Menu

الرئيس والقيادة الفلسطينية وانتظار "غودو" والمسيح

راسم عبيدات

الرئيس الفلسطيني حصر خياراته لحل القضية الفلسطينية واسترداد جزءا من الحقوق الفلسطينية المشروعة بالمفاوضات ولا شيء غير المفاوضات، وهذا النهج استمر بالسير عليه استمراراً لنهج وخيار اتفاق أوسلو الانتقالي، والذي ثبت بأن هذا الخيار الذي أنتجه اتفاق بائس وكارثي، لن يقود إلى تحقيق حقوق شعبنا الفلسطيني في حدودها الدنيا، إقامة دولة فلسطينية على 22% من مساحة فلسطين التاريخية، ومع كل سنة انتظار وتأكيد على هذا الخيار أو ما يسمى بالشرعية الدولية التي لم تنجح منذ إقامة دولة الكيان على أنقاض أرضنا بإزالة حجر في أي مستوطنة "إسرائيلية" جاثمة على أرضنا، أو وقف هدم لبيت فلسطيني، وأصبح يرهن ليس فقط حقوق شعبنا الفلسطيني بتغير الإدارات الأمريكية والحكومات الإسرائيلية وتعاقبها، بل حتى في تشكيل أي حكومة فلسطينية، كان يشترط أن توافق حماس على قرارات الشرعية الدولية المولع بها الرئيس وطاقمه القيادي، تلك الشرعية الدولية التي تكشف زيفها في الحرب التي تدور حتى الآن بين روسيا وأمريكا ومعها توابعها الأوروبية على الأرض الأوكرانية، حيث "استلت" أمريكا سيف الشرعية الدولية، ولتجرم روسيا بانتهاك سيادة أوكرانيا وارتكاب جرائم حرب والمس الصارخ بحقوق الإنسان ..الخ، دون أن يرف لها هي ودول أوروبا الغربية أي جفن على ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني من جرائم وقمع وتنكيل واحتلال للأرض واغتصاب للحقوق في ازدواجية مقيته للمعاير والانتقائية في التطبيق لما يعرف بقرارات الشرعية الدولية... ولكن رغم كل ذلك استمر الرئيس وفريقه القيادي بالتمسك بهذا النهج والخيار، وأنه لن يسمح لأي جهة فلسطينية، أن تأخذ القرار الفلسطيني إلى أي وجهة أخرى، لأن من شأن ذلك الإضرار بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، وكان الرئيس وفريقه القيادي يعاندون الواقع على الأرض، والذي يؤكد بأن دولة الكيان ومن خلفها شريكتها أمريكا ومعهما دول أوروبا الغربية، يريدون استمرار إدارة الصراع، وليس حله، والتشبث برؤيتهم وموقفهم بأن الحل لقضية شعبنا الفلسطيني وحقوق شعبنا، يجب أن لا تتجاوز الحقوق الاقتصادية والحكم الإداري الذاتي، بعيداً عن الحقوق الوطنية والسياسية ووقف الاستيطان وانهاء الاحتلال، وعلى هذا النهج والخيار، استمروا في طرح مواقفهم ومبادراتهم، دون أن يغفلوا الاستمرار في ترديد الأسطوانة المشروخة عن حل الدولتين، على أن لا يترجم ذلك إلى فعل على أرض الواقع، بفرض عقوبات ملزمة على دولة الكيان تلزمها بتطبيق هذا الحل.

الرئيس وفريقه استمروا في الرهان على عودة "غودو" وقدوم المسيح، لكي يحققا لهما أحلامهما بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/1967 وعاصمتها القدس ، رغم أن كل الوقائع على الأرض تقول بأن الاستيطان المتصاعد والمتواصل، لم يترك أي فرصة لحل ما يسمى بالدولتين حتى بتنازلات فلسطينية أقل من ذلك.

الرئيس والقيادة الفلسطينية وحتى القوائم العربية في الداخل الفلسطيني- 48 – هللوا وصفقوا لسقوط ترامب في الانتخابات الأمريكية ولإسقاط نتنياهو من رئاسة وزراء الحكومة الأمريكية، لأنه بسقوطهما سقطت ما عرف ب"صفقة القرن"، وأن القادمين للبيت الأبيض ولرئاسة الحكومة الإسرائيلية الجدد، سينتهجان سياسة تقود الى حل قائم على أساس الدولتين، ولكن المواقف والسياسات التي تبناها كل من بايدن وبينت، والتي لا تقل تطرفاً وعنصرية وإنكاراً لحقوق شعبنا الفلسطيني عن سلفيهما ترامب ونتنياهو، بل لا نبالغ إذا ما قلنا إنها كانت أكثر تطرفاً وتنكراً لحقوق شعبنا الفلسطيني.

المهم الرئيس وفريقه القيادي بقيا ينتظران "غودو"، ذلك الرجل في المسرحية التي كتبها الكاتب الإيرلندي "صموئيل بيكيت" والتي تدور أحداثها حول رجلين "فلاديمير" و "استراغون" ينتظران رجل لن يأت... و"غودو" الرئيس والقيادة الفلسطينية اللذان انتظراه طويلاً، لكي يحقق لهما حلمهما، حضر في زيارة للمنطقة، من 13 -16/7 /2022، وما أن وطأت قدماه أرض فلسطين، حتى قال قاطعاً الشك باليقين، وصافعاً كل المراهنين عليه من فلسطينيين وعرب بالقول "أنه يفتخر بأنه جزء من تاريخ دولة الكيان، وأنه كذلك يفتخر بصهيونيته"، ورغم كل ذلك بقي الرهان على "غودو"، وكان لقائه بالرئيس في مدينة بيت لحم، وفي اللقاء قدم له الرئيس قائمة من المطالب، منها ما يتعلق بوقف الاستيطان، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القسم الشرقي من المدينة وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ورفع اسم المنظمة من قائمة "الإرهاب" الأمريكية، ولكن "غودو" لم يلتفت إلى تلك المطالب، فهو عبر عن نفسه بشكل واضح، ورغم كل وضوحه ووقاحته وسفوره، ولكن بقي الرهان عليه، حيث خرج الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية ليقول بأن مواقف الرئيس الأمريكي يبنى عليها، وهناك من قال بأنه يكفي أن تكون فلسطين الدولة الأولى التي يزورها "غودو". جاء حديث رئيس وحدة معالجة المصالح الفلسطينية في السفارة الأمريكية في القدس جورج نول، ليكشف جزء من المستور، حيث قال بأن "غودو" قال للرئيس عباس في لقائهما، بأن عليه أن ينتظر قدوم المسيح لكي يحقق له تلك المطالب.

"غودو" عبر عن نفسه بالقول "أنه يفتخر بصهيونيته"، ولكن هناك فلسطينياً وعربياً من يصر على أن "غودو" طيب ومتفهم ويرغب بأن يكون "صديق" لشعبنا وأمتنا، وأنه رسول "محبة وسلام"، وهذا البعض الفلسطيني والعربي "يصر على تجريب المجرب" والمقامرة بالحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية على قاعدة "المقامرة والتجريب".

"غودو" زيارته ليس من أجل شعبنا ولا قضيتنا، "غودو" همه الأساس أمن دولة الكيان والحفاظ على تفوقها العسكري، والعمل على تشكيل هياكل تنظيمية أمنية، تدمج دولة الكيان في المنطقة، وتنصبها في موقع قيادة الإقليم عبر ارساء نظام إقليمي عسكري اقتصادي سياسي بإشراف أمريكا ضد مثلث روسيا الصين إيران، و"غودو" يريد الطاقة لأنها حيوية للاقتصاد الأمريكي والنفط والغاز من أجل دول أوروبا، ومنع دول الخليج من تطوير علاقاتها مع الصين وروسيا، والتحريض على طهران عبر السعي لتشكيل حلف عسكري يتولى الدفاع عن دولة الكيان والحفاظ على أمنها في حالة اندلاع حرب مع إيران، ويريد كذلك ان يستمر النظام المالي الأمريكي مسيطراً والدولار معادلاً عاماً للتبادلات التجارية والاقتصادية بين الدول، وأن تصوت له اللوبيات الصهيونية، لكي يفوز في الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي في شهر تشرين ثاني القادم، وأن يعمل على خفض نسبة التضخم والبطالة في أمريكا وانقاذ الاقتصاد الأمريكي من تأثيرات الحرب مع روسيا في أوكرانيا... من أجل ذلك جاء "غودو" الذي قال لكم بأنه عليكم أن تنتظروا قدوم المسيح لكي يحقق لكم هذه المطالب، فهل هناك رسالة أبلغ من هذه يا من راهنتم على قدوم "غودو" الذي صورتموه على أنه "المنقذ"؟!