Menu

وبدائل حكومية لا تفي بالحدّ الأدنى للسكان

تقريرحيّ الأمريكيّة شمال غزة.. إزالةٌ متوقعة وبيوتٌ مُهدّدة بالهدم والإخلاء

مهند فوزي أبو شمالة

خاص_بوابة الهدف الإخبارية

حيّ الأمريكيّة، حيٌ فلسطينيٌّ ناءٍ، في أقصى شمال قطاع غزّة، بات سكّانه يعيشون خطر والإخلاء والعيش في العراء، فضلاً عن مواجهتهم مصيرٍ مجهولٍ، لعزم سلطة الأراضي التابعة للحكومة في قطاع غزّة بإخلائه.

16 منزلاً، أُخطر سكّانه بالإخلاء حالياً على الأقل، بقرار الإزالة، فضلاً عن عيشهم في ظروفٍ صعبةٍ أصلاً، وعلى بنيةٍ تحتيةٍ سيئة، علاوةً على أنّها منطقة شبه حدودية، وفي منازل لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشّتاء بحسب ما يقول السكّان.

جديرٌ بالذّكر أنّ الإشكالية الخاصة بالمنطقة بدأت عام 2017، حين بدأت الحكومة بمشروع توزيع الأراضي على موظفيها بدلاً من مستحقاتهم المالية الموقوفة لديها، مما أوعز سلطة الأراضي في غزّة لإبلاغ سكّان الحيّ بترحيلهم إلى مناطق مُحاذية للسياج الفاصل شرقاً، علاوةً على دفع السكّان ثمن الأرض الجديدة. وفقاً للمشروع الحكوميّ حينها.

وكان تعداد المنازل في ذلك العام حوالي 250 منزلاً، يقطنها نحو 1500 مواطناً، رفضوا جميعهم وبشكلٍ مطلق هذا المشروع، وتعاطفت معهم جميع القوى الفلسطينية تقريباً والمؤسسات المدنية ذات الاختصاص، إلى أن تمّ إلغاء القرار.

ومرةً أخرى، عادت القضية للواجهة، مع عزم إنشاء المدينة المصرية في تلك المنطقة، وعلى أرض "المدرسة الأمريكية" تحديداً، والتي تمّ قصفها عام 2008، مُفَرِّغةً مساحة تُقدّر بـ40 دونماً، يحيط بها 16 منزلاً شرقاً وغرباً، تمّ إخطار أصحابها مؤخرّاً نية هدمها بُغية تنفيذ مشروع بناء المدينة المصرية.

وقال مسؤول لجنة حيّ الأمريكية كمال الغول، إنّ سلطة الأراضي أبلغت أصحاب المنازل المذكورة بهدمها، مشيراً إلى أنّ هذا القرار يأتي كمرحلةٍ أولى، ومؤكداً عدم خروج الحيّ كاملاً من مخططات سلطة الأراضي لتنفيذ مشروعهم السابق.

وحول المقترح المُقدّم من قبل سلطة الأراضي مؤخرّاً، أوضح الغول في مقابلةٍ مُتلفزةٍ حديثاً أنّه يتلخّص بتعويض 1000 دولار لكلّ عائلة "كبدل إيجار" لفترةٍ مقطوعة مدتها 6 شهور، ثمّ تعويض كلّ صاحب منزلٍ مُقامٍ قبل شهر مايو من عام 2010 بقطعة أرضٍ يدفع ثمنها المواطن بالتقسيط، وعددهم 7 بيوت، وهي التي تتطابق بالشروط المتعلّقة بتاريخ الإنشاء، وبالنسبة للمنازل التي أقيمت بعد التاريخ المذكور وهي 9 منازل، يتسلّم أصحابها مبلغ الـ1000 دولار فقط وهو حرّ التصرف بها سواء إيجار أو ما يريد، وثمّ تُخلى مسؤولية سلطة الأراضي منها.

وبيّن، الغول أنّ المشكلة تبدأ من الـ9 منازل تلك، وصولاً إلى وجود شوارع وطرقٍ ستُهدم بتنفيذ المشروع، ممّا يؤدّي إلى إزالة عددٍ آخر من المنازل التي تتعارض مع المشروع، الأمر الذي يذهب بإلقاء عائلاتٍ أخرى في الشارع، علماً أنّه عام 2017 كان هناك توزيع للأراضي على الموظفين في المنطقة، وكان مقترح السلطة حينها توزيع أراضي على جميع المنازل دون تحديد معيار التاريخ.

ولفت إلى أنّ الحيّ يبعد نحو 2.5 كم عن الحدود الشمالية الشرقية، وبحسب المقترح فإنّ الأراضي تبعد عن الحدود 250 متراً، وهو الأمر الخطير أمنياً.

وفي هذا السياق، قال أحد أصحاب المنازل المُهددة مؤخراً محمد الراعي، إنّهم يعيشون مأساةً حالياً، في ظل عدم سماع المسؤولين في سلطة الأراضي لمقترحاتهم، وإصرارهم على المقترح الحالي الذي ليس مرفوض فقط من قبل السكان، بل ولا يوجد لديهم أيّ قدرةٍ ماديةٍ على تنفيذه، مشيراً إلى أنّ سلطة الأراضي مصحوبةً بقوّةٍ من الشرطة اقتحمت الحيّ وروّعت ساكنيه واعتقلت عدداً منهم حين شرعت بنيّة تنفيذ الإخلاء بداية الشهر الجاري.

وباسم الأهالي، طالب الراعي بأبسط الحقوق، وهي توفير مسكن له حال الإصرار على إخلاء منازلهم، مشيراً إلى أنّ الحكومة تدّعي أنّ الأراضي هي حكومية أصلاً والسكّان معتدون عليها.

وبعد رفض المقترحات التي قدمتها سلطة الأراضي، قالت مسؤولة العلاقات العامة فيها أمل شمالي، إنّ السلطة تعمل وفق قوانين وأنظمة محدّدة لمعالجة العشوائيات، لافتةً إلى أنّ الإشكالية تخصّ 6 منازل فقط وليس 16.

وأوضحت أنّ المنازل الموجودة قبل التاريخ المذكور يمكن معالجته، لكنّ ما تم إنشاؤه بعد التاريخ لا يمكن معالجته وفق قانون معالجة وتنظيم العشوائيات، لكنّ السلطة على تواصل مستمرّ مع مؤسسات حقوق الإنسان وممثلي الفصائل ولجنة السكان، وأصبح هناك توافق مع العائلات المنطبق عليهم الشرط، بإعطاء أرضٍ مساحتها 150 متراً لكل عائلة بالإضافة لبدل إيجار لمدة 6 شهور، بينما المنازل غير المنطبق عليهم الشرط يعطون بدل إيجار فقط.

وأكّدت شمالي أنّ سلطة الأراضي تتعامل مع تعديات على أرضٍ حكومية، وهي غير مقبولة ويتمّ التعامل معها وفق القانون، وبالإشارة إلى المنازل غير المنطبق عليهم النظام يتم تحويلهم للشؤون الاجتماعية، والسلطة ليست ملزمة بحلّهم أو تعويضهم.

وفي ظل الإشكالية القائمة مع سلطة الأراضي، قدّم سكان المنازل شكوةً للهيئة المستقلة في قطاع غزة، قالت الهيئة بشأنها إنّها التقت مع ممثلين عن السكان، مؤكدة على ضرورة معالجة هذا الملف وفق القانون وعدم ترك أحد بلا مأوى والعمل على توفير بدائل للمساكن المهددة بالإزالة.

وأكد ممثلو الهيئة لأهالي الحي الجهود التي تبذلها الهيئة في متابعة هذا الملف مع الجهات ذات العلاقة، ونتائج اللقاء الذي أجرته مؤخراً مع رئيس سلطة الأراضي في قطاع غزة المستشار د. عماد الباز.

وفي هذا السياق، تواصلت "بوابة الهدف" مع المحامي ومنسق التحقيقات في الهيئة المستقلّة بكر التركماني، الذي قال إنّ تحرّك الهيئة كان على عدة مستويات، الأول كان بعد سماع شكوى المواطنين، التقينا رئيس سلطة الأراضي عماد الباز، بما يتعلق بآليات الحلول، وتمكين السكان من حقهم بالإيواء.

وشدد التركماني على ضرورة احترام القانون وحقوق المواطنين، خاصة الفئات المهمشة في معرض التعاطي مع التعديات التي تطال الأراضي الحكومية، وعلى أهمية دراسة أوضاع المتعدين وعدم ترك أيٍّ منهم بلا مأوى، والعمل على تثقيف المواطنين وتوعيتهم بضرورة عدم التعدي.

وحول إمكانية تعاطي سلطة الأراضي مع المقترحات، بيّن التركماني أنّ سلطة الأراضي تتعامل وفق ما نصّ عليه قانون تنظيم ومعالجة العشوائيات، مشيراً إلى أنّ القضية تمّ إحالتها إلى لجنة متابعة العمل الحكومي في غزّة برئاسة عصام الدعاليس.

ونوّه إلى أنّ الهيئة طالبت بعقد اجتماعٍ مع الدعاليس؛ لمناقشة آليات الحلول وتوفير السكن لجميع المواطنين دون استثناء، سواء من وضع يده على الأرض قبل 2010 أو بعد ذلك التاريخ، مع التأكيد على أنّها لن تقف مع التعدي على أملاك الدولة، لكن مع ربط الموضوع إنسانياً وقانونياً، حيث أنّ القانون الأساسي الفلسطيني ينصّ وبشكلٍ واضحٍ على حقّ المواطن بالسّكن.

وأضاف: "إذا كانت وزارة الأشغال تُطبّق نصّ القانون فهذا جيّد، ويجب عليها إضافة لكلّ الوزارات المرتبطة بهذا الخصوص تطبيق نص القانون قبل تنفيذ أجزاءٍ معينةٍ منه".

وختم التركماني لافتاً إلى أنّ الاجتماع مع الدعاليس سيبحث التقريب بين مطالب السكّان ومقترحات الحكومة، للخروج بأفضل حلٍ ممكنٍ في هذه الأزمة؛ لحماية المال العام وأراضي الدولة، بالإضافة لتوفير السكن الملائم للمواطنين.

وحول هذه القضايا وما يرتبط بها بشأن التعديات على الأراضي الحكومية، وما يُقابلها من إجراءاتٍ حكومية، أكّد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي، على عدم جواز التعدي على الأراضي الحكومية من قبل المواطنين أو حتي أيّ جهةٍ إلا وفقاً لما حدّده القانون.

وفي المقابل، أشار عبد العاطي إلى أنّ القانون الأساسي نصّ للمواطنين الحقّ في السكن، كما وطالب الحكومة بالعمل علي توفير السكن الملائم.

وفي منشورٍ على صفحته بـ"الفيسبوك"، أضاف: "وما بين إزالة التعديات علي الأراضي الحكومية وما بين حاجات المواطنين الفقراء مطلوب الأخذ بعين الاعتبار ظروف الفقراء وأصحاب الحاجات المعتدين علي الأراضي الحكومية والتعامل الإنساني والقانوني المجسِّد لروح القانون والالتزامات الحكومية تجاه الفقراء والعاطلين عن العمل ومن لا تتوفر لديهم بدائل والغير مستفيدين من منح الاسكان أو الشقق السكنية".

وفي سياق ذلك، أكّد على أنّه كان الأولي توفير وزارة الإسكان بدائل ملائمة أو أي مأوى لغير القادرين والفقراء وخاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها هؤلاء المواطنين، قبل هدم منازل المواطنين أو الأكشاك السكنية التي يعيشون فيها، وخاصةً في القرية البدوية التي تعتبر منطقة حدودية، أو أيّ مكانٍ آخر.

كما وطالب بدراسة إمكانية منحهم قطع أراضي محددة للعيش فيها، والتأنّي في إنفاذ القانون، وايجاد الخطط والسياسات لمعالجات جادة لمشكلات السكن والفقر والبطالة، عدا عن ضمان تعزيز صمود المواطنين في المناطق الحدودية.

وتابع: "ولكن ماذا يفعل من ليس لديه بديل منهم، ثم هل توفر لدي الحكومة مشروع تطوري للمنطقة التي تم هدم المنازل فيها بحيث يسفيذ منها المواطنون وبالتالي هناك حاجة للإسراع في الإزالة مع توفير البدائل".

وشدد عبد العاطي على أنه لا يعقل أن يتم التعامل مع العائلات وإبقائها دون منازل ودون بدائل، وعلى أنّ هناك واجباً علي الجهات الحكومية يجب أن تتذكره وتعمل بموجبه إلي جوار حماية الحقوق والأراضي الحكومية، ثم إن هناك دوراً علي الحكومة في حسن استثمار الأراضي الحكومية لصالح المواطنين والمجتمع، بما يعني مواكبة الحاجات وتفهم ظروف بعض المناطق والمنازل التي هدمت بسبب الاحتلال والقيام بتسوياتٍ مناسبة مع المواطنين في إطار دعم عملية إعادة الإعمار وتسهيل الإجراءات أمام المواطنين.

ارتباطاً بالحالة التي يعيشها قطاع غزّة، من حصار مفروض منذ ما يزيد عن 16عاماً، وعن وضعٍ اقتصاديٍّ متردٍ أصلاً، يطالب الجميع بنوعٍ من الليونة في تنفيذ القوانين وربطها اجتماعياً بحالة الناس، والبحث عن مقترحاتٍ ترضي جميع الأطراف، دون الحاجة لتنفيذ أخرى، في الوقت الذي يؤكد فيه سكّان المنطقة على تعاطيهم مع أيّ مقترحٍ يرضيهم، بعكس المسؤولين المُتجمّدين حول مقترحٍ قد يذهب بترحيلهم بأيّ شكلٍ من الأشكال.