Menu

الشذوذ الوطني أيديولوجيًا ونفسيًا

سلامة عبيد الزريعي 

تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة حالة ثورية تقلق الكيان الصهيوني يقابلها حالة من الشراسة والهمجية، تمارسها قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه ومصلحة إدارة السجون من قمع مستمر للأسرى والأسيرات البطلات في السجون الصهيونية وحالات الاعتقال والاختطاف للأسرى المحررين من بيوتهم، ذروة الهجمة المسعورة التي تشن على شعبنا إلى حد الإعدامات المباشرة في شوارع الضفة لدرجة أنها وثقت بعدسات الكاميرات على رؤوس الأشهاد، مقابل ما يحدث من لقاءات مع قوات الاحتلال بحثا عما يُسمى "بالقضايا الأمنية والمدنية وإجراءات بناء الثقة وتبادل التهاني والهدايا  !

تنطلق الحكومات الصهيونية من ثوابت أساسية، أبرزها تعزيز التنسيق الأمني والحفاظ على الاستقرار ومنع الإرهاب والعنف ومواصلة الاستيطان ورفض أي خيار سياسي يقوم على إقامة ليس دولة ــ محمية ــ فلسطينية، وخيارها فقط ما يسمى بالسلام الاقتصادي، لذلك الغرب الاستعماري يسعى دوما على زيادة حجم مساعداتها لمنع انهيارها، وزيادة منح تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين والتجار بالدخول إلى القدس والداخل الفلسطيني المحتل، سعيا لتبريد جبهة الضفة الغربية للتفرغ إلى جبهات أخرى.

إذا كانت الوطنية تعني الإجماع على قضايا نشترك فيها جميعا وتشكل حاله معنوية بعد تجذرها، عبر سنين من التاريخ والروح المجبولة بالحب والتآخي والتعاضد لمواجهه المصير المشترك حتى نصبح جسما واحدا، عبر الكد والمماحكة والاشتغال والتصاهر، فإن الخروج عن هذا الارتباط يعني شذوذا تفسيره يعود إلى حاله نفسيه شكلتها دوافع عقليه وأيديولوجيه وفكرية غاية في التعقيد وغاية في نفس يعقوب! فإن الشذوذ مُفارَقَةُ جَماعَةِ بالـخُرُوجِ وَمُـخَالَفَةِ الحَقِّ والصواب ومخالفة الصَّحِيحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وما الأيديولوجيا إلا مجموعة من الأفكار والمفاهيم والقيم المنتظمة، داخل إطار أو نسق معين وذات توجه خاص. تتشكل نتيجة ظروف اجتماعية أو سياسية أو ثقافية مُعينة أو كرد فعل تجاه أيديولوجيا أخرى مُعادية أو كرد فعل على أحداث مأساوية عنيفة أو محاولة اتخاذ وضعية دفاعية تجاه فكر أو مذهب أو حدث ما.

يسعى العدو جاهدا على استدراج الخصم للوقوف على نبضات تفكيره واختبار معنوياته لكي يبني ويراكم عليها مخططاته في ظل الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها جيشه ومستوطنيه بحق أبناء شعبنا في القرى والمدن والمُخيّمات ليل نهار، إذ يستمر الاحتلال في هدم البيوت وتشريد أهلها وقتل الأطفال على الحواجز بدمٍ باردٍ.

إن الأيديولوجيا الشاذة عن الإجماع الوطني، تمعن في الوهم والرهان على السراب تنكّرًا لدماء الشهداء وعذابات الأسرى وكل ضحايا الكيان وقواته، تتجاوز القرارات الوطنيّة الصادرة عن الهيئات الرسمية وعن الإجماع الوطني، كما تلجأ إلى التصريحات الوطنية والتهديدات لذر الرماد في العيون. إن الشذوذ الوطني لن يضيف لشعبنا وقضيته الوطنية إلا مزيداً من التغطية الرسمية لحكومة الاحتلال في الاستمرار بمزيدٍ من الاستيطان ومصادرة الأراضي والاستمرار في سياسة القتل والاعتقالات التي يقوم بها جيش الاحتلال، كما أن بيانات الاستنكار لن تجدي نفعاً إنما تشكل طعنة غادرة لنضال وتضحيات شعبنا الفلسطيني، فهذا هو سقف وخيار القيادة المهيمنة والمتفردة في القرار الفلسطيني، فهي لن تغادر نهج وخيار المفاوضات.

لماذا لم توحد الجهود وتشكل حالة وطنية وشعبية تعمل على التصدي للاحتلال وقطعان المستوطنين والعمل على تعزيز صمود المواطنين لتشكيل حالة ضاغطة كقاعدة للانطلاق من أجل العمل المشترك بما يخدم قضيتنا الوطنية ومشروعنا التحرري؟

إن سبل المواجهة، تقتضي تكاتف كل الجهود الوطنيّة من أجل وضع حدٍ لهذا الهبوط الذي يضر أولاً بالقضية الفلسطينيّة التي أعادت المقاومة فرضها أمام العالم كقضيّة تحررٍ وطني، وأكَّدت وحدة شعبنا ووفّرت أوسع حالة تضامن عربيّة ودوليّة معه، وبالتالي لا بد من رسم رؤيا وإستراتيجية فلسطينية تقومان على أساس الصمود و المقاومة، والبحث في كيفية استعادة القرار الفلسطيني من خلال إقامة جبهة وطنية عريضة أو ائتلاف فلسطيني شامل في الداخل والخارج، يتولى مهمة البحث في توحيد أوسع طيف فلسطيني من خلال جبهة إنقاذ وطني عريضة. لذا كان شعار المقاومة الذي طرحته الجبهة في ذكرى انطلاقتها ال55 عربون وفاء للشهداء، جديرا بالاصطفاف حوله والدفع به قدما زندا إلى زند وكتفا إلى كتف، أمام حالة الشذوذ الوطني أيديولوجيا ونفسيا.

التحية لكل أبناء شعبنا الذين يتوحدون في ساحات الاشتباك المتواصل مع الإرهاب والتطرف الصهيوني، التحية للأمهات الصابرات اللواتي حملن أبنائهن في أحشائهن وعلى أكتافهن شهداء فهذا هو العرس الفلسطيني الذي لا ينتهي إلا نصرا فألف تحية.

عاشت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذكرى انطلاقتها ال55

كل عام وهي مرفوعة الهامة حتى دحر الاحتلال وإقامة دولتنا الديمقراطية