Menu

اغتيال منظمة التحرير الفلسطينية مشروع مبرمج

غسان أبو نجم

لم يفاجئنِ كثيرًا قرار رئيس سلطة دايتون اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية إحدى دوائر هذه السلطة، ورغم المخالفة القانونية التي انضوى عليها قرار عباس فوجوده وسلطته أكبر مخالفة قانونية، ولكن حفاظا على هذا الإرث النضالي للشعب الفلسطيني لا يحق تحديد مستقبل منظمة التحرير إلا المجلس الوطني الفلسطيني، القاعدة الشرعية لهذه المنظمة وسلطة دايتون جاءت بقرار من هذه المنظمة، وليس العكس، وهذا العور القانوني الذي شاب القرار، إنما يجب تسجيله للحفاظ على قانونية وشرعية منظمة التحرير وبطلان أي إجراء بحق وجودها وكينونتها.

بعيدًا عن الوضع القانوني للمنظمة رغم أهميته، فإن شرعية هذا الإطار الجبهوي صنعته أيادي مناضلة وحملته أكتاف مقاتلة وحافظت عليه بحدقات العيون وعمد بالدم الفلسطيني في فلسطين ولبنان، وذهب على مذبح بقائه وشرعيته آلاف الشهداء والجرحى والأسرى وهذه الشرعية الثورية التي تحفظ هذا الإرث النضالي ولا تلغيه مواد قانون سلطة دايتون لذا اقتضى التنويه.

ما أقدمت عليه سلطة دايتون هو أحد أهم الاستحقاقات التي فرضت عليها لديمومة بقائها كشريحة ريعية منتفعة من بقاء الاحتلال من جهة، وشطب أي دور للمعارضة من جهة أخرى، حتى وإن كانت هذه المعارضة شكلية ومنتفعة. فالمرحلة القادمة ليس القضاء على أشكال النضال الفلسطيني فقط، بل اغتيال الحلم الفلسطيني في تحقيق الحرية والاستقلال ونفي مبرمج لوحدة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجد،ه مشروع شبيه بالكردنة ليصبح المسمى الفلسطيني ليس شعبا مكتمل الكيان والهوية والثقافة، بل فلسطينيو لبنان وفلسطينيو سوريا و الأردن وأمريكا.. الخ. وهؤلاء خارج الحسابات السياسية لسلطة دايتون التي لا تمثل إلا من يحمل وثيقتها، وبذلك يتحقق النفي لشعبنا كمكون ثقافي وسياسي ويفقد بعد شطب ممثله الشرعي منظمة التحرير مكونه السياسي القانوني.

إن خطورة هذا المشروع يجب أن ينظر إليه بما سيحمله من نتائج كارثية على شعبنا، ليس كصاحب الحق في الأرض فقط، بل في نفيه كشعب له مقومات ثقافية تاريخية، وهذا أحد أهم أهداف الحركة الصهيونية في اغتيال المستقبل الفلسطيني وأحد أهم مقومات برامج التطبيع التي صاغتها قوى الشر العالمي الهادفة إلى تصفية فلسطين كقضية طالما أنها لم تستطع إنهائها ديموغرافيا، بحكم النمو السكاني الهائل للفلسطينيين، والحل لدى هذه الدوائر تفتيت وحدة هذا الشعب وشطب كل الأطر السياسية التي تحافظ على وحدته وعزله ضمن كتل بشرية موزعة على بلدان الشتات وطرح البرامج المناسبة لدمجهم ضمن الدول التي يتواجدون بها، وتصبح فلسطين القضية حلمًا عاطفيًا يتغنى بها في المناسبات وتصبح سلطة دايتون ممثلا لفلسطيني الضفة الغربية الذين سيقبعون تحت نيران الاحتلال والسلطة معا ضمن برنامج تنسيق أمني بينهما.

إن هذا المشروع/الحلم الذي سعت إليه الحركة الصهيونية منذ قيامها، كان يصطدم بحائط المقاومة الوطنية الفلسطينية والبندقية الفلسطينية تحديدًا ووحدة وكفاحية فصائل العمل الوطني، ولكن مع انخفاض منسوب العمل الفعلي على الأرض وضياع البوصلة لدى العديد من الفصائل المنتفعة والاتجاهات المشبوهة لبعضها، والسعي خلف الفئوية والمصلحة والارتباطات الخارجية لبعضها جعلها غير قادرة أو مؤهلة لقيادة هذا الشعب، رغم حالة الاسناد الدولي والعربي لمقاومته ومعركة سيف القدس أسطع دليل لهذا الاسناد، ولكن لم يتم استثمار هذه المعركة لصالح شعبنا وعكس قادة هذه الفصائل وجوههم نحو سلطة دايتون لاستجداء الوحدة الوطنية معها للحفاظ على مكتسبات مالية وتنظيمية. فالخطورة تكمن ليس فقط في حجم المؤامرة على قضيتنا وكينونة شعبنا، بل في الانبطاح والترهل النضالي الذي تتسم به فصائل العمل الوطني بعد أن حسمت القيادة المتنفذة موقفها لصالح الاحتلال ونفذت أهم متطلباته في شطب منظمة التحرير الفلسطينية التي سعى الاحتلال وحلفائه عشرات السنين لتحقيقه.

لقد آن الأوان لتشكيل أوسع جبهة وطنية من كافة مؤسسات العمل الوطني والفصائل المناهضة لأوسلو وسلطته والشخصيات والرموز الوطنية لإسقاط مشروع التصفية القادم حتى لا نفقد هويتنا السياسية والثقافية بعد أن فقدنا الأرض.