Menu

"مختبر غزة" مرة أخرى

تجارة السلاح الصهيوني على سجادة الدم الفلسطيني

خاص بالهدف - أحمد مصطفى جابر

يشكل استهداف الأطفال والحصار المستمر وخنق غزة وتدمير المنازل والبنى التحتية في غزة تجارة مربحة لتجارة السلاح الصهيونية، وكذلك يصبح مستهلكو هذا السلاح ومن ضمنهم المطبعون العرب الذين تسابقوا لعقد صفقات سلاح مع الكيان، وأيضًا شركات أجنبية حول العالم تمد الكيان بالسلاح شركاء في الدم الفلسطيني بدون أي جدال.

شكل العدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 2014 نقطة تحول لصناعة السلاح الصهيوني وتحديدًا في فرع الصادرات، ففي أعقاب العدوان القاتل الذي استمر 51 يومًا تم بيع أسلحة جديدة اختبرت فيما اصطلح على تسميته (مختبر غزة) وهو نسق متكامل يشمل الأسلحة والتقنيات والأساليب التي استخدمت في غزة منذ عام 2005؛ عام فك الارتباط الصهيوني وخروج الاحتلال من القطاع ثم خضوع القطاع للحصار وسلسلة من الهجمات الوحشية حولته إلى مختبر فعلي للسلاح الصهيوني.

وما تبيعه "إسرائيل" هو نموذج سياسي كامل للحرب غير المتكافئة، التي تتضمن صراعًا بين دولة وجيشها النظامي المسلح بقوة ومقاتلين غير نظاميين بأقل الوسائل القتالية المتاحة، ويحتوي هذا النموذج على مكونات قاتلة تشكل كل شيء من صواريخ رافائيل المستخدمة في الاغتيالات في غزة، إلى الوسائل الناعمة التي تشمل الفقهاء والخبراء في إدارة السكان بأسلوب الإدارة المدنية وحتى أخلاق الحرب.

انفضح أمر "مختبر غزة" عبر فيلم "المختبر" ليوتام فيلدمان (2017)، وهو فيلم كشف الجوانب المظلمة أكثر من غيرها للصناعة العسكرية الصهيونية، وبين كيف أن الأراضي الفلسطينية المحتلة يتم استغلالها من قبل الصناعات العسكرية كمختبر لتجارب الأسلحة والتقنيات الحديثة التي يتم اختبارها على السكان المدنيين بشكل مستمر وكذلك أثناء العمليات العسكرية. ويوضح فيلدمان كيف أن القيمة الاقتصادية للمنتجات التي يتم اختبارها في الوقت الفعلي على البشر تزيد من قيمتها في السوق بالإضافة إلى سمعة الشركات الصهيونية التي تتجه إلى الأسواق العالمية، نظرًا لأن معظم المنتجات موجهة للتصدير، فمن المهم للصناعات العسكرية الحفاظ على "الميزة" التي تتمتع بها على البلدان الأخرى، حيث تم اختبار جميع أسلحتها في ساحة المعركة. وفي عام 2014، قال موظف في واحدة من كبرى شركات تصنيع الأسلحة في الكيان لصحيفة The Marker التجارية إنّ صناعة الأسلحة المحلية ستتضرر إذا استمرت "إسرائيل" لمدة 20 عامًا بدون عملية عسكرية كبيرة.

اقرأ ايضا: هوس السلاح: صادرات القتل الصهيونية حول العالم

ومن البديهي الوثوق بصحة الاستنتاج حول طبيعة الكيان الصهيوني الذي لا يستطيع العيش بدون حرب، ليس فقط لأسباب أيدلوجية، بل أيضًا لأسباب اقتصادية ترتبط بضرورة الحرب والعمليات العسكرية لإنعاش الصناعة الحربية، وبالتالي تتم مقارنة ثمن السلام مع الأرباح المالية الضخمة من هذه التجارة، حيث يجادل البعض بأن الصناعة العسكرية من المحتمل جدًا أن تتأثر إذا انتهى الاحتلال أو إذا كان هناك وقف لإطلاق النار، حيث أن إسرائيل تواصل رفض ذلك؛ بسبب "الاعتماد الاقتصادي على أرباح القتال".

بالانتقال إلى الوقت الحالي، يبدو بشكل جلي وبعد العدوان الصهيوني الأخير على غزة أن مصنعي السلاح لهم مصلحة مباشرة في الحفاظ على غزة كملعب لأي تقنية ترغب "إسرائيل" في اختبارها على الفلسطينيين.

اقرأ ايضا: صناعة لها دولة: صادرات السلاح الصهيوني

بعد الهجوم الصهيوني على غزة، في مايو 2021، حطمت دولة الاحتلال الرقم القياسي لمبيعات الأسلحة، جامعة أكثر من 11.3 مليار دولار. إذ وبعد أقل من أسبوعين من العدوان، أبرمت شركة الصناعات الجوية "الإسرائيلية" (IAI) - أكبر شركة طيران وصناعات طيران في الكيان - بالفعل صفقة طائرات بدون طيار بقيمة 200 مليون دولار مع دولة غير محددة في آسيا.

في وقت سابق من هذا الشهر (آب/ أغسطس 2022) وخلال عدوانه الأخير على غزة استخدم الكيان على نطاق واسع الطائرات بدون طيار (UAVs) حيث يعتبر الكيان واحدًا من أكبر مصدري هذا النوع في العالم، بما وصل حسب المعلومات المتوافرة عام 2017 إلى حوالي 60 في المائة من السوق العالمية على مدى العقود الثلاثة الماضية. وهذه الطائرات هي الأداة الفعالة في ضبط ومراقبة واستهداف سكان غزة منذ 2005.

اقرأ ايضا: تجارة السلاح الصهيونية: كيف يشارك الكيان ويدير عمليات الإبادة والقمع حول العالم

الشركة الصهيونية الأبرز Elbit Systems تهيمن على صناعة الطائرات بدون طيار. ووفقًا لتقرير نشره موقع israeldefense ، تصنع Elbit حوالي 85 بالمائة من الطائرات بدون طيار التي يستخدمها الجيش "الإسرائيلي"، بما في ذلك طائرات Hermes 450 و Hermes المسلحة بدون طيار 900 ، والتي ظهرت لأول مرة في هجوم 2014 على قطاع غزة، حيث قتلت غارة بطائرة بدون طيار Hermes أربعة أطفال هم عاهد وإسماعيل وزكريا ومحمد وجميعهم أبناء عمومة من عائلة بكر، أثناء لعبهم. على شاطئ غزة. كما تم نشر طائرات هيرميس بدون طيار من قبل الحكومة الأمريكية لمراقبة حدودها الجنوبية. ولا تقتصر صناعة الطائرات بدون طيار على شركة إلبيت بل هناك حصة أيضًا لـ IAI وأنظمة الدفاع الجوي (المملوكة لشركة Rafael، إحدى أكبر شركات الأسلحة الإسرائيلية) وRT LTA Systems، وBlueBird Aero Systems.

أكثر من ذلك تنتج Elbit أيضًا مدافع مصممة لإطلاق قنابل عنقودية محرمة دوليًا، حيث وقعت أكثر من 100 دولة على اتفاقية تحظر استخدام القنابل العنقودية عام 2008، هذه الاتفاقية رفضت "إسرائيل توقيعها، وكانت استخدمت القنابل المحرمة في غزة في عدوان 2008 في عدوان (الرصاص المصبوب) في قبل شهور من توقيع تلك الاتفاقية الدولية.

بالنسبة لشركة رافائيل فقد كان لها حصة أيضًا في (مختبر غزة) الإجرامي، وجربت 4 صواريخ على الأقل في السنوات الأخيرة، مثل صاروخ رافائيل سبايك الموجه، والذي تسبب في استشهاد أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين الفلسطينيين في عامي 2014 و2021. وقد تم توجيهه مباشرة خارج مدرسة في رفح حيث كان يحتمي 3200 مدني، مما أسفر عن استشهاد 12 فلسطينيًا بينهم ثمانية أطفال. وما بين عامي 2020 و2021 سجلت مبيعات رافائيل ارتفاعًا مقداره 400 مليون دولار.

أيضًا العديد من الشركات الأخرى تستفيد من هذا الحصار الجائر والاستهداف المنتظم والمنهجي لغزة، بما في ذلك شركات الإنترنت والتكنولوجيا التي تطور أنظمة الرادار والتحكم والمراقبة - وكلها حولت "إسرائيل" إلى إمبراطورية إلكترونية. وتستفيد الشركات الصهيونية من 40٪ من الاستثمار العالمي في الشركات الإلكترونية، مثل Magal Security Systems، التي بنت "أسوارها الذكية" حول غزة. وقد قال سار كورش، الرئيس التنفيذي لشركة Magal، في عام 2018 لبلومبرغ إن غزة تحولت إلى مساحة عرض للأسوار الذكية لشركته، مما يثبت للعملاء المحتملين أنها خضعت لاختبار المعركة.

يصبح استهداف الأطفال والحصار المستمر وخنق غزة وتدمير المنازل والبنى التحتية في غزة تجارة مربحة لتجارة السلاح الصهيونية، وكذلك يصبح مستهلكوا هذا السلاح وأيضًا شركات أجنبية حول العالم تمد الكيان بالسلاح شركاء في الدم الفلسطيني بدون أي جدال.

لأنه ليس فقط الكيان الصهيوني وصناعة الأسلحة فيه من يستفيد، بل أيضًا شركات أمريكية مثلاً، إذ أنّ الأسراب التي تتبع سلاح الجو الصهيوني والتي ساهمت في قصف غزة مرارًا وتكرارًا هي طائرات أمريكية الصنع، فقد شمل الهجوم الأخير هذا الشهر طائرات مقاتلة من طراز F-15 وF-16، المصنعة من قبل عملاقا الأسلحة والفضاء الأمريكيان بوينج ولوكهيد مارتن، على التوالي. وبحسب ما ورد استخدمت طائرات F-35 التابعة لشركة لوكهيد مارتن في قصف غزة، كما استخدم الجيش الصهيوني طائرات بوينج ولوكهيد مارتن لقصف غزة أيضًا في عامي 2014 و2021، عندما دمر مناطق كبيرة مأهولة بالسكان وتسبب في سقوط آلاف الضحايا في الهجومين. ومنذ عام 2001، اشترى الكيان عشرات الطائرات وقطع الغيار والتدريب العسكري بمليارات الدولارات من الشركتين، بتسهيلات ضخمة من الحكومة الأمريكية، مع آخر صفقة معروفة وافق عليها الرئيس جو بايدن قبل أسابيع فقط من هجوم مايو 2021.

كل هذه الشركات (وغيرها الكثير) لها مصلحة واضحة في الحفاظ على غزة كميدان مثمر وغير محدود لأي تكنولوجيا عسكرية يرغب الكيان في تطويرها أو اختبارها. حيث توفر القدرة على تصنيف أسلحة معينة على أنها مجربة في المعركة " ما يفتح شهية المشترين المحتملين الذين لا يقلون إجرامًا وقمعًا عن الكيان الصهيوني ويشاركونه في قيمه القاتلة.