Menu

الحرب الدائرة في أوكرانيا... الموقف منها والرد على المغالطات

طارق أبو بسام

بداية وقبل الدخول مباشرة في مناقشة بعض التعليقات والمواقف التي صدرت من بعض القوى والشخصيات، وتم التعبير عنها من خلال بعض البيانات، لا بد من التأكيد على مجموعة من النقاط المبدئية والحقائق حتى لا نقع في القراءة المغلوطة، ونصبح من المروجين للدعاية الكاذبة وخاضعين للإعلام الرخيص والمنحاز مسبقا.

أولاً. الموقف من الحرب: الحرب مرفوضة، ولا يمكن الدفاع عنها، ولا يوجد عاقل وإنسان شريف على سطح الكرة الأرضية يقبل بها، لما تلحقه من خراب ودمار وضحايا.

ثانياً. الموقف من الاحتلال: الاحتلال مرفوض ومدان من أي جهة كان، وكفلسطيني ترزح بلده تحت الاحتلال الاستيطاني لا يمكن أن أكون مع احتلال دولة لدولة أخرى.

ثالثاً. حرية الرأي والرأي الآخر: علينا أن نحترم الرأي والرأي الآخر، مهما كانت درجة الخلاف، وأقصد هنا ضرورة أن لا نحصر رؤيتنا لما يجري بالعملية العسكرية الروسية الحالية، بل يجب أن نرى كيف أن هذه الحرب ضمن سياق أكبر وأعمق وأقدم، وأن نفهم أن ما يجري في أوكرانيا هو حرب دفاعية تخوضها روسيا دفاعا عن أمنها ووجودها، وأجبرت على خوضها بعد أن أغلقت أمامها كافة طرق التسوية السياسية، وبعد أن صبرت طويلا وقدمت العديد من المبادرات رُفضت جميعها من قبل الولايات المتحدة وحلف الأطلسي. المبادرات والحلول السياسية التي عملت روسيا عليها منذ عام 2014، ولعبت دورا في الوصول إلى اتفاقيات منسك، إلا أن السلطة في أوكرانيا مدفوعة بنزعة النازية الجديدة وأحلام عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وتشجيع من الولايات المتحدة والغرب رفضت كافة جهود التسوية واستمرت في محاربة شعب الدونباس وقتلت وشردت الآلاف منهم، تحت عيون وسماع الغرب الذي لم يحرك ساكنا دفاعا عن هؤلاء، وكأنهم ليسوا بشرا، في وقت احتشد الغرب المنافق دفاعا عن أوكرانيا. وعلينا قبل أن نحدد الموقف منها بأن نطرح على أنفسنا مجموعة من الأسئلة نجيب عليها بموضوعية، وشفافية كاملة.

والسؤال المشروع والمحق: ماذا كان على روسيا أن تفعل وهي ترى التهديد  يحيط بها  والمواطنين الروس في الدونباس يقتلون في كل يوم؟

إنه حق لروسيا وواجب عليها أن تحمي حدودها وتدافع عن مواطنيها، وهنا نسأل الغرب والرأي العام الغربي: هل يوجد هناك قتل حلال وقتل غير حلال، شعب له حقوق وشعب آخر لا حقوق له؟ ونتساءل لماذا التمييز والكيل بمكيالين؟ أين هي العدالة وحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات والمساوة ومناهضة الاحتلال؟

إن أسبوع واحد كان كافيا لتجنيد كافة امكانيات الغرب لمحاربة روسيا والتصدي لها، أما فلسطين شعب اقتلع من أرضه وجيء بالمستوطنين من كافة أنحاء العالم، ورغم كل ما تقوم به دولة الكيان من ممارسات قمعية فاقت ممارسات النازية منذ ٧٤ عاما وشعبنا مشرد في الخيام، ماذا فعل له الغرب؟

نعم إنه عهر ونفاق الغرب، إنها ازدواجية المعايير، المعايير التي تقوم على لون الشعر والعيون ولون البشرة... هكذا يقسمون العالم ويحددون مواقفهم. ويكفي أن ننظر سريعا على كيفية التعامل مع المهاجرين الأوكران والمهاجرين من اليمن وسوريا والعراق وأفغانستان، ولا يخجلوا من القول صراحة وعلنا أن الأوكرانين يشبهوننا، وليسوا مثل بقية اللاجئين الذين لا نعرف أصلهم وماهيتهم... ثم وهذا ما يجب أن يهمنا أكثر شيء كفلسطينيين، أين هي الإنسانية؟ وكيف يمكن أن نساوي بين ما حصل في فلسطين مع ما يحصل في أوكرانيا؟ أليس هذا إجحافا من قبلكم؟ أين هي المساواة والعدالة وحقوق الإنسان؟

للأسف، إن من سيدفع ثمن هذه الحرب هو الشعب الأوكراني أولا وأوروبا ثانيا، أمريكا والناتو لا يريدون الذهاب لمقاتلة الروس، لماذا إذن تدفعون أوكرانيا لحرب مدمرة من كل النواحي؟

لقد دخلت أوروبا والعالم في أزمة اقتصادية حادة، ستكون أشمل وأوسع من أزمة عام ٢٠٠٨ أليست أمريكا والناتو هم المسؤولين عن ذلك؟

والآن وبعد عرض هذه الحقائق والعناوين العريضة، أود أن أناقش بعض تفاصيل البيان الصادر عن (الملتقى الفلسطيني)، والذي وصلني من أحد الأخوة من أجل التوقيع عليه، هذا البيان الذي يدين الغزو الروسي ويعتبره مساويا لاحتلال دولة الكيان لفلسطين وحروب الولايات المتحدة المدمرة في المنطقة، والسؤال لكم هنا مرة أخرى، هل يمكن مقارنة ما جرى في فلسطين وحرب الاقتلاع والاستيلاء على الأرض والذي خطط له منذ عشرات السنين مدعوما من دول الغرب بما يجري في أوكرانيا؟ لا شك أن الفارق شاسع وكبير وقد وقعتم في خطيئة المقارنة والتقييم الخاطئين، ومن لا يرى الفرق الكبير أقول أنه بعيد عن السياسة وفهم دهاليزها، مع افتراض حسن النوايا، وأن هذا نتيجة قراءة خاطئة، وردت في بيانكم عبارات من نوع الحرية والكرامة والعدالة والمساواة واحتلال مقبول وآخر غير مقبول.. الخ. أقول لكم أن الاحتلال مرفوض كنت قد أشرت سابقا، لذلك لا يوجد احتلال حرام واحتلال حلال، وعندما نتحدث عن دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، نسأل أنفسنا: هل هو احتلال دائم أم مرتبط بمجموعة من الأسباب حددتها روسيا يزول بزوالها؟ وهل تجوز المقارنة هنا مع الاحتلال "الإسرائيلي"؟

اسمحوا لي، فلقد أخطأتم يا أخوة ويا رفاق، وما ورد في بيانكم حول مقارنة ما جرى في أوكرانيا بالوضع الفلسطيني، هل هي مقارنة عادلة وصحيحة أم تعبر عن سذاجة سياسية، إن لم يكن لها أهداف معينة؟!

وهنا لا بد من طرح مزيد من الأسئلة: هل تم اقتلاع الشعب الأوكراني من أرضه وتهجيره بالقوة؟ هل قامت روسيا بأي من ممارسات الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين؟ هل هبت دول العالم لمساعدة الشعب الفلسطيني أم تآمرت عليه وساندت دولة العدو؟ ألم تقف سلطات أوكرانيا ضد الشعب الفلسطيني وصوتت ضده في مجلس الأمن ووافقت على صفقة القرن (وهنا لا أريد أن أحمل الشعب الأوكراني مسؤولية قرارات حكومته)؟ والسؤال مجددا، هل مقارنتكم صحيحة وعادلة؟!! بالطبع الجواب لا.

يقول بيانكم في إحدى فقراته "ها نحن أمام مأساة أخرى، فثمة أكثر من مليوني لاجئ أوكراني أخرجوا من بلدهم تاركين بيوتهم... تحت النيران تماما كما حصل مع شعبنا في ١٩٤٨، مع فارق أن القوى الكبرى في حينها تواطأت على التنكر للشعب الفلسطيني ومناصرة إسرائيل".

وهنا يهمني أن أكرر وللمرة الألف، أنني بلا شك أتعاطف وأتضامن مع ضحايا الحرب ومع اللاجئين، ولكن يجب أن نطرح الأسئلة بموضوعية ووضع الأصبع على الحقائق كاملة، والسؤال هنا، ألا تتحمل القيادة الأوكرانية ومن حرضها ودفعها لأخذ مواقف تستفز الجار وتهدد أمنه؟ ألا يتحمل هؤلاء جزء كبير من مسؤولية ما جرى ويجري...؟

 أما القول كما حصل تماما مع شعبنا، فهذا ولعمري لأمر جلل وغير مفهوم، إذا افترضنا حسن النوايا، يبدو للأسف وأنتم تعقدون هذه المقارنة لم تقرأوا تاريخ شعبكم وما حل به وتجهلون هذا التاريخ، أو تعرفون كل ذلك، ولكن لكم غايات وأهداف أخرى!! أمعقول أن يقارن أي انسان يتحلى بقدر بسيط من الموضوعية، فما بالك بفلسطيني، بين أبشع هجمة استيطانية احلالية، قائمة على خرافات وأساطير لاهوتية، وبين عملية عسكرية محدودة لا تهدف لا لاستيطان ولا لاحتلال؟ ألا ترون أنكم بهذا إنما تجملون وتحرفون صورة الاحتلال الاستيطاني الاحلالي، ليصبح في نظركم عبارة عن حرب عسكرية بغض النظر عن حجمها بين أطراف جيران يمكن تجاوزها وحلها...؟ كيف تقبلوا لأنفسكم أن تقوموا بدور أفيخاي درعي...؟

أما القوى الكبرى في العالم حينها لم تتنكر فقط للشعب الفلسطيني، بل ساندت ودعمت بالمال والسلاح العصابات الصهيونية، مقابل محاربة الشعب الفلسطيني بكل امكانياتها، وليس فقط التنكر لحقوقه، أي أنها في الواقع من أقام هذا الكيان السرطاني، وهنا نقع مجددا في مقارنات خاطئة.

أما قولكم "أن ملتقى فلسطين يعبر عن إدانة العدوان والاحتلال الروسي الذي استهدف أوكرانيا وشعبها، يدعو لبذل الجهود لوضع حد لهذه المحنة بوقف الحرب وايجاد تسوية عادلة تؤدي إلى إنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين إلى وطنهم وبيوتهم من جهة، وتضمن لكل الأطراف مصالحها وتهدئة مخاوفها".

وهنا نسألكم من تسبب بهذه الحرب وما نتج عنها، من دمار وتشريد أليست أمريكا وزيلنسكي ومن معه؟ وعندما تقولون تسوية عادلة...الخ، من المسؤول عن إضاعة الفرص أمام هذه التسوية التي تضمن مصالح الجميع؟ ومن هو الذي أراد أن يقيم مصالحه على حساب مصالح الآخرين وأراد أن يكون أمنه على حساب أمن الآخرين أنهم معروفون ويتحملون المسؤولية الكاملة عما حصل؟

وفي خاتمة البيان تقولون "يفيد أن نتذكر أن حجة روسيا للتدخل العسكري في سوريا ضد شعبها لصالح النظام، كانت الحفاظ على وحدة سوريا وسيادة أراضيها في حجتها في أوكرانيا لشن الحرب عكس ذلك، أي لضرب السيادة وتمزيق الأرض وتنكر البعض لمأساة سوريا وشعبها التي ساهمت بها روسيا".

وهنا من واجبنا أن نتذكر أن روسيا ساهمت مساهمة كبيرة في حماية الدولة السورية ومؤسساتها، ولعبت دورا كبيرا في تحرير أراضيها من جبهة النصرة والدواعش وحمت الدولة من التفكك والسقوط. وجميعنا يعلم أن سوريا تعرضت لحرب كونية ضدها شارك فيها أكثر من ٨٠ دولة وكان للتدخل الروسي ولبقية الحلفاء دورا حاسما في صمود الدولة، أما القول أن روسيا ساهمت في مأساة الشعب السوري، هذا مردود عليكم، ولولا تدخل القوات الروسية التي قدمت الدم والتضحيات في سوريا لكانت العصابات الإرهابية تصول وتجول وتقتل وتذبح وتقطع الأجساد وتأكل الاكباد. ونسأل من وقع هذا البيان قد يكون لكم رأيكم في النظام السوري، ولكن ليس من حقكم تشويه الحقائق والتي باتت معروفة للقاصي والداني، خاصة بعد الاعترافات العلنية لكثير من المسؤولين الغربيين والعرب، وكيف كان لهم الدور الأساسي والرئيس في خلق ودعم وقيادة فصائل الارهاب العالمي، بالمسميات المختلفة، في سوريا.

ومن المعيب أن تتخذوا هذا الموقف من نظام وقف وما زال مع فلسطين ورفض الخضوع للهيمنة الأمريكية رغم كل الضغوط، وقد يتنطح البعض للقول، ولكن هذا يجب أن ينسينا أن هذا النظام ديكتاتوري لا ديمقراطي.. الخ، وهنا الرد أبسط ما يكون، وهل من يقود ما تسمونه أنتم "الثورة والمعارضة"، أبطال حرية وديمقراطية؟ هل من يخضع لأوامر قادمة من شبه الجزيرة العربية، كيانات الغاز والكاز يريد للشعب السوري الديمقراطية والحرية...؟ ألا تشعرون أنكم بمواقفكم هذه تضعون أنفسكم في صف المعسكر المضاد لمحور المقاومة... الرافض للتطبيع وتصطفون إلى جانب القوى المعادية أمريكا و "إسرائيل" بوعي وبدون وعي بقصد وبدون قصد؟ فإذا كنتم تريدون ذلك، فهذا شأنكم.. لكن لا تدنسوا اسم فلسطين ببيانات من هذا النوع مدفوعة الثمن. وهل سألتم أنفسكم من تخدمون بمثل هذه المواقف؟

في الختام.. إن شعبنا الفلسطيني بريء من كل هذه المواقف التي تسيء له ولتاريخه النضالي وتقدم خدمة لمعسكر الأعداء، فلقد أخطأتم بهذه المواقف التي تصل إلى حد الخطيئة، وأعود للتأكيد على رفضنا للحروب ودفاعنا عن حقوق وحرية الشعوب.. فلا تقتلوا الحقيقة ولا تظلموا الموقف الصحيح، وأن من يحاكم الموقف أولا وأخيرا هو الشعب، وأنتم لا تدعمون الشعب في أوكرانيا وإنما تقفون ضد روسيا وضد سوريا، وتعلنوها صراحة أنكم مع أمريكا وإسرائيل والنازية الجديدة في أوكرانيا، تحت شعارات براقة من نوع العدالة والمساوة وحقوق الإنسان، وأقول لكم لا عدالة ولا مساواة في هذا العالم حتى يستعيد الشعب الفلسطيني وطنه وأرضه كاملة، ولا حرية وحقوق إنسان والشعب اليمني يقصف بالطائرات، ولا يجوز أبدا مقارنة المُعتدي بالمعتدَى عليه، وهي مقارنة مشبوهة من قبلكم لها أهدافها وتستحق الإدانة.