Menu

رسائل بين البارود

سالم بوحجر*


مثل التدخل الروسي في الحرب السورية نقطة تحول مهمة في مسار الاحداث و ذهب البعض الى حد اعتباره إيذان ببدء مرحلة جديدة ستحمل في ختامها الحل النهائي للأزمة.

 في الواقع التواجد الروسي المعلن عنه قبل بدء الحملة يوم 30 سبتمبر/أيلول 2015 لم يتعدى 30 طائرة متخصصة في مهمات القصف و الدعم الأرضي و 4 طائرات مقاتلة و عشرات المروحيات للدعم الأرضي و الإدامة و الدعم و قوة أرضية صغيرة لحماية قاعدة حميميم مركز العمليات.أعداد في قراءة أولى لا توحي انه سيكون لها تأثير كبير على مسرح العمليات السوري بجبهاته المعقدة و المتعددة و الملتهبة لكن معطيات و مستجدات اخرى دخلت على الخط.

أولا , المتتبع للحملة الروسية يلاحظ أن الغارات و العمليات الجوية مكثفة و ذات نسق عالي حيث تصاعدت في غضون الأسبوع الأول للحملة من 20 طلعة قتالية الى ما يقارب 60 طلعة يوميا و ظلت تقريبا تحافظ على هذا المستوى من الفعل منذ منتصف شهر اكتوبر . ثانيا, استهدفت الحملة العسكرية الروسية معظم الفصائل التكفيرية المسلحة حتى تلك الموصوفة في التقييمات و الأدبيات الغربية بأنها "معارضة معتدلة" وهو ماجعل هذه التنظيمات تقلص إلى حد كبير من استعمالها للمواكب الطويلة و الاليات المدرعة و الثقيلة .

 

من النقاط التي شدت انتباه الكثيرين أيضا هو نوع المقذوفات و الإمكانيات الي أصرت روسيا على استعراضها , ففي عملية إطلاق الصواريخ الجوالة من أسطول بحر قزوين الروسي عبرت هذه الصواريخ إيران ثم العراق لتستهدف مواقع للتنظيمات المسلحة في الشمال السوري.وكانت هناك عمليات مشابهة للقاذفات الإستراتيجية الروسية بأنواع أخرى من الصواريخ الجوالة المتطورة أيضا , والمعروف أن هذه الأنواع من المنظومات التسليحية تستخدم عادة ضد خصم يمتلك قوة جوية قادرة على صد أي اختراق ونظام دفاع   لأنها ,الصواريخ الجوالة , تطير على مسافة قريبة جدا من الأرض و توجه عن طريق الأقمار الصناعية .IADS   جوي مندمج

هذا مع العلم أن المجموعات المسلحة التكفيرية رغم محاولات تركيا و دول الخليج تمكينها من أسلحة مضادة للطائرات لم تشكل في أي مرحلة من المراحل تهديد حقيقي لأسلحة الجو العاملة ضدها .وأصرت روسيا أيضا على تصوير و نشر عملية إطلاق طائرة من طراز سوخوي 34 لطراز جديد من القنابل الذكية الموجهة بنظام الأقمار الصناعية الروسي المسمى (غلوناس) على أحد الأهداف في محافظة دير الزور . وفي الليلة الفاصلة بين 19 و 20 نوفمبر 2015 أقلعت قاذفة توبوليف-160 وهي من صنف القاذفات الإستراتيجية الثقيلة من قاعدة جوية بشبه جزيرة الكولا أقصى شمال غربي روسيا لتعبر الأجواء الدولية بجانب النروج ثم بريطانيا لتدخل بعدها للمحيط الأطلسي ثم تستدير و تدخل جبل طارق و تعبر البحر المتوسط لتطلق صواريخ جوالة حديثة و شبحية من طراز (كي اش-101) بالقرب من الشواطئ السورية , يعني قامت القاذفة بجولة دائرية على كل القارة الأروبية و أجواء محاذية لدول الناتو لتدخل للبحر المتوسط و تنفذ مهمتها.

كل ماسبق و غيره الكثير كان هدفه توجيه رسالة روسية قوية لدول حلف شمال الأطلسي بأن القوة العسكرية الروسية بدأت تتعافى من تبعات إنهيار الإتحاد السوفياتي التي أثرت كثيرا عليها.ثانيا بأن خطة التسلح الروسي 2011-2020 تسير على قدم و ساق رغم كل الإنتقادات   و التقارير الغربية التي أكدت أن الروس لن يستطيعوا تمويل و إدامة هذا البرنامج.ثالثا أن الصناعة العسكرية الروسية تخلصت من تخلفها في مجالات الأسلحة الذكية و أنظمة التوجيه الحديثة ..

رسائل توجه في أتون معارك الإقليم الملتهبة تمثل زاوية من زوايا الحدث المتعددة يغلب عليها و يتصدرها نضال شعوب المنطقة المستمر و المكلف للحفاظ على وجودها و على كياناتها في مواجهة مجاميع الظلام و الهمجية و أفكار القرون الوسطى و الإنحدار الحضاري.       

*كاتب تونسي