الأيديولوجي

عليان عليان

يحضرني  في  الذكرى الرابعة والخمسين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين   تصريح سابق لسيد المقاومة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، جاء فيه: "لا يسعني إلا أن أحيي هذا الفصيل المقاوم ، الذي أمينه الأول " حكيم" وأمينه العام الثاني شهيد ، وأمينه العام الثالث أسير " وهذه الشهادة من سيد المقاومة  تختصر بشكل مكثف ماهية الجبهة الشعبية ودورها التاريخي في النضال الوطني الفلسطيني.

وبعد:

ونحن نستحضر  تاريخ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ انطلاقتها وصولاً للحظة الراهنة   نتوقف أمام  مجموعة قضايا ميزت نضالات الجبهة  أبرزها:

أولاً : أن الجبهة بوصفها امتداد لحركة القوميين العرب ، ظلت أمينةً على هدف التحرير الكامل للتراب الوطني الفلسطيني ، ذلك الهدف الذي لم يغادر فكر الحركة ومؤسسها الدكتور جورج حبش ورفاقه ، والذي تجسد لاحقاً في الميثاقين القومي والوطني الفلسطيني.  وقد لعبت الجبهة منذ انطلاقتها ، دوراً أساسياً ومركزياً في مقاومة الاحتلال  في الضفة والقطاع وفي مناطق 1948 ، عبر عمليات نوعية ، وفي الذاكرة  التي لا تمحي تجربة القائد الجبهاوي  محمد الأسود "جيفارا غزة " في القطاع ، التي دفعت وزير الحرب الصهيوني آنذاك " موشيه ديان" لأن يعترف " بأن حكومة العدو تحكم القطاع في النهار وأن الجبهة الشعبية تبسط سيطرتها على القطاع في الليل".

ثانياً : أن الجبهة الشعبية بعد انطلاقتها، أجرت مراجعة لفكر الحركة رغم تحالفها الوثيق مع خالد الذكر جمال عبد الناصر ونهجه الاشتراكي ، كما  أنها في ضوء قراءتها لهزيمة 1967  وتحميلها المسؤولية للبنية الطبقية للأنظمة التي خاضت الحرب – وهي قضية خاضعة للنقاش- قررت الاسترشاد  بأيديولوجية الماركسية – ال لينين ية كمرجعية فكرية في صياغة برامجها السياسية ،  وأولت أهمية خاصة للنهج الماوي في أولى أدبياتها الفكرية ، لكنها لاحقاً وفي سياق نضجها الفكري ،ركزت على النظرية ببعديها الرئيسيين " المادية الجدلية والمادية التاريخية" وعلى قراءة  التجارب الثورية للاستفادة منها في إدارة الصراع.

ويحضرني هنا أن الحكيم ، في كل كونفرنس وفي كل مؤتمر ، كان  يتوقف بشكل كبير أمام الشوط الذي قطعته الجبهة في تحولها نحو الماركسية اللينينية ،  في إطار السعي الجاد للتعامل معها وفق خصوصية الواقع الفلسطيني والعربي.

ثالثاً : أن الجبهة الشعبية رغم استرشادها أولاً بالماركسية اللينينية، والتزامها بها لاحقاً إلا أنها لم تغادر نهجها القومي العربي التقدمي ، وعرفت كيف تجسر العلاقة بين الطرح الأممي والقومي في إطار ربط جدلي محكم بينهما.

رابعاً :يسجل للجبهة الشعبية هنا ، أنها  رسمت منذ البداية نهجاً استراتيجياً يميز بين معسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء من صهاينة وإمبرياليين ورجعيين ، كما أنها في تعاملها مع معسكر الأصدقاء والحلفاء " الاتحاد السوفياتي" كان لديها الجرأة أن تختلف معهم في بعض القضايا ذات الطابع الاستراتيجي،  المتعلق بأساليب النضال والتسوية والهدف الاستراتيجي للنضال الفلسطيني.

خامساً : لعبت الجبهة الشعبية لعبت دوراً ريادياً في الوحدة الوطنية الفلسطينية ،  ورأت فيها شرطاً أساسياً  من شروط الانتصار ، لكن التزامها بقضية الوحدة لم يحل دون  وقوفها بصلابة أمام أي نهج سياسي للقيادة  المتنفذة  لمنظمة التحرير، ينطوي على شبهة تفريط بالثوابت الاستراتيجية ، هكذا كان موقفها بعد حرب تشرين 1973 إثر طرح برنامج " النقاط العشر" الذي اصطلح على تسميته بالمرحلي ، وهكذا كان  موقفها من اتفاقيات أوسلو 1993 ومشتقاتها.

سادساَ : أن الجبهة الشعبية في قراءتها للانقسام بين حركتي فتح وحماس ، لم ترتهن لكونها الفصيل الثاني في منظمة التحرير ، بحيث تحمل المسؤولية فقط ل حركة حماس ، بل أنها في ضوء قراءتها الموضوعية لنهج الطرفين ، حملت المسؤولية للطرفين غير آبهة بالهجوم الذي شنته السلطة عليها  بهذا الخصوص ، إدراكاً منها أن الفصيلين يمثلان اليمين  وينتميان إلى ذات الطبقة ،وإن غلف أحدهما نهجه بغلاف ديني وطني ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الجبهة الشعبية لا تخفي تحالفها مع حركة حماس وحركة الجهاد وغيرهما في سياق مواجهة الاحتلال ،ارتباطاً بقراءتها العلمية، بأننا نعيش مرحلة تحرر وطني  تقتضي أكبر قدر من التحالفات مع القوى التي ترفع شعار المقاومة ونلتزم بتطبيقه على أرض الواقع.

يسجل للجبهة الشعبية  ضخ دماء جديدة في بنيتها القيادية، مفسحة المجال لجيل الشباب أن يأخذ دوره  القيادي، ويسجل لها أنها ضربت المثال بعدم بقاء الأمين العام  في موقعه مدى الحياة مثلما يحصل في بقية الفصائل ،عندما أقدم الدكتور جورج حبش على تقديم استقالته من موقع  الأمين العام في المؤتمر السادس للجبهة عام 2000  ، ويسجل لها أنها في القضايا التنظيمية ، أعطت  وتعطي مجالاً واسعاً للديمقراطية في إطار التزامها بمبدأ المركزية الديمقراطية .

ويسجل لها أنها لم تفقد رأسها الأيديولوجي ، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، حين راحت بعض القوى اليسارية تتخلى عن الماركسية اللينينية ، أو  تبقي على الماركسية فقط  ، وحين راحت بعض الأحزاب اليسارية تغير أسمائها في تكيف بائس مع الليبرالية الجديدة .

ويسجل لها قدرتها على إجراء مراجعات نقدية لمواقفها في مختلف المحطات وعلى مختلف الصعد ، وبهذا الصدد ينتظر أن تجري مراجعة لموقفها حيال التعامل بشروط مع البرنامج المرحلي في مؤتمرها الرابع في مطلع ثمانينات القرن الماضي، ومع المبادرة  السياسية الناجمة عن الدورة (19) للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 ، التي استخدمتها القيادة المتنفذة  في منظمة التحرير لتقديم تنازلات خطيرة ، قادت لاحقاً إلى  توقيع اتفاقيات أوسلو.

لكن الجبهة الشعبية حتى لو لم تجر هذه المراجعة ، فإنها تجاوزتها على أرض الواقع من خلال إعلانها المتكرر بأن حل الدولة والدولتين انتهى إلى غير رجعة ، وأن لا بديل عن التأكيد على استراتيجية  تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.

ويسجل لها موقفها المبدئي الرافض لاتفاقيات أوسلو ومشتقاتها ، وموقفها المتقدم في المقاومة سواء في الضفة الفلسطينية أو في قطاع غزة ، إذ أنها رغم شح الإمكانات لعبت  ولا تزال تلعب دوراً مركزياً في مقاومة الاحتلال في الضفة رغم نهج التنسيق الأمني للسلطة ، ولعبت ولا تزال تلعب  ودورا فاعلا  في المقاومة في قطاع غزة  إلى جانب بقية الفصائل في غرفة العمليات المشتركة ، وقد تبدى ذلك في مواجهتها للعدوان الصهيوني في الأعوام 2008 ، 2012 ، 2014 وفي المواجهة الأخيرة في معركة سيف القدس التاريخية.

وأخيراً : يسجل لها أنها في الذكرى الرابعة والخمسين لانطلاقتها ، التقطت الحلقة المركزية المطلوبة في هذه المرحلة ،  برفعها شعار " نحو جبهة عربية لمقاومة التطبيع والتصفية".