Menu

الفن والنضال

بوابة الهدف الإخبارية

يسود ميل لإحاطة الإنتاج الإبداعي البشري بهالة من القدس ية، تكتسب وزنها من حاجة إنسانية لمساحات الخيال وحفظ الذاكرة وتخيل المستقبل، وتذوق الفن ومتعه، أي اكتساب الإنسانية ما يميزها عن الاستهلاك المادي البحت، حث هذا الجانب ربط كبير بين الفن والإبداع كأداة لمواجهة القهر وهيمنة المنظومة المتزمتة بشقيها الديني والسلطوي والتي حاولت منع التفكير الحر والإبداع الفني كأحد أدواته.

مع ذلك لا يمكن ربط الإبداع الفني دائمًا كمقولة معارضة للتزمت والسلطة والقهر، بل كان في كثير من الأوقات في خدمتها، ولعل هذا الربط التعسفي يخدم سردية عن حقبة محددة من التاريخ الأوروبي، فيما يشير الخط الزمني الأعم والأكثر لحظًا لتاريخ الشعوب بعيدًا عن المركزية الأوروبية، بأن الإنتاج الفني كما إنتاج الأفكار وكل عمليات إفراز البنى الفوقية، بما في ذلك الفنانين والمبدعين ذاتهم، ارتبطت بعلاقات القوة وجملة عمليات الإنتاج وأنماط الهيمنة في المجتمعات داخليًا أو على المستوى العالمي.

قد لا يحب الوسط الفني ومحترفي العديد من المجالات الإبداعية الإنسانية، توصيف هذه الحقول باعتبارها حقول للإنتاج على نحو يشبه إنتاج العديد من السلع، قد تكون المقارنة صعبة نسبيًا إذا ما تجاهلنا القرنين الأخيرين من التاريخ البشري، حيث حدث خلال هذين القرنين ارتباط وثيق بين رأس المال وإنتاج الفن وهيمنة منهاجية تسليعية توفق بين توليد الأرباح واستخدام الفن لحماية قيم ومنظومة صناعة الربح.

هذه ليست مقدمة لتناول فيلم "أميرة" وصناعه، ولكن سياق تاريخي يتصل بالنضال الوطني الفلسطيني، يتم فيه قمع السردية الفلسطينية بواسطة أدوات الهيمنة على المنتوج الإبداعي، هذا يطال صناعة السينما والكتابة والإعلام، وعلى هامشه نتج فرز بين إبداع ومبدعين منحازين للقضية الفلسطينية وآخرين منقادين للمنظومة المعادية يتبنون مقولاتها ويدافعون عنها وعن جرائمها بحق الفلسطيني.

المفارقة في الفيلم كما في سياق إبداعي، تنامى بالسنوات الأخيرة أنه ينتمي لاصطفاف سياسي مستحدث، يدعي انحيازه للحقوق الفلسطينية، لكنه يراهن بالأساس على العمل ضمن الشروط والسقف الغربي حول الحقوق والنضال الفلسطيني.

معسكر سياسي واجتماعي له افرازاته الفنية والإبداعية، يرى في قبول الكيان الصهيوني وتشذيب النضال والرواية والمقولة السياسية الفلسطينية، بما يلاءم المعايير الغربية وتموضعها وفقها، ويشاء أن يسمي هذا التموضع انحياز للحقوق الفلسطينية ودفاعًا عنها وخدمة للنضال الفلسطيني.

إن مقولات أنسنة الضحية، وتشذيب صورتها من بُعدها النضالي وعنفها المشروع ضد المحتل، أو حتى رهاناتها على تحدي القمع وانتصاراتها الصغيرة والكبيرة عليه، تصير لكونها أنسنة للجلاد ومنظومة القمع الاحتلالي، ورهان على انحياز حلفاء المحتل وداعميه لصالح هذه السردية وهذا الاصطفاف السياسي، رهان على تسوية تنبع من بقعة دموع مختلطة للجلاد والضحية في آن، وفي هذا مخاتلة للواقع، وانحياز مبطن ضد الضحية و انضواء في مجال التعنيف الممنهج لها، ضحية تتلقى الضربات والقمع والإذلال والقهر في سكون، لا تستطيع القتال، وتراهن على ندم الجلاد أو دمعته، وتتجاهل تمامًا حقيقة الخيارات الواعية الفردية والجمعية بالانحياز لمنظومة القهر والاستفادة من الموقع بها، بما في ذلك موقع القهر للضحية.

إن حرية الإبداع تبقى مقولة مطلقة، تسعى لتحصين طرح وانحياز من المحاكمة أمام السؤال الحقيقي، حول موضعها من الضحية وعلاقات الصراع، والجريمة، من وقوفها بين الدبابة وقذيفتها وجسد الضحية، والأسير والسجان وجلادي التحقيق، وفي هذا لا موضع للحياد أو الخلط، هذا الاختبار الحقيقي لتحرر الإرادة والمقولة والإنتاج والقيم.