Menu

بعدَ حجبِ الثقةِ عن حكومةِ

"عمران خان": الولاياتُ المتّحدةُ تعيدُ باكستان إلى خانةِ التبعيّة

عليان عليان

نشر في العدد 37 من مجلة الهدف الرقمية

دخلت باكستانُ منعطفًا خطيرًا في أعقاب حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء "عمران خان" بعد فترةِ حكمٍ دامت ثلاثَ سنواتٍ وستةَ أشهر، تمكّن خلالَها من وضع باكستان على السكّة الصحيحة على الصعيدين؛ الاقتصاديّ والسياسي، مخرجًا بلادَهُ من دائرة التبعيّة العمياء للولايات المتّحدة، التي تعاملت مع باكستان بشكلٍ دونيّ، وليس حليفًا مركزيًّا في منطقة جنوب آسيا، توظّفها كما تشاء في خدمة سياساتها الأمنيّة ومكافحة "الإرهاب" دونما تثمينٍ لهذا الدور على صعيد الدعم الاقتصاديّ أو حتّى الارتقاء بالدعم العسكريّ لها.

لقد تجاوز "عمران خان" الخطوط الحمر الأمريكيّة والغربيّة، ورفض الانصياع لتعليمات السيد الغربيّ بشكلٍ عام، ولتعليمات الإدارة الأمريكيّة وإملاءاتها بشكلٍ خاصّ، وأكّد في مواقفِهِ وتصريحاتِهِ المختلفة، أنّه معنيٌّ بعلاقاتٍ متوازنةٍ مع مختلفِ الدول بما فيها الولايات المتّحدة وروسيا والصين ودول الاتّحاد الأوروبيّ، وَفْقَ سيادة واستقلال باكستان، وأنّ باكستان سيّدةُ نفسها في إبرام الاتفاقيّات الاقتصاديّة مع الدول التي تضمن نموًّا اقتصاديًّا لها، وتحدّ من التضخّم الاقتصاديّ الموروث من عهودٍ سابقة، وهو بمواقفِهِ هذهِ شكّل الطرف النقيض لحزب الرابطة الإسلامي وغيره من الأحزاب، التي قبلت بالدور الذي حدّدته لها الإدارةُ الأمريكيّةُ ووكالةُ الاستخبارات الأمريكيّة ( CIA) ناهيك  أنّه  عمل على  الحدّ من سطوة  قيادة الجيش  التقليديّة على القرار السياسيّ في  البلاد، كما أنّه في التزامه بالبعد السياديّ والاقتصاديّ لباكستان، وببعد رفض التبعيّة، تماهى إلى حدٍّ كبيرٍ مع مؤسّس حزب الشعب الأسبق "ذو الفقار علب بوتو" الذي شغل موقع رئيس الوزراء في الفترة ما بين 1973-1977، وجرى إعدامه على يد قائد الانقلاب العسكري الجنرال محمد ضياء الحق، وإنْ كان عمران خان قد تفوّق على بوتو في جرأته وفي تقشّفه  وزهده بمزايا الحكم  ومحاربته للفساد، حيث لم يمكث في قصر الرئاسة ورفض استلام أي راتب، معتبرًا أنّ الحفاظ على المال مسألةٌ مقدّسة.

الولاياتُ المتّحدة وقفت وراءَ إقالتِهِ من الحكومة:

لقد أعلن عمران خان صراحةً وعلى المكشوف أنّ الولاياتِ المتّحدة تعملُ على إسقاط حكومته جرّاء رفضِهِ إقامةَ قواعدَ عسكريّةٍ بريّةٍ وجوّيّةٍ في العاصمة إسلام أباد لمراقبة الأوضاع في أفغانستان، بعد انسحابها الذليل من أفغانستان وكسر هيبتها العسكريّة "كقوّة" عظمى ومهيمنة على العالم، وبالفعل بدأت الدبلوماسيّة الأمريكيّة عبرَ أدواتها على ترتيب أوراق المعارضة العميلة لواشنطن في البرلمان التي تفتقر للأغلبيّة، من خلال إحداث انشقاقٍ جزئيٍّ في حزب إنصاف الذي يترأّسه "عمران خان " ما مكّن البرلمان من حجب الثقة عنه بفارق صوتين فقط.

وقال عمران خان: "إنّ التصويت لحجب الثقة عن حكومته كان جزءًا من مؤامرةٍ تقودها الولايات المتّحدة للإطاحة به من السلطة...  وأنّ بلاده تتعرّض لمؤامرةٍ أجنبيّةٍ؛ تهدف إلى تغيير النظام... وإنّ باكستان أصبحت دولةً مستقلةً عام 1947، لكن النضال من أجل الحريّة يبدأ اليوم من جديدٍ، ضدّ مؤامرةٍ أجنبيةٍ لتغيير النظام، دائمًا ما يكون شعبُ البلد هو من يدافع عن سيادته وديمقراطيّته".

 تجدرُ الإشارة، إلى أنّه خلالَ فترةٍ وجيزةٍ لا تتجاوزُ أسبوعًا من رفض عمران خان إقامة قواعدَ عسكريّةٍ أمريكيّةٍ في باكستان، تحرّكت الإدارةُ الأمريكيّة عبرَ أدواتها لضرب الاقتصاد الباكستاني، فكان أن هددت بعض الشركات بسحب استثماراتها من باكستان، وانخفضت قيمة العملة الباكستانية "الربية في مواجهة الدولار، وارتفع منسوب التضخم ليصل إلى (8) بالمائة. وما سهل مهمة المعارضة في إسقاط حكومة عمران خان الانقلاب المفاجئ في موقف قيادة الجيش الذي رفض موقف رئيس الحكومة المتعلق بإقامة قواعد عسكرية أمريكية في باكستان، وكذلك رفض المحكمة العليا قرار عمران خان المتفق عليه مع رئيس البلاد بشأن حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وقد أعلن " خان" بصريح العبارة أن: ما تم كان بترتيب من الولايات المتحدة.

الأسباب التي عجّلت بإقالة عمران خان؟

لكن المسألة تتعدّى قضيّة رفض "عمران خان" إقامة قاعدةٍ عسكريّةٍ أمريكيّةٍ في باكستان، وإن كانت مسألة القاعدة هي القشّة التي قصمت ظهر البعير – كما يقال في المثل العربي- بل إنّ هنالك أسبابًا راهنةً وأخرى قديمةً نسبيًّا تفسّر الإصرار الأمريكيّ والغربيّ على التخلّص من حكومة "حزب الإنصاف"، وأبرز هذه الأسباب:

1- رفض رئيس الوزراء إدانة العمليّة العسكريّة الروسيّة واستبداله عبارة الإدانة "بالمطالبة بحلٍّ دبلوماسيٍّ يضمن أمن روسيا وأوكرانيا"، وهذا ما أزعج الإدارة الأمريكيّة والاتّحاد الأوروبيّ، فهذه الإدارة معتادةٌ أن توجّه سياسات الحكومات السابقة، وخاصّة حكومة نواز شريف اليمينيّة والحكومات العسكريّة بالريموت كونترول.

ففي خطابٍ ألقاه رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" أمامَ تجمّعٍ في منطقة فيهاري، شمال شرقي إقليم البنجاب، بحضور سفراء الدول الأوروبية الذين طالبوه بإدانة التدخّل العسكريّ الروسي في أوكرانيا، حيث ردّ على مطالبهم بقوله: "هل نحن عبيدكم... نفعل أيّ شيءٍ تقولونه؟ نحن لسنا عبيدًا لكم".

2- زيارته لموسكو في الرابع والعشرين من شهر شباط " فبراير" الماضي، وهذه الزيارة اعتبرتها إدارة الرئيس الأمريكيّ جو يايدن، بأنّها تشكّل تحدّيًا لها، خاصّةً وأن لقاء عمران خان مع الرئيس بوتين جاء في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه روسيا عن عمليّتها العسكريّة الخاصّة في أوكرانيا، الذي أقلق  الإدارة الأمريكيّة أنّها سبق وأن خاطبت رئيس الحكومة الباكستانيّة من خلال  سفير باكستان في واشنطن، تطلب منه إلغاء الزيارة.

3- مواصلة حكومة خان البناء على الاتفاقية الضخمة التي وقعت مع الصين عام 2014 التي بلغت قيمتها 64 مليار دولار، من أجل إنشاء ممرٍّ تجاريٍّ يربط مقاطعة شينشيانغ ذات الأهميّة الاستراتيجيّة شمال غربي الصين بميناء غوادار جنوب غربي باكستان، عبرَ شبكةٍ من الطرق وسكك الحديد وخطوط الأنابيب لنقل البضائع والنفط والغاز، وهذا الممرّ الذي يأتي في إطار مبادرة "الحزام والطريق" من شأنه أن يؤمّن وصول الصين إلى بحر العرب وإلى الصين والشرق الأوسط بكلفةٍ أقلّ، ويحقّق لباكستان مكاسب بعشرات المليارات من الدولارات، من خدمات الترانزيت التي ستقدمها لثاني أكبر اقتصادٍ في العالم.

لقد سعت الإدارة الأمريكيّة لعرقلة انضمام باكستان لمبادرة " الحزام و الطريق" في إطار المنافسة الاقتصاديّة المحتدمة مع الصين، ونجحت نسبيًّا في إبطاء مفاعيل الاتفاقيّات الاقتصاديّة الموقّعة سابقًا مع بكين، لكن عمران خان، ومنذ وصوله لسدّة الحكم، عمل على تفعيل الاتفاقيّات الاقتصاديّة مع الصين، وأعلن في خطابٍ ألقاه أمام المنتدى الثاني لمشروع الحزام والطريق المنعقد في بكين: "معًا تدخل باكستان والصين المرحلة التالية من المشروع التي تركّز بشكلٍ أكبرَ على التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، والحدّ من الفقر والتعاون في مجال الزراعة والتطوير الصناعي".

وكان السفير الباكستاني في الصين "معين الحق" قد قال في مقابلةٍ له مع وكالة الأنباء الصينيّة "شينخوا" في 22 مارس ( آذار) إنّ مشروعات: "مبادرة الحزام والطريق"، تعود بالفائدة على الشعب الباكستاني من خلال توفير فرصٍ عمل، وتحسين المعيشة والقضاء على الفقر، ورفع مستوى المناطق النائية، موضّحًا أنّه تمّ حتّى الآن توفير أكثر من 70 ألف فرصة عمل بفضل التعاون اقتصادي".

ولم تتوقّف العلاقاتُ الاقتصاديّة بين باكستان والصين عند مبادرة الحزام والطريق بل تعدّتها إلى استثمار المبادرة تجاهَ التعاون الصناعي، حيث وقّعت باكستان والصين اتفاقيّةً إطاريّةً للتعاون الصناعي في الرابع من فبراير (شباط) الماضي على هامش الزيارة الرسميّة التي قام بها رئيس الوزراء الباكستاني خان للصين؛ وذلك ضمنَ مشروع الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني، وتهدف هذه الاتفاقيّة إلى تشكيل مجموعةِ عملٍ مشتركةٍ حول التعاون الصناعي، لجذب الاستثمار المباشر الأجنبي وتعزيز التصنيع وتنمية المناطق الاقتصاديّة في باكستان في إطار مبادرة الحزام والطريق.

هل كسبت الولاياتُ المتّحدةُ المعركةَ ضدَّ عمران خان؟

ويبقى السؤالُ هنا: هل كسبت واشنطن الجولةَ ضدَّ مشروع "عمران خان" السيادي والاستقلالي، بتنصيب "شهباز شريف" رئيسًا للوزراء، وهو رجلُ الأعمال المرتبط جذريًّا بالولايات المتّحدة ووريث شقيقه نواز شريف في تزعّم حزب الرابطة الإسلامي الذي سبق وأن سجن بتهمة الفساد؟

في التقدير الموضوعيّ أنّ الإدارة الأمريكيّة كسبت الجولة مؤقّتًا، لكن باكستان التي تنسّمت هواءَ الحريّة والسيادة في عهد حكومة "حزب الإنصاف" في طريقها لإعادة الأمور إلى نصابها في ضوء الالتفاف الشعبيّ الهائل وراء رئيس الوزراء المقال "عمران خان"، فقد عمّت العاصمة "إسلام أباد" وبقيّة المدن الباكستانيّة مظاهرات بعشرات الألوف تلبيةً لنداء "خان"  تؤكّد دعمها، تعدّ أنّ ما جرى في البرلمان خيانة للشعب الباكستاني، واصفة حكومة زعيم حزب الرابطة الإسلامي، بأنّها "حكومة مستوردة... حكومة السفارة الأمريكيّة، حكومة البترو دولار"، وهذا ما أكّده "خان" عندما كتب: "لم يسبق أن خرجت مثل هذه الحشود بصورةٍ عفويّة، وبهذه الأرقام في تاريخنا، رافضة الحكومة المستوردة التي يقودها المحتالون".

واللافت أنّ رئيس الوزراء لم يستسلم أمام مخرجات تصويت البرلمان، وخاطب الجماهير الباكستانيّة المحتشدة بعشرات الألوف في العاصمة "إسلام أباد" بقوله: إنّ ما حصل مؤامرة، وأنّ الشعب الباكستاني لن يقبل الذل والخضوع لأي طرفٍ دولي، وأنه يقبل الصداقة بشكلٍ متكافئ مع الصين والهند والولايات المتّحدة وروسيا وغيرها من الدول".

ويجزمُ المراقبون أنّه في حال حدوث انتخاباتٍ قادمة، فإنّ عمران خان، سيحقّق فوزًا كبيرًا يمكّنه من مواصلة مشروع السيادي، في حين راحت نخب باكستانية، تتحدّث عن حدوث انقسامٍ في الجيش الباكستاني، وأنّ قسمًا وازنًا في الجيش قد يستجيب لضغط الشارع الرافض بقوّة لحكومة شهباز شريف المستوردة، لصالح عودة عمران خا