Menu

في انتظار الدور الروسي الفاعل مع نضال الشعب الفلسطيني

محمّد جبر الريفي

لا بد الآن من خلال متغيرات الحرب الروسية الأوكرانية التي كشفت عن ظهور روسيا كدولة عظمى قوية، أرهبت الولايات المتحدة الأمريكية التي توصف عادة في السياسة الدولية بأنها القطب الاوحد ودول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، أرهبتهم جميعا، بما تمتلك من مقدرة عسكرية هجومية على المواجهة المباشرة على الأرض الأوكرانية، مكتفية هذه الأطراف الثلاثة بتقديم المساعدة العسكرية من بعيد، إضافة إلى فرض العقوبات المالية والاقتصادية التي لم تؤثر في قيمة الروبل الروسي في الأسواق المالية، وهذا في حد ذاته من المتغيرات السياسية الهامة غير المسبوقة التي تجعل من الدور السياسي الروسي في المستقبل، مطلبا مشروعا، للوقوف مع الدول الوطنية والتقدمية ومع الثورات الوطنية وحركات التحرر، خاصة بأن يكون هذا الدور السياسي في منطقة الشرق الأوسط، دورا فاعلا مع نضال شعبنا الفلسطيني العادل لحمايته من البطش الإجرامي الصهيوني ولمواجهة انحياز الولايات المتحدة الأمريكية الكامل. روسيا الاتحادية تبرز الآن في خضم الحرب الروسية الأوكرانية كالدولة الاعظم بكل المقاييس السياسية والعسكرية، وهي وريث الاتحاد السوفييتي السابق في معارضتها لسياسات النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، وهي تقف بقوة مع النظام السياسي السوري الوطني، وذلك دفاعا عن وحدة سورية، من خطر مخطط التجزئة السياسية الطائفية والعرقية، وفي مواجهة المعارضة السورية اليمينية والإرهابية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بعض دول الخليج العربي.. ولولا هذا الدعم الروسي الفاعل على كل المستويات لأصبحت سوريا، جزءا ضمن المعسكر العربي الذي يوصف بالاعتدال والذي يتخذ تباعا خطوات تطبيعية مع الكيان الصهيوني. لقد حان الوقت بسبب ما يجري من متغيرات نوعية في الساحة الدولية، لتأخذ روسيا التي عادت بقوة بعد غياب طويل، بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وزوال المعسكر الاشتراكي واختفاء حلف وارسو، حان الوقت لتأخذ موسكو بقيادة بوتين دورها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما هو الحال الآن في الأزمة السورية، وفي الحالة الأوكرانية المتفجرة، وذلك بهدف كسر التفرد الأمريكي الإمبريالي الذي طال أمد احتكاره لمساعي التسوية، حيث وصل أخيرا هذا التفرد في عهد الرئيس السابق ترامب إلى حد شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وكذلك في قضية القدس واعتبارها عاصمة موحدة للكيان، وكان ذلك من نتائج استمرار مراهنة العقلية السياسية العربية علي الدور السياسي الأمريكي، وكانت هذه المراهنة قد بدأت بشكل ملحوظ بعد حرب أكتوبر عام 73 وما أعقب ذلك من مسعى سياسي ودبلوماسي نشط من قبل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الشهير كيسنجر، صاحب نظرية الخطوة خطوة، والتي تكللت بعقد اتفاقية كامب ديفيد التي اعترفت من خلالها أول دولة عربية بالكيان الصهيوني، وشكل ذلك أول انتصار استراتيجي للمشروع الصهيوني وللسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لأنها فتحت الباب لتحول الموقف العربي جذريا من مسألة شرعية الكيان الذي أقيم كجزء من مخطط استعماري في المنطقة. الآن رغم الأهمية الدائمة التي توليها روسيا للتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، إلا أن هذه الأهمية يجب أن تتسم بموقف أخلاقي، من دولة عظمى لها مسؤولياتها الدولية، بعيدا عن سياسة التوازن المعتمدة في السياسة الروسية اتجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فالمطلوب منها تطوير موقفها السياسي، من أجل الوصول إلى حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في الدولة والعودة وتقرير المصير. وربما العامل الذي كان من شأنه عدم تطوير هذا الموقف من جانب روسيا لصالح الجانب الفلسطيني هو ضعف قوى اليسار الفلسطيني بشكل عام، مما جعل الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة تميل بشكل دائم للحلول السلمية التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية، وبتوافق أيضا مع سعي قوى الاعتدال العربية. السؤال هو: هل تبقى روسيا في ظل المتغيرات غير المسبوقة التي تكشف عنها الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة الآن، بأنها القطب الاعظم في المعادلة الدولية، أسيرة لموقف التوازن بين طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ أم تنغمس في هذا الصراع مع الحل السياسي العادل الذي يلبي مطالب الشعب الفلسطيني الوطنية، وذلك كترجمة واقعية لانتهاء الهيمنة الأمريكية الإمبريالية في الأزمات السياسية الدولية؟