في عام 1845 وقع سياتل زعيم الهنود الحمر معاهدة سلم بموجبها أراضي قبيلته للمستوطنين البيض، يومها وضع سياتل إحدى يديه على رأس القائد الأوروبي الجديد، قبل أن يشير بسبابته إلى السماء ويلقي خطاباً مؤثراً، طالب فيه المستوطنين الجدد بأن يبادلوا الأرض المحبّة ذاتها التي يكنها الهنود الحمر لها، قائلاً: عليكم أن تحفّوها بالرعاية التي كنا نحفّها بها، عليكم أن تحافظوا على مشهد الأرض في مخيلتكم وتعملوا على توريثها لأجيالكم بكل ما أوتيتم من قوة وعزم. حافظوا عليها من أجل أبنائكم وامنحوها المحبة مثلما يمنح الإله الحب لنا جميعاً، وهناك شيء نؤمن به هو أن إلهنا هو إله واحد للجميع، وهذه الأرض عزيزة عليه، وفي النهاية حتى الرجل الأبيض لا يمكنه النجاة من المصير المقدر للجميع.
بوسعكم مواصلة تلويث موطننا، لكن لا يجب أن تنسوا أنه سيأتي اليوم الذي ستختفون فيه بنفاياتكم وعلامة ذلك اليوم هي اغتيال كل الثيران البّرية وترويض كل الخيول الوحشية، اليوم الذي سيطال فيه التلوث البشري أكثر المناطق ستراً في الغابات. فكيف سيكون مصيرها؟ دون شك، فإنها ستندثر. ومصير البشر؟ سيصبحون أثراً بعد عين.
هذه الكلمات قادنا إليها في الواقع ما آل إليه حال القارة الأوروبية التي يضربها الجفاف بشكل مفجع وغير مسبوق، في موجة هي الأعنف منذ خمسمئة عام؛ حيث أصبحت موجات الحرارة أكثر شدة بسبب ارتفاع درجة الحرارة العالمية، مما له آثار مدمرة على المناظر الطبيعية والنظم البيئية وحتى جسم الإنسان.
ويظهر رسم بياني أنشأه البروفيسور إد هوكينز، عالم المناخ في المركز الوطني لعلوم الغلاف الجوي بجامعة ريدينغ، جميع التغيرات في درجة الحرارة العالمية منذ عام 1850.
وحسب الرسم البياني المذكور، فإنه بعد عام 1970 حدث تغير سريع في اللون «من اللون البرتقالي إلى الأحمر الداكن»، مما يبرز مدى سرعة تغير الأشياء على مدار الأربعين أو الخمسين عاماً الماضية.
ويقول هوكينز: إن العواقب في عالم أكثر دفئاً هي موجات حرارة أكثر شدة، ما يزيد من مخاطر حرائق الغابات، خاصة في المناطق التي تصبح أكثر جفافاً، وهو في الواقع ما نشهده اليوم في الكثير من أنحاء القارة الأوروبية، التي تشهد جفافاً كبيراً في أنهارها الرئيسية ومصادر المياه، كما هو الحال أيضاً في مناطق مختلفة من العالم؛ حيث تسبب انخفاض هطول الأمطار، ودرجات الحرارة المرتفعة لفترات ممتدة في حدوث جفاف يؤثر في العديد من البلدان الأوروبية. كما تسبب ذلك أيضاً في انخفاض مستوى عدد من الأنهار ليكشف عما أسموه ب «حجارة الجوع»، وهي صخور في مجرى الأنهار لا يمكن رؤيتها إلا عندما تكون مستويات المياه منخفضة للغاية.
وكما هو معلوم فقد تسبب الجفاف في تدمير المحاصيل، كما أدى إلى قطع الممرات المائية التي تُنقل من خلالها المواد الغذائية والإمدادات من جميع الأنواع، لا سيما أن أوروبا الوسطى، التي تضم أجزاء من النمسا والتشيك وألمانيا والمجر وبولندا وسويسرا، تعتمد على الأراضي الخصبة على طول ضفاف الأنهار لإنتاج الغذاء.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت ظاهرة الجفاف واحدة من أبرز علامات تغير المناخ في وسط أوروبا، ويرى المتخصصون أن الثورة الاقتصادية التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية وما أعقبها من تقدم تكنولوجي وصناعي هائل، أدت إلى حدوث مشاكل كبيرة مست التوازن البيئي ولعل أخطر ما تعيشه البشرية حالياً بقلق متزايد هو مشكلة تغير المناخ.
وعلى الرغم من أن هناك أسباباً طبيعية قد تكون وراء ذلك التغير في المناخ، لكن أحداً لا يستطيع إنكار الدور السلبي الذي لعبه ويلعبه الإنسان في ظاهرة تغير المناخ بارتفاع كمية الغازات الدفيئة الناتجة عن احتراق الفحم والنفط والغاز الطبيعي المنبعث من الأنشطة البشرية على امتداد القرن الماضي، مما يمثل تهديداً حقيقياً للرخاء الذي يتمتع به الكثيرون اليوم، لا سيما في أوروبا والدول المتقدمة صناعياً، والتي يشار إليها دائماً بأصابع الاتهام حول مشكلة الانبعاث الحراري وتأثيراته في البيئة والمناخ العالميين.
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة برزت كمشكلة بيئية منذ أكثر من ثلاثين عاماً وسيطرت على جدول أعمال البيئة منذ منتصف الثمانينات، فإن الاهتمام بها ظل محدوداً ولم يتجاوز مرحلة المناقشات العلمية البحثية والمؤتمرات واللقاءات الدولية، وهذا ما أثار الكثير من الجدل والتشكيك في كونها حقيقة أم مجرد مخاوف يدلي بها العلماء للتخلي عن الوقود الأحفوري والتقليص من البواعث الصناعية.
والسؤال هو: إلى متى سيبقى الاستهتار واللامبالاة الأكثر وضوحاً في التعامل مع الطبيعة بما يدفع إلى الإضرار بها وبالبشرية كلها؟