Menu

حكومة العدو تلعب بالنار بإقرارها "مسيرة الأعلام" وفصائل المقاومة استكملت شحذ سيوف القدس مجدداً

عليان عليان

بات من المؤكد أن حكومة العدو الصهيوني، ماضية في تنفيذ مسيرة الأعلام الصهيونية في القدس رغم الوساطة المصرية والتحذير الأمريكي الشكلي، الذي هو أقرب إلى رفع العتب منه إلى التحذير، وذلك بعد أن صادق وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، عمر بارليف، ومفوض شرطة الاحتلال، كوبي شبتاي، في 18 أيار/مايو، على السّماح لمسيرة الأعلام بالمرور من باب العامود ودخول أحياء البلدة القديمة نحو المسجد الأقصى..

وحسب التقارير الإسرائيلية حول مسار مسيرة الأعلام الصهيونية، فإن القسم الأول منها سينطلق من شارع يافا مروراً من باب الحديد، ومن باب العامود، ثم عبور أحياء البلدة القديمة -التي سيتم إغلاق كافة المحلات التجارية فيها في يوم المسيرة- وصولاً إلى منطقة المسجد الأقصى، أما القسم الآخر فسينطلق من باب العامود مروراً من بابي الساهرة والأسباط وصولاً إلى باب المغاربة وحائط البراق، حيث سيتخلل المسيرة هتافات تقليدية من نوع " الموت للعرب" "القدس بشطريها يهودية وعاصمة موحدة للكيان الصهيوني" وتراتيل تلمودية وتوراتية بصوت عال. وهي بهذا القرار تلعب بالنار التي ستكتوي بها، على النحو الذي اكتوت بها في معركة سيف القدس التاريخية في مايو (أيار) 2021، وهي على علم بأن فصائل المقاومة في كامل جهوزيتها للرد على هذا الاستفزاز الخطير، والذي يستهدف خلق أمر واقع في ساحات المسجد الأقصى، لا يتصل بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد فقط، بل تهويده بالكامل، في ضوء إعلان الجماعات الاستيطانية المتطرفة وعلى رأسها جماعة "لاهافا" المتطرفة بأنها تستهدف هدم قبة الصخرة والشروع في بناء الهيكل المزعوم.

حكومة العدو باتت متأكدة، أن تهويد القدس لا يكتمل إلا بتهويد المسجد الأقصى، فهي وسابقاتها رغم أنها أنجزت الكثير على صعيد التهويد الاستيطاني، والتهويد الديمغرافي  وتهويد البنية التحتية، والتهويد الثقافي عبر تغيير مسميات الشوارع والأمكنة العربية والاسلامية بالضد من قرارات "اليونسكو"، إلا أن بقاء المقدسات والالتفاف الشعبي الفلسطيني والعربي والاسلامي حولها، يشكل رافعة لإفشال تهويد المدينة على المدى المتوسط والاستراتيجي، من بوابة الهبات والانتفاضات الجماهيرية، وفي الذاكرة انتفاضة الأقصى عام 2000 التي كانت شرارتها تدنيس الارهابي شارون للمسجد الأقصى، وهبة القدس لإفشال مخطط البوابات الالكترونية عام 2017، وهبة باب الرحمة عام 2019 والهبة الجماهيرية في شهر رمضان الماضي، وهبة سيف القدس التي ترافقت مع معركة سيف القدس في مايو (أيار) 2021.

 فهذه الحكومة اليمينية المتطرفة كسابقاتها، تغامر  بقرار مسيرة الأعلام، مستثمرةً انزياح مساحات واسعة من القرار العربي الرسمي باتجاه التطبيع معها، وكسب ودها والتحالف معها، خاصةً بعد اللقاء الخياني غير المسبوق في قمة النقب، على مقربة من قبر مؤسس دولة الكيان ديفيد بن غوريون، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، بهذا القرار، تمارس صراع البقاء في الكنيست الصهيوني، بعد تجميد القائمة العربية الموحدة بزعامة الخائن "منصور عباس" لعضويتها في الائتلاف اليميني الحاكم، وبعد انسحاب عضو الكنيست "غيداء زعبي" من الائتلاف، في محاولة منها للمزايدة على تكتل الليكود بزعامة نتنياهو، وكسب ود المستوطنين وغلاة اليمين الصهيوني.

 معركة سيف القدس في نسختها القادمة ستكون أعنف من سابقتها، في ضوء ما يلي:

أولاً: استكمال التحضيرات لها من حيث العدة والعتاد، ففصائل المقاومة لم تسترخ إثر انتصارها التاريخي وغير المسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، بل راكمت على جهوزيتها من حيث الخبرة والتدريب، وامتلاك منظومة صواريخ قادرة على ضرب عمق الكيان مجدداً.

ثانياً: أن البيان الصادر عن غرفة العمليات المشتركة، إثر اجتماع الفصائل في مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة، في السادس والعشرين من شهر مايو (أيار ) الجاري لم يكن بيان للاستهلاك الاعلامي، بل كان بياناً حربياً  تمهيدياً بامتياز، يسبق البيان رقم (1) في اللحظة التي يتم فيها تحريك مسيرة الأعلام الصهيونية، والذي أكد بوضوح أن القدس والمقدسات خطٌ أحمر، وشعبنا بكل قواه ومقاومته، لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا المخطط  وسيتصدى بكل الأشكال النضالية  له، وسيستخدم كل الخيارات بهدف حماية شعبنا وأرضنا ومقدساتنا من الاعتداءات الصهيونية".

ثالثاً: أن فصائل المقاومة استفادت من تجربة معركة سيف القدس السابقة، وستعمل على البناء عليها، بعد أن أدركت مواطن ضعف العدو العسكرية والاقتصادية والسيكولوجية، وبعد أن ذهب العديد من الخبراء العسكريين الصهاينة، إلى طرح سؤال وجود الكيان بعد أن راح نتنياهو يستجدي الرئيسان الأمريكي والمصري إقناع المقاومة بوقف إطلاق النار.

رابعاً: أن فصائل المقاومة الرئيسية في غرفة العمليات المشتركة "الجبهة الشعبية و حركة حماس والجهاد الاسلامي"، وبحكم اتفاقها على الهدف الاستراتيجي، ممثلاً بتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، والذي أكده نائب الأمين العام للجبهة الشعبية القائد "جميل مزهر"، باتت أقرب إلى تشكيل بناء جبهوي وفق برنامج سياسي ونضالي مشترك، في إطار غرفة العمليات المشتركة، التي قادت معركة سيف القدس بكفاءة واقتدار.

خامساً: وفي حال اندلاع معركة سيف القدس في نسختها الثانية، فإن ساحات فلسطين الثلاث ستشتعل في إطار تكاملي "ساحة الضفة الفلسطينية والقدس، ساحة قطاع غزة، ساحة فلسطين المحتلة 1948"، بالإضافة إلى ساحة  الشتات الفلسطيني، وستوحد المعركة مجدداً الأرض والشعب والقضية، وبفارق أن المعركة الجديدة في حال اشتعالها، تتم في ظرف تموج فيه فلسطين   بهبات جماهيرية متصلة في القدس والشيخ جراح وجنين وبرقة ونابلس وأم الفحم وحيفا والنقب وسائر المدن والمخيمات والبلدات الفلسطينية، وفي ظرف يتلاحم فيه النضال الجماهيري مع العمليات الفدائية في عمق الكيان الصهيوني، وفي الذاكرة أن أبناء شعبنا نفذوا أربع عمليات فدائية نوعية في النقب وبني براك والخضيرة وتل أبيب أسفرت عن مصرع (15) مستوطناً وجندياً إسرائيلياً في غضون ستة أسابيع، وكشفت عورة أجهزته الأمنية.

سادساً: أن الضفة الغربية تشهد تصعيداً في العمل المقاوم على الصعيد العسكري الذي تضطلع به فصائل  المقاومة في محافظتي جنين ونابلس  وبقية أرجاء الضفة الفلسطينية، ولم يعد دخول قوات الاحتلال لهذه المدينة أو البلدة مجرد نزهة، فكتائب المقاومة في جنين ونابلس لم تتوقف عن إطلاق النار على قوات العدو، حال دخولها وحال انسحابها متقهقرة، موقعةً في صفوفها الخسائر البشرية، كما حصل في الكمين الذي نصبته المقاومة لقوات الاحتلال في بلدة برقين – جنين، في الثالث عشر من شهر مايو ( أيار) الجاري، وأسفر عن مصرع ضابط صهيوني.

سابعاً: أن فصائل المقاومة المنضوية في إطار غرفة العمليات المشتركة تخوض معركتها مستندة إلى حليف استراتيجي – هي جزء منه – ممثلاً في محور المقاومة، الذي لم يبخل عليها لا بالسلاح ولا بالدعم المالي والسياسي، وفي هذا السياق، أكّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أنّ "أي مساس بالأقصى سيؤدي إلى انفجار كبير في المنطقة"، مؤكداً أنهّ "سيؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه " ومشيراً إلى أن المقاومة الفلسطينية أخذت خيارها بالرد على أي مساس بالمسجد الأقصى".

ما تقدم من معطيات وعوامل، يؤكد أن معركة سيف القدس القادمة ستكون أكثر خطراً على الكيان الصهيوني، وأن مخرجاتها ستصب في خدمة الهدف الاستراتيجي بعيداً عن مفردات التسوية، ولن تغير من واقع مخرجاتها  مناورات "مراكب النار" الصهيونية التي سبق وأن تم إلغائها غداة معركة سيف القدس السابقة، فانهيار الروح المعنوية لدى قوات الاحتلال لن يحل  مشكلتها إجراء المناورات العسكرية.

بقي أن نشير إلى مسألتين هما:

1-أن الحراك الجماهيري الملتهب في الضفة الفلسطينية والقدس المقترن بالعمل العسكري المقاوم، لعب دوراً في تحجيم التنسيق الأمني، وفي تعرية نهج السلطة الفلسطينية السياسي الذي يكتفي بالتنديد باقتحامات العدو للمسجد الأقصى، ويستمر في المراهنة على نهج المفاوضات الأوسلوي.

2- وفي حال اندلاع المعركة مجددا سيتعمق المأزق الوجودي للكيان أكثر من السابق بفعل ضربات المقاومة المؤثرة كماً ونوعاً، وأن المقاومة الفلسطينية المسلحة ستبني على العوامل الداخلية لتدمير الكيان، وهنا نذكر بما أشار إليه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق "أفغيدور كهلاني"، في أن صراع الطبقة السياسية على السلطة سيدمر (إسرائيل) ونذكر بسؤال اللعنة الوجودي الذي أشار إليه رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق ممثلاً بالرقم (80) عاماً لبقاء دولة الكيان.