Menu

الحكومةُ الصهيونيّةُ القادمةُ وأثرُها على السياسةِ الداخليّةِ والخارجيّةِ لدولة الاحتلال

حيدر العيلة

نشر هذا المقال في العدد 44 من مجلة الهدف الإلكترونية

انتهتْ جولةُ انتخابات الكنيست الصهيونيّ الخامسة والعشرين بهزيمةٍ واضحةٍ لمعسكر يسار الوسط وانتصار لمعسكر اليمين واليمين الديني المتطرّف، بزعامة الثعلب بنيامين نتنياهو، وقد أنهت هذه الانتخابات الأزمة السياسيّة والحكوميّة المتواصلة في دولة الكيان منذ أربع سنوات، لكنها في نفس الوقت أظهرت أن غالبية "الإسرائيليين" قالوا نعم كبيرة للتطرف والعنصرية بانتخابهم لأحزاب كاهانية عنصرية وإسقاط أحزاب وسطية ويسارية (بمفهومهم)، وانتخاب رئيس حكومة ملاحق في قضايا فساد جنائية، وهو ما يعكس توجهات إسرائيل في المرحلة القادمة.

وبقراءة سريعة لنتائج انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين، حصل معسكر نتنياهو على ٦٤ مقعدا، والتحالف المناهض لنتنياهو حصل على ٥١ مقعدا، وقائمة عودة والطيبي (المشتركة)، حصلت على ٥ مقاعد، وقائمة منصور عباس (الموحدة)، على 5 مقاعد، فيما لم تتجاوز قائمة ميرتس "اليسارية" وقائمة بلد العربية عتبة الحسم، رغم حصول الطرفين على ما يقارب ٢٨٥٠٠٠ صوت.

هذه الانتخابات التي جاءت بعد خمس جولات انتخابية سابقة من الفشل في تشكيل حكومة مستقرة، كشفت عن غياب تام لتمثيل اليسار الصهيوني القديم في الكنيست (ميرتس)، بزعامة زهافا غالئون ولأول مرة، وسقوط لحزب التجمع الوطني الديمقراطي العربي (بلد)، بزعامة سامي أبو شحادة، وبالمقابل صعود كبير لأحزاب يمينية عنصرية متطرفة، مثل: حزب (الصهيونية الدينية) و (القوة اليهودية)، بزعامة بتسلئيل سموترتش وايتمار بن غفير اللذان حصلا على ١٤ مقعدا، ما يقرب من نصف مليون صوت كثالث أكبر حزب بعد نتنياهو ولبيد، وبذلك سيكون لهما تمثيلا مركزيا في مطبخ الكابنيت "المجلس الوزاري المصغر"،  وسيطالبا بتسلم حقائب مهمة فب الحكومة القادمة كالداخلية والأمن وغيرها من الوزارات السيادية. وكما هو متوقع أوصت الأغلبية اليمينية رئيس الكيان هيرتسوغ بتزكية نتنياهو لتشكيل الحكومة، والأخير بدوره شرع فعليا في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مكونة من ثلاثة أحزاب يمينية دينية، إضافة لليكود الحاصل على ٣٢ مقعد وهي أحزاب الصهيونية الدينية الفائز الأكبر في هذه الانتخابات، بحصوله على ١٤ مقعدا، وحركة شاس الدينية ١١ مقعدا، ويهودية التوراة ٧ مقاعد، وبذلك ضمن نتنياهو ٦٤ مقعد كافية لنيل ثقة الكنيست، ولن يحتاج نتنياهو إلى التحالف مع الآخرين، الذين أعربوا بدورهم أيضا عن الرفض المطلق للمشاركة في حكومة نتنياهو القادمة. وقد وصفت صحيفة "هآرتس" قائمة حزب الصهيونية الدينية ثالث أكبر قوة برلمانية، بأنها شوهت المشروع الصهيوني وحولته من وطن قومي للشعب اليهودي إلى كيان فوق قومي-عرقي مسياني بروح كاهانية عنصرية.

وللدلالة على جنوح المجتمع الصهيوني ككل لليمين والتطرف، نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" استطلاع رأي للجمهور "الإسرائيلي"، أظهر أن ٨٥ % من الإسرائيليين راضين عن نتائج الانتخابات و ١٦ % فقط غير راضين. هذه التشكيلة اليمينية العنصرية المدعومة من مجتمع يجنح للتطرف المتزايد، أعتقد أنها ستدفع بممارساتها وسياساتها العدوانية إلى تأجيج الصراع والرفع من وتيرة المقاومة الفلسطينية، وسنشهد تغيرات دراماتيكية على مختلف الصعد المحلية والإقليمية والدولية.

على الصعيد المحلي

بعد صعود اليمين المتطرف سنشهد تصعيدا للصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" كما صرح الخبير الصهيوني "يسخاروف" الذي أكد أنه في حال تسلم سموتريتش وبن غفير حقائب سيادية والتقرير في سياسات الحكومة، فإنهما سيعمدا إلى تقوية وتشجيع غلاة المستوطنين المتطرفين وفتية التلال على زيادة التوسع الاستيطاني ونهب أكبر قدر من الأراضي العربية، وزيادة حملات اقتحام المسجد الأقصى والسماح للمتطرفين بأداء الطقوس الدينية التلمودية الاستفزازية في الحرم القدس ي، وسيكونا هم على رأس تلك الحملات، وكذلك سنشهد احتدام للصراع مع أهالي الشيخ جراح من أجل تنفيذ مخططهم القديم بطرد الفلسطينيين من منازلهم وتسليمها للمستوطنين، وهذا بحد ذاته سيشعل المنطقة وسيدفع قوى المقاومة في الضفة المحتلة إلى رفع وتيرة العمليات المسلحة وامتدادها من شمال الضفة إلى باقي أنحاء الضفة، وربما تنتقل إلى داخل الكيان نفسه، وكذلك احتمالية عالية بتدخل مقاومة غزة وإطلاق الصواريخ على المستوطنات الصهيونية، رغم حالة الهدوء النسبي على جبهة غزة وزيادة عدد تصاريح العمال العاملين داخل مناطق ال ٤٨، إلا أن قوى المقاومة في غزة لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تعلق الأمر بتغيير الوضع الراهن في القدس تحديدا، مما سيعطي الذريعة لحكومة المتطرفين بشن حرب برية في قطاع غزة، وليس بقصف جوي فقط في تغيير لقواعد المعادلة التي درجت خلال الفترة  الماضية.

على صعيد السلطة الفلسطينية: حكومة نتنياهو -كما كل الأحزاب الصهيونية- التي لا تؤمن بأي سلام أو مفاوضات، كما أن أطرافا عنصرية من هذه الحكومة تنادي بضرورة ضم الضفة الغربية، ستزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية، من أجل اضعافها أكثر، ومطالبتها بما هو أكثر من التنسيق الأمني دون أن تقدم لها ولو بارقة أمل طفيفة لحلول سياسية أو تفاوضية.

إن بقاء موقف السلطة الفلسطينية وفريق أبو مازن تحديدا في حالة من الرضوخ للضغوط الصهيونية والأمريكية والارتهان إلى مفاوضات عقيمة لا طائل من ورائها، دون أخذ العبر والدروس من السياسة الإسرائيلية، ومن جنوح المجتمع الصهيوني نحو اليمين والتطرف، والالتفات الى إصلاح البيت الداخلي الفلسطيني سيشكل كل ذلك نقطة فارقة في مستقبل السلطة وفي علاقاتها مع الكل الفلسطيني المقاوم، وإن استمرت السلطة والقيادة المتنفذة في م ت ف على ذات النهج المدمر، فإن الشعب الفلسطيني لن يصبر كثيرا على انحرافاتها ومغامراتها السياسية الضارة ومراهناتها على وهم المفاوضات التي يستخدمها العدو للغطاء على سياساته في مصادرة المزيد من الأراضي وتثبيتها كأمر واقع.

وفي المقارنة بين فترتين، فإن حكومة يمين الوسط واليسار التي ترأسها لبيد كانت أكثر سوءا من حكومة نتنياهو السابقة، فمعدل الاستيطان والبناء في الضفة قد ارتفع إلى ٦٢ % في النصف الثاني من عام ٢٠٢٢، حيث تم في فترة لبيد بناء ٢٨٧٦ وحدة استيطانية بالمقارنة مع حكومة نتنياهو ١٨٠٠ وحدة، وازدادت اقتحامات الأقصى من ٣٤٠٠٠ في زمن نتنياهو إلى ٤٢٠٠٠ في زمن حكومة لبيد، وكذلك الإعدامات في الضفة وإطلاق النار ومصادرة الأراضي واطباق الحصار على غزة... الخ.

وعلى صعيد الداخل المحتل، فإن الفلسطينيون القاطنين في المدن المختلطة والذين جاءت نتائج الانتخابات لتشكل تحديا وجوديا لهم، فإن أي شرارة يمكن أن تشعل الحريق كما حصل في الحرب الأخيرة على غزه، نظرا لشعور الفلسطينيين بحالة اليأس والقهر والعنصرية التي يواجهونها وتفشي الجريمة وهدم المباني والاستيلاء على الأراضي وانعدام المساواة في الحقوق التي يتبجح بها قادة الكيان.

أما على الجبهة الشمالية، أي الحدود مع لبنان و سوريا فهي في حالة معركة شبه دائمة، حيث تعتبر "إسرائيل" أن وجود حزب الله على الحدود الشمالية، بما يملكه من ترسانة عسكرية لا يستهان بها، خطرا وقنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في حال وقعت حرب مع قوى محور المقاومة، وبناء على هذه المعادلة وقعت لبنان وإسرائيل على الاتفاقية البحرية، والتي لا أعتقد أن حكومة نتنياهو-بن غفير يمكن أن تلجأ إلى إلغائها لأن البديل هو التصعيد غير المرغوب به في هذه الفترة تحديدا، رغم التصريحات الانتخابية لنتنياهو، وعلاوة على ذلك تقوم "إسرائيل" بضرب مراكز ومنشآت على الجبهة السورية في محاولة منها لمنع إنشاء مراكز تصنيع عسكرية واستخباراتية على الأراضي السورية، وهو استمرار للمعركة المفتوحة بين الحروب.

على الصعيد الإقليمي

العلاقة مع الدول العربية آخذة في التطور بما يخدم السياسة الإسرائيلية، وذلك بعد أن نجحت سياسة الكيان وبدعم كامل من الولايات المتحدة في إخضاع الدول العربية الواحدة تلو الأخرى وخاصة الخليجية بما يسمى الاتفاقات الابراهيمية والتطبيع، ولذلك؛ فإن السياسة الإسرائيلية تتجه نحو المزيد من الاخضاع لباقي الأنظمة العربية المطبعة من تحت الطاولة دون تقديم أية تنازلات للعرب والفلسطينيين أو حتى التجاوب مع خطة السلام العربية (الأرض مقابل السلام) واستبدالها بالسلام الاقتصادي، المملكة الأردنية لم تخفي انزعاجها من عودة نتنياهو لرئاسة الوزراء، وهذه المرة بمشاركة أحزاب يمينية متطرفة، والتي ستشكل مصدر قلق وتوترات، كما حدث في السابق، وبالذات في طرح مسألة التوطين والوطن البديل.

 الملف الإيراني: إسرائيل تضع التهديد النووي الإيراني على رأس سلم أولوياتها الأمنية، حيث تعتبره تهديدا وجوديا وخطرا داهما لا يمكن تغافله، وهي تعمل كل الوقت على صياغة استراتيجية عسكرية من أجل مهاجمة المفاعل الإيراني في حال فشل الحل الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، فما صرح به الليكودي المخضرم تساحي هنغبي يعكس حقيقة الأولوية للسياسات الأمنية الصهيونية تجاه إيران، حيث قال: "بأن بنيامين نتنياهو قد يأمر في أية لحظة وبالتنسيق مع الولايات المتحدة بضرب المفاعل النووي الإيراني" الذي أصبح أقرب من أي وقت مضى وصولا لتصنيع القنبلة النووية، وفي حال قيام إسرائيل بتنفيذ تهديداتها سنشهد حربا يمكن أن تمتد لساحات أخرى.

 العلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا

على الرغم من كل ما قيل حول تضرر العلاقات الامريكية الإسرائيلية في حال تسلم بن غفير وسموتريتش لوزارات سيادية أمنية، إلا أن دولة الكيان، التي تتمسك بالشراكة المصيرية مع الولايات المتحدة ستعمد إلى تحسين صورة اليمين الصهيوني وطمأنة الولايات المتحدة، وتبديد مخاوف الإدارة الديمقراطية الأمريكية، بأن "إسرائيل" غير معنية بأي ضرر للعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في هذا الوقت بالذات، وستحاول تحسين صورة بن غفير لدى الإدارة الأمريكية والمنظمات اليهودية.

ونقلت صحيفة هآرتس العبرية عن ريك جابكوبس رئيس اتحاد منظمات التيار الإصلاحي اليهودي، والتي تعتبر من أكبر مساندي "إسرائيل" في الولايات المتحدة قوله: إن ضم بن غفير إلى حكومة إسرائيلية هو كارثة وتضر بمكانة إسرائيل في الولايات المتحدة وبالقيم الديمقراطية المشتركة بين البلدين، ولن نستطيع الدفاع عن تلك الحكومة التي تضم أطرافا عنصرية كاهانية أمام الجمهور الامريكي

 على صعيد العلاقة مع روسيا، فإن تصريحات بعض أقطاب اليمين في دولة الكيان بإمكانية دعم أوكرانيا بمعدات وأنظمة دفاع جوي قد أغضبت المسؤولين الروس، وتحاول "إسرائيل" الحفاظ على السياسة المتبعة على حتى لا يؤدي ذلك إلى تغيير قواعد وحرية العمل في سوريا.

في الختام.. لقد أدرك كل من يحمل في رأسه عقلا راجحا أن كافة الحكومات الصهيونية (يمينها ويسارها) هي عبارة عن إفرازات لمجتمع صهيوني عنصري لا يؤمن بالسلام أو التسليم بأدنى حقوق للشعب الفلسطيني أو الموافقة على إنشاء دولة على أقل من ٢٢ % من أرض فلسطين التاريخية، وأن طريق المفاوضات العبثية أثبتت التجارب عدم جدواها، فهذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة، وكذلك العالم الظالم الداعم لإسرائيل لا يحترم الضعفاء والمتسولين، وكل من يعتقد بخلاف ذلك، إما أنه جاهل أو خادم لسياسة الأعداء.