نهاية مارس ٢٠١٩ اعلن الرئيس الامريكي نهاية تنظيم داعش، ومع ذلك ابقى قواته في العراق وسوريا، ولم تنسحب هذه القوات إلا جزئيا من العراق و بتأثير ضغط الفصائل العراقية المناهضة للاحتلال الأمريكي.
خلال اقل من ثلاثة أعوام بات تنظيم داعش ينشط على نحو واضح، معلنا عن عودته بمجموعة من العمليات الارهابية، وآخرها مقتل ١١ جندي عراقي في هجوم وقع بمحافظة ديالى شمال العراق، ضمن مسار طويل تصاعدت فيه هجمات التنظيم، وتضاعفت من بضعة عمليات فردية تنفذها خلايا ميتة تابعة للتنظيم في نقاط نائية، الى هجمات تطال تشمل مدن رئيسية ونقاط عسكرية في معظم مناطق سيطرة التنظيم السابقة.
إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن اغتيال مسؤول تنظيم داعش "أبو ابراهيم القرشي"، يأتي ليذكر بالدور الأمريكي فيما يتعلق بهذا التنظيم، فرغم الحرب المعلنة من قبل الولايات المتحدة ضد التنظيم إلا أن الاتهامات وعلامات الاستفهام المحيطة بهذا الدور و باستثمار الولايات المتحدة لوجود التنظيم وأنشطته.
ورغم ان معظم الجهات الرسمية، والتقديرات الاعلامية والبحثية، تنسب ظهور التنظيم وتوسع نفوذه واستمراره في البقاء، لعوامل عميقة التجذر تتجاوز نظرية المؤامرة، فإنه لا يمكن تجاوز جملة الشواهد حول سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بداعش.
ارتباط في البدايات وأوراق للنهاية: إن النظر في التركيبة المؤسسة للتنظيم سيجد رجالها في معظمهم ممن أمضوا سنوات في سجون الاحتلال الأمريكي، بل ويشير البعض للشريحة المؤسسة للتنظيم بوصفهم "رجال بوكا".
هذا أمر لا يمكن فصله عن تقاطع مع المصلحة الامريكية لسلوك التنظيم وحملات التطهير الطائفي التي شنها و منهاجه التكفيري، فتجنيد "السنة" كوقود لحرب مذهبية ضد خصوم الولايات المتحدة، كان جزء من سياسات الولايات المتحدة وحلفائها لاستنزاف البيئات الداعمة لقوى المقاومة.
كذلك لا يمكن تجاوز الاستثمار الأمريكي في الحروب التي أشعلها تنظيم داعش ودخول الولايات المتحدة عسكريا للعراق بعد ان انسحبت منه مرغمة بغطاء الحرب على التنظيم، واحتلالها مناطق من سوريا واتخاذ قواعد عسكرية بذات الغطاء.
تركت الولايات المتحدة بعد إعلان انتهاء حربها على "داعش" مجموعة من القواعد العسكرية التي تعمل من خلالها على تحقيق أهدافها بفصل العراق عن سوريا من خلال قاعدة التنف العسكرية وغيرها من نقاط احتلالها في كلا البلدين، وسيطرتها على حقول النفط السورية، ومواصلة تشغيل الميليشيات المحلية التابعة لها، واستعادة هيمنتها على الجيش العراقي وتجديد ربط العديد من المكونات العراقية والسورية بها.
ما فاقم المخاوف بشأن نوايا الولايات المتحدة فيما يتعلق بداعش، هو تلك الإجراءات التي لجأت لها الولايات المتحدة في التعامل مع داعش في مرحلة نهاية التنظيم، فلقد سجلت مصادر محلية واخرى امنية قيام الولايات المتحدة بنقل عديد من قيادات التنظيم من الجيوب التي حوصروا فيها لمناطق مجهولة، كما لجأت لاحقا للاحتفاظ بآلاف من معتقلي التنظيم في مخيمات اعتقال سرعان ما باتت خزان لفرار وتسرب مقاتلي داعش، وشهد بعضها عمليات فرار واسعة النطاق ومحاولات من التنظيم لاقتحامها، كان شهر يناير مسرح لأبرزها في شهر يناير من العام الجاري.
هذه المؤشرات ينظر الكثيرون لها باعتبارها مساع من الولايات المتحدة للاحتفاظ بمفاتيح تشغيل التنظيم كورقة للمساومة، و أداة لإشعال القتال والضغط على خصومها، وكذلك ذريعة للاستمرار في الاحتلال العسكري في سوريا والعراق.
خلاصة: ان اعادة تنشيط "داعش"، لا يمكن فصلها عن سياق طويل من الخطوات الأمريكية المتعلقة بالتنظيمات التكفيرية واستثمارها في هذا الجيل منها لسنوات، سبقها محطات تاريخية معروفة دعمت فيها الولايات المتحدة القوى التكفيرية في أفغانستان وغيرها، واستخدمتها في مواجهة أعدائها في مراحل ومناطق عدة. وبعيدا عن الآثار الهائلة للدمار الذي ألحقه التنظيم بالمجتمعات العربية، و استنزافه لموارد العراق وسوريا، او ربط صعود التنظيم في مراحله الأولى برغبة ودور امريكي مساعد، فإن تزامن "استعادة داعش" في الميدان والصورة، مع تصاعد التجاذب بين الولايات المتحدة وعديد من خصومها، وسعيها لاستخدامه كأداة ضغط يشير لرغبة امريكية في استخدام التنظيم كورقة في معادلات هيمنتها على المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر.