Menu

حكومة نتنياهو الأخيرة

سعاده مصطفى أرشيد

نقلًا عن صحيفة الديار

لم يكن قرار إنشاء السلطة الفلسطينية قرارا سياديا فلسطينا، وإنما كان نتيجة لاتفاق إذعان، وهو اتفاق إعلان المبادئ المعروف باسم (إتفاق أوسلو)، والذي لا يرقى بالقانون لأن يعتبر اتفاقية دولية، وقد راود الموقعين على ذلك الاتفاق- أو بعضهم الأمل والخيال الجامح، أن بالإمكان تطوير السلطة الفلسطينية من أن تكون حكما ذاتيا محدودا، وذلك بأن تصبح دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن لا الاتفاق يسمح بذلك، ولا الطرف الأقوى يسمح بذلك ولا أسلوب العمل وطريقة الارتجال والاستزلام والعمل دون مخططات وإنما بطريقة المياومة، ولا الفساد الذي ضرب مفاصل السلطة ونقل إليها فور إنشائها من المؤسسات السابقة على إنشائها، كانت قادرة بالجملة أو المفرق على تحقيق ذلك الهدف، وإنما قادت كل تلك العوامل لأن تصبح السلطة أداة من أدوات الاحتلال ووكيلا عنه، وأراح "إسرائيل" من الاحتلال المباشر ورفع الحرج عنها، وأهل لدخول العالم العربي مصيدة التطبيع.

من هنا، ترى أوساط سياسية وأمنية في "إسرائيل" أن السلطة الفلسطينية قد أصبحت في منزلة، بين منزلة الحليف والصديق وبين منزلة صاحب الوظيفة الذي يجب الإبقاء عليه، ما دام يقوم بوظائفه الأمنية والإدارية، أما في حالة عجزه عن القيام بذلك، فيجب تقديم الدعم والإسناد له، حيث أن البديل لا يعدو أن يكون واحدا من ثلاثة : أن تستولي حركة حماس وحلفائها في المقاومة على الضفة الغربية، وهي ما زالت غير مؤهلة للدخول في مفاوضات مع "إسرائيل"، وأما الدخول في فوضى شاملة غير محسوبة ومن الصعب ضبط إيقاعها، وبالتالي ستصيب الداخل الفلسطيني (المجتمع "الإسرائيلي") تشظياتها وتتسبب في حالة أمنية غير مريحة، وأما العودة للاحتلال المباشر وإدارة الضفة من قبل جيش الاحتلال كما كان الحال في مرحلة ما قبل إتفاق أوسلو عام 1993، مع ما لذلك من تبعات وأعباء ثقيلة ماليا وعسكريا وأمنيا وأخلاقيا، والظهور أمام العالم بمظهر الإحتلال المباشر ومشهد الجنود وهم يطاردون الأطفال والصبية.

الأمن "الإسرائيلي" يبدي قلقه مؤخرا من عدم تحقيق نظرية الإسلام الإقتصادي نجاحا بالدرجة التي كان يفترضها، وظهرت المقاومة في شمال الضفة الغربية وتحديدا في جنين ومخيمها ونابلس ومخيمها، ثم تحقيقها شيء من توازن الردع مع الإحتلال، برغم التفاوت غير القابل للمقارنة في القدرات وفي معادلة القوة التي يملك الطرف المعادي بها تفوقا بالسلاح والاستخبارات والتكنولوجيا، كما في التدريب والتنظيم والتجربة القتالية، فيما يملك طرف المعادلة الآخر جيلا فتيا يراكم تجاربه البسيطة، ويملك الشجاعة على الإشتباك مع الخصم الأقوى من مناطق صفرية و استعدادا للقتال بشجاعة حتى الموت (الاستشهاد)، ما خلق شعورا لدى "الإسرائيلي" الرسمي الفلسطيني الرسمي وغير الرسمي بتآكل دور السلطة الفلسطينية، ويرى السلطة عاجزة عن القيام بقمع ظاهرة المقاومة، والمواطن الفلسطيني العادي يرى السلطة رافضة للمشاركة في المقاومة، وتقديم الدعم لها وعاجزة في الوقت ذاته عن توفير متطلبات الحياة اليومية.

في خضم هذه التعقيدات جرت الإنتخابات التشريعية "الإسرائيلية"، وجاءت نتائجها لمصلحة فوز نتنياهو وحلفاءه الأكثر تطرفا، والأقل عناية بسمعتهم الدولية لحساب سعيهم، لمزيد من الشعبية في مجتمعهم الآخذ بالإنزياح نحو اليمين والتطرف، حسب الصحافة "الإسرائيلية" التي تورد تصريحات لكل من (بن غفير) و(غانتس)، إذ يقول الأول انه قد أبرم اتفاقا مع رئيس الحكومة المكلف نتنياهو، يقضي بتوليه حقيبة الأمن الداخلي في الوزارة قيد التشكيل، والتي ستجعله مسؤولا عن الشرطة و قوات حرس الحدود، أن لديه النية بتشكيل جيش خاص للأمن (للقمع) في الضفة الغربية، وهذا سيكون أقرب إلى مليشيا رسمية عناصرها من غلاة اليمين والمستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية المعروفين بدمويتهم، وهي صلاحيات تتداخل مع صلاحيات جيش العدو، فيما يحذر وزير الدفاع بالحكومة الراحلة (غانتس) من خطورة الرجل لا على الضفة الغربية وحسب، وإنما على أمن "إسرائيل" القومي، (بن غفير) ومشاريعه تؤذن على أن الوضع سوف يتجه بالضفة الغربية نحو مواجهات دموية.

إن اللجوء إلى فائض العنف وبإدارة متطرف أحمق غير مكترث بالقانون وبالمجتمع الدولي، وربما يسعده في مجال تدعيم صورته وتزايد شعبيته، أن تستدعيه محاكم الجزاء أو غيرها من المحافل الدولية، فيما ترى أوساط السلطة الفلسطينية ومعها جهاز الأمن "الإسرائيلي" (الشاباك)، أن (بن غفير) وسلوكه العنيف سيمثل دافعا ومحركا لجماعات المقاومة في شمال الضفة، ومحرضا لمناطق أخرى من الضفة لتشكيل كتائبها واللحاق بركب المقاومة، مما يهدد الأمن "الإسرائيلي" ويزيد مكانة السلطة إرهاقا وتهالكا، وذلك هو المحظور.