Menu

حول التحريض وسياسة الاغتيالات لمواجهة هبة الفلسطينيين

مصطفى ابراهيم

عملية التحريض المستمرة ضد الفلسطينيين والمقاومة وقادتها التي يقوم بها الإعلام الإسرائيلي هي هروب من الإخفاق والفشل السياسي والأمني، وتعالي الأصوات بالرد على العمليات الفدائية وهبة الفلسطينيين الجديدة، ومحاولة التحريض الإسرائيلي باغتيال رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، فالتحريض مستمر ويقوده غالبية كبيرة من الصحافيين الإسرائيليين، وهو تجسيد للفشل في عملية "العاد" مساء أول أمس الخميس، وهي امتداد للعمليات الفردية التي توجع الاحتلال، وتثبت أن المقاومة الفلسطينية مستمرة بكافة أشكالها، ورد على الاحتلال وجرائمه في الأراضي المحتلة.

عملية الاغتيال هي قرار سياسي في ظروف موضوعية معينة، وهذا ما تحدث عنه بعض المعلقين والصحافيين الإسرائيليين، وأنه من أجل اغتيال رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار يجب أن يتخذ قرار بشن الحرب واختيار توقيتها، ويبقى التمسك فقط بخطة عملياتية وتفكير استراتيجي للعملية، وغزة في اليوم التالي. واستحضر بعضهم عملية اغتيال أحمد الجعبري واندلاع الحرب التي استمرت أسبوع بعد أن توقعت القيادة الإسرائيلية ستكون ردود محدودة تستمر لمدة 24 ساعة.

في المقابل يدور حديث حول امكانية قيام إسرائيل بشن عملية عسكرية ضد قطاع غزة، وأعتقد أن هذا مستبعد، لكن الواضح أن الهدف هو ليس شن عملية عسكرية، بقدر ما هو إعادة الاعتبار لسياسة الاغتيالات، وحتى لو أعادت إسرائيل العمل بسياسة الاغتيالات لا أحد يعرف أين ستتجه الأمور، وهذا يضع علامة استفهام حول قدرة الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينيت الضعيفة والمهتزة، وامكانية انهيارها قائم في كل لحظة، وبعض المراقبين يمنحونها مهلة حتى نهاية الشهر، وقد تصمد لآخر العام الجاري.

وفي ظل هذه العمليات الكبيرة التي أصابت المجتمع الإسرائيلي الذي يعاني من أزمة كبيرة وفقد الأمن والاستقرار، والتقديرات الإسرائيلية تقول أنها سوف تستمر حتي نهاية العام الجاري على غرار هبة السكاكين في العام 2015، 2016، هذه العمليات غير المتوقعة ولم يتم مواجهاتها أمنيًا وهزت المنظومة السياسية والأمنية، والأخطر أنها هزت أركان المجتمع، وقد تكون هناك محاولة من خلال سلك الطريق الذي يمر عبر تجديد سياسة الاغتيالات.

تحاول وسائل الإعلام الإسرائيلية من خلال حملة التحريض الممنهجة حث المنظومة السياسية والأمنية الإسرائيلية، على اتخاذ قرارات دراماتيكية ضد قطاع غزة، ويبدو أنها تبحث عن سبل للتغطية على عجزها وجرائمها واخفاقاتها بعدم منع العمليات الفردية خاصة عملية "العاد"، والهروب من الفشل فهي تصب جام غضبها بالتحريض ضد السنوار، مع أن عمليات الطعن قديمة، وهي لا تريد التفكير للحظة سوى بالانتقام وتحميل طرف آخر المسؤولية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية العامة الناطقة بالعربية نقلا عن مصادر سياسية وأمنية إسرائيلية، أن إسرائيل تعتبر زعيم حركة حماس في القطاع يحيى السنوار مدبرًا لما وصفتها بـ "أعمال إرهابية ومحرضًا على الإرهاب"، وتعتبر نفسها حرة للعمل في القطاع لكبح جماح "الإرهاب"، وأن الكلمة التي ألقاها السنوار مؤخرًا برهنت أنه من أكبر المحرضين على "الإرهاب". مع أن أكثر من مسؤول أمني إسرائيلي، أكدوا أن من يعتقدوا أن اغتيال السنوار سينهي موجة الهجمات فهو مخطئ، وأن إسرائيل في وضع مشابه لانتفاضة السكاكين لكن أكثر فتكاً، وأن العمليات سوف تستمر خلال الفترة المقبلة.

كما أنه لم تظهر أي معلومات واضحة حول المنفذين، وفيما إذا هم نشطاء في حماس أو تنظيم آخر، كما حدث في الهجمات الأخيرة من الموجة الحالية، وأنه لا توجد صلة بين دعوة رئيس حركة حماس في القطاع لتنفيذ هجمات وبين الهجوم لأنه قبل دعوته كانت هناك هجمات مماثلة.

[رت العادة منذ سنوات ودورات العدوان المتتالية ضد قطاع غزة الأخذ بالاعتبار لاستعادة هيبة الردع عند الجيش الإسرائيلي سببا ممكنا لعدوان مقبل ضد غزة، وهذا وارد طبعا، ولكنه ليس تبريرا كافيا لشن الحرب لا أمام العالم، ولا أمام المجتمع الإسرائيلي الذي يريد ردود ثأرية انتقامية سريعة. قد تحتاج الحكومة الإسرائيلية لإيجاد سبب لشن عدوان، لكي تبرر استخدامه لاستعادة الردع، لكن من الواضح أنها لا تستطع القيام بذلك في ظل حالة الضعف والهشاشة التي تعيشها.

ومع إقرار المنظومة السياسية والأمنية بالإخفاقات الأمنية والاستخباراتية لمواجهة العمليات الفردية، ولاحتواء هذه الهبة ووقف العمليات الفدائية بتغيير الوضع الآن، ورغم الصعوبات الاستخباراتية، كما ذكر بينيت الذي أضاف مخاطبا الأجهزة الأمنية "لا عراقيل أمام الضرب بالقوة قدر الإمكان". فحكومة بينيت ستعمل بكل قوة من أجل احتواء الهبة الفلسطينية الجديدة، من خلال القمع والقتل، لكن ستظل يداه مكبلة أمام غزة والاستمرار في التنكر للحقوق الفلسطينية والاستمرار في تقديم التسهيلات في الضفة والقطاع الذي قد تتخذ قرار بتخفيض عدد العمال منه..

وعلى ضوء هذه الهبة والتطورات يظل الأهم، نحن بحاجة إلى موقف، والتأكيد على الثوابت الأساسية، وهي عدم قدرة أي قوة على تهميش ومحاولة طمس القضية الفلسطينية، وأن هذه العمليات سوف تستمر وهذا أيضا بناء على التقديرات الإسرائيلية، وأن هذه الهبة توجه رسائل مهمة لدولة الاحتلال وأيضا للفلسطينيين أنفسهم، خاصة القيادة الفلسطينية والفصائل، بضرورة فهم ما يجري، وأن الفرصة سانحة لتوحيد الجهود وإنهاء الانقسام والوحدة، وضرورة توقف القيادة الفلسطينية عن مهمتها والاستثمار في إدانة العمليات، بدلا من الاستثمار والاستفادة في ما تحققه وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينية وعدالتها، وعدم انتظار هذه الحكومة العاجزة عن فهم طبيعة الشعب الفلسطيني.. وأن هذه الهبة تأتي في سياق مقاومة الاحتلال، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، خاصة في هذه الظروف الداخلية والإقليمية والدولية.