يواصل الأسرى الإداريون إضرابهم عن الطعام، ومعركتهم ضد الاعتقال الإداري، تحت عنوان "تجرأ على النضال، تجرأ على الانتصار"، حاملين راية النصر، كعنوان ومآل نهائي لمعركتهم البطولية، فمعركة الإضراب، ضد الاعتقال الإداري، لا تعني فقط مواجهة الظلم والتعسف ومحاولة ترسيخ علاقات عبودية من قبل ضباط جهاز المخابرات الصهيوني والضباط العسكريين لدولة الاحتلال الصهيوني فقط، بل تحمل في مضمونها وتحت ذات الشعار الذي رفعه المقاتلون الفيتناميون لثورتهم "تجرأ على النضال... تجرأ على الانتصار"، يحمل مضاميناً تعني أولاً مجابهة الاحتلال ومناهضته، ورفضاً لإجراءاته القمعية، ونزع الشرعية المدعاة، وتحطيم لمنظومته القيمية الزائفة، بل تعتبر بياناً عاماً ومنازلة بين منظومتين، منظومة تبحث عن الدالة والحرية والمساواة الإنسانية، والديمقراطية الحقة، التي يمثلها الأسرى ويطالبون بها، ومن منظومة تفرقة عنصرية بين البشر على أساس من الانتماء العرقي؛ "فاليهود" من يحق لهم السيادة والقمع والقتل باسم تفوقهم العرقي المستند لانتماء ديني تمثلها "دولة اليهود"، الدولة اليهودية بحسب قوانين ذات الدولة، والتي حينما تود ممارسة سيادتها وسلطتها تقمع شعب آخر، من خلال منظومة قوانين رجعية فاسدة متمثلة في قوانين الطوارئ البريطانية الممتدة منذ عهد الانتداب، والقانون الأردني للطوارئ منذ ما قبل العام 1967، أثناء سيطرتها على فلسطين، وإلى منظومة قرارات عسكرية يصدرها الضباط والعسكر الصهاينة، وبشرعنة قرارات محاكم عسكرية لا تنتمي لقانون الدولة، ثم يخضع هؤلاء الأسرى لقانون آخر ومؤسسات اعتقال تخضع لولاية قانونية مغايرة عبر احتجاز هؤلاء الأسرى الذين يتم اعتقالهم احترازياً بلا تهمة أو محاكمة في معسكرات اعتقال، وسجون تخضع للقانون الجنائي والمدني الصهيوني ولولاية كيانه بمعنى سحب حقوقهم الإنسانية والمعيشية، وعدم الاعتراف بأنهم أسرى سياسيون، ومقاتلو حرية، بل ويصار للتمييز العنصري في الحقوق الإنسانية والحقوق الأساسية في هذه السجون والمؤسسات فيما بينهم وبين غيرهم من الأسرى، داخل الولاية القانونية لهذه ( الدولة – الكيان) الاستعماري.
إن معركة إضراب الأسرى الإداريين تحمل في مضمونها كشف لزيف المنظومة القضائية الصهيونية، الذي يستند إلى قانون يميز بين السيد – والعبد". السيد الذي يمثله قضاة المحاكم الذين يرغب في معاقبتهم واحتجازهم الذي يمثله ضابط الاحتلال العسكري وضباط مخابراته.
فالاعتقال الإداري ممارسة للعنف الصريح باعتباره تمثيلاً لحالة يرغب ضباط المناطق من خلالها محو وإزالة المعتقل جسدياً ومادياً، أو معنوياً من خلال إبعاده عن ممارسة حياته، والوجود الطبيعي في مجتمعه وبين أسرته وحيزه، وإقصائه وعزله في سجون ومعازل لمدة عشرات السنوات دون تهمة.
والاعتقال الإداري جزء من منظومة التمييز العنصري الصهيوني، بل والأخطر جزء من ممارسة التطهير العرقي والثقافي والسياسي للصهاينة ودولتهم، ضد الفلسطينيين بحسب تعريف الأمم المتحدة للتطهير العرقي، والذي ينص في أحد بنوده أن التطهير العرقي ممارسة تمتد إلى التحطيم المتعمد لمجتمع ما، وثقافته وبيئته، بشكل كلي أو جزئي، فالمنظومة الاستعمارية أصدرت عشرات، بل ومئات ألوف قرارات الاعتقال الإداري بحق الفلسطينيين الأطفال، وحرمتهم من معيشتهم ومدارسهم، ومستقبلهم، والنساء، وسعت من خلال ذلك لتفكيك الأسرة، والرجال من أجل تحطيم المجتمع وأحد علاقته وقيمه، بل احتجزت إدارياً الشيوخ وكبار السن، المرضى، وطال الاعتقال الإداري الأطباء، المهندسون، دكاترة الجامعات، الطلبة، رجال الأعمال، المهنيون...الخ. وعدد كبير من النواب المنتخبين، ومدراء المؤسسات والجمعيات المجتمعية من الرجال والنساء، لمجرد ممارستهم دورهم المهني أو السياسي، وبهذا، فالاعتقال الإداري جريمة حرب، وجريمة تطهير عرقي ممنهج وهادئ، تعتمدها المنظومة الاستعمارية لتفكيك الشعب الفلسطيني، والقضاء على مجتمعه والسيطرة على حيزه وهدم بنيانيه وثقافته..الخ.
إن معركة الإضراب للأسرى الإداريين ليست مجرد معركة لمناهضة إجراءات الاحتلال، وليست لتحقيق مطالب بعينها، رغم أنها تحمل هذه المطالب، إلا أنها في الحقيقة معركة أشمل وأوسع من المطالب، فلا نضال مطلبي هنا، بل نضال سياسي يحمل في بعض أوجهه المطالب المحقة للإضراب، وإنما الإضراب رسالة للعالم، للتذكير بأن هنالك جرائم تمارس بحق الشعب الفلسطيني، وبصمت" فقرعوا جدران خزانهم". وعلى ذلك فإن هذه المعركة تحمل في مضامينها رأس الحربة أو الجسر للمواجهة الأعم والأشمل ما بين الاحتلال والشعب الفلسطيني المُحتل، ما بين المستعِمر والمستعمَر.
إن معركة الإضراب عن الطعام هي محاولة لوضع عظام الأسرى في دواليب الجيبات العسكرية للاحتلال، ومراكمة الأجساد تحت جنازير المدرعات الاحتلالية لوقف الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وبحق العالم ومؤسساته الدولية، وبحق قانونه الدولي وشرعيته الإنسانية، فالاحتلال هو الجريمة الأساس، أو السند لممارسة كافة الجرائم الأخرى في الحيز الفلسطيني "السجن الكبير"، وفيه تتم ممارسة أبشع صنوف الجرائم الأخرى في معسكرات الاعتقال الصهيوني وسجونه ومعازله، فهي معركة وطنية بغض النظر عمن يخوضها.
إن معركة ال30 معتقلاً، هي معركة فلسطين، والشعب الفلسطيني، فلينتصر لها الشعب باسنادها والوقوف إلى جانبها بكل الوسائل المتاحة.
ومعركة الـ30 هي معركة الإنسانية ضد الظلم والعبودية والقهرة، فلينتصر لها الأمم والشعوب والقوى والأحزاب والمؤسسات المحبة للعدل والسلام.
فالمعركة هنا لا تحسم بمطالبها أو تحقيق هذه المطالب، بل تُحسم بإعلاء راية المضربين، بالتجرؤ على النضال في سبيل القيم الإنسانية وقيم العدالة والمساواة والحرية.