ترسل كوبا المحاصرة ملايين من جرعات اللقاح ضد فيروس كوفيد 19 تبرعًا للعديد من دول العالم، فيما يواصل "العالم الحر" إرسال جرعات الموت على هيئة قاذفات وأساطيل ونيران تصلي أجساد فقراء الأرض، تندفع جرافات أمريكية يقودها مستوطنين صهاينة لتجرف الإنسانية ووجودنا في الضفة المحتلة والنقب، فيما يدفع أمير نفطي دستة جديدة من مليارات الدولارات لتمويل مشاريع تطوير أدوات القتل والتجسس في الكيان الصهيوني، وكل هذه أمور وثيقة الصلة ببعضها على نحو واضح لحد قد يدفع القارئ لعدم إكمال قراءة هذه السطور، لكن لتكن محاولة تذكر جماعي لما يحدث لنا.
إن المحرك الأساسي للصراع في هذا العالم ليس حقد موروث أو فروق ثقافية، أو نزعة إنسانية للتدمير كما تحاول أفلام هوليود تلقيننا، ولكن في حقيقة حسم مجموعة ضيقة من البشر في هذا العالم لخيارهم بعدم قبول العيش كبقيتنا أو حتى السماح لنا بمجرد محاولة العيش الجيد، ذلك ليس رغبة منهم بالتنغيص على البقية، فبالنهاية لسنا في مدرسة ثانوية يهاجم فيها المتنمرون ضعفائها، ولكن بالأساس رغبة في الثروة والسلطة، أي التمتع منفردين بما لا يحق لهم، واحتكار موارد قد تكفي ملايين إن لم يكن مليارات من الناس، والحقيقة أن هذه المجموعة أو الشريحة لا تتألف من أفراد مجانين، ولكن منظومة متضافرة تجيد بناء التحالفات وضبط المنافسات والصراعات فيما بينها، وتجنب المواجهة والاستمرار في تسليط القهر على الضعفاء، أي أغلبيتنا الذين لا يحوزون شيء من موارد القوة والثروة.
يقرر الأمير النفطي تغذية برامج تسليح العدو الصهيوني، فيما يقرر شعب كوبا المحاصر وذو الموارد المحدودة انقاذ أرواح الملايين حول العالم، يكرس الخيار الأول القهر والهيمنة ويأمل صاحبه في حماية ما يحوزه من الموارد والسلطة بواسطة هذا القهر، يتحالف مع لص وجلاد آخر ويستمر في عملية النهب محروسا من الجرافة التي تهدم البيوت في الضفة المحتلة والاسطول الامريكي الذي يرهب شعوب الأرض ويفرض الحصار على كوبا، فيما تقرر الأخيرة الاستثمار في علاقة شعبها مع أغلبية فقراء هذا العالم الذين عجزوا عن الحصول على لقاحات الشركات الغربية التي اختارت الاحتكار وتحقيق الأرباح.
في هذه المعادلة لا يصطف الناس حسب جنسياتهم أو مذاهبهم أو لونهم ولكن بالأساس حول قرار الانحياز للنهب أو التشارك، هناك من اختار أن يسرقك ويسطو عليك مهدد إياك بالسلاح، ومن اختار أن يتشارك معك القليل الذي يمتلكه على أمل أن تبادله ذات المشاركة حين تحوز شي ذي قيمة. المقولة هنا أن الحرب ليس خيار اختاره أطراف الصراع ولكن خيار فرضه طرف واحد يشن الحرب كأداة للسطو المسلح على أغلبية أهل الأرض، ومن يرفض الخضوع لهذا السطو يصبح حسب تعريفات المنظومة الدولية إما إرهابيًا يستحق الملاحقة والقتل تصطاده الطائرات المسيرة، أو يتم اجتياح بلاده وتدميرها وقتل الملايين فيها تحت مسمى "الحرب"، هذه حرب بالتأكيد لكنها سطو مسلح بالأساس، هؤلاء لصوص قتلة فيما من يواجههم ليس أكثر من مقاومة لهذا السطو.
في فلسطين كما اليمن كما كوبا، يواجه الناس محاولات للسرقة والنهب، قد لا تستهدف الثروات المباشرة، لكن ربما الموقع أو حتى مجرد تأديب من فكر بالتمرد ومواجهة السطو، وتثبيت نوع من التأليه للمجرمين واللصوص الذين يحوزون أدوات القتل.
يسرقوننا، يستخدمون موارد السرقة في صناعة أدوات القتل، يقتلوننا ويسرقوننا مجددًا، وسواء فكرنا بالتمرد أو اخترنا الخضوع، فإن برنامجهم المتواصل هو قتلنا بشكل بطيء أو سريع، على نحو استعراضي بحملة عسكرية أو بتصفيات وسجون سرية وحملات اعتقال من كل لون وسرقة لأقوات الفقراء ودفعهم لحدود الجوع وما دونها، و الفارق هنا قد تحدثه المقاومة هو امكانية أن يدفعوا ثمنًا كافيًا لهذه العربدة قد يردعهم عن تكرارها، وربما يسمح بتشكيل بؤرة أمل تتصل بأخرى وأخرى لتخلق شبكة من المقاومة في هذا العالم، وفي حالتنا لتكن شبكة المقاومة هذه عربية متصلة مع كل شعوب المنطقة وقواها التي تختار المواجهة وترفض الاستسلام.