Menu

القوميةَ المزعومةِ: هلْ الديانةُ اليهوديةُ والرابطُة العنصريةِ تجعلُ اليهودَ أمة واحدةً وتشكلُ قوميةً يهوديةً؟

سلامة عبيد الزريعي 

سلامة عبيد الزريعي

في الوقتِ الذي نشأَ فيهِ الاستعمارُ الصهيونيُ في فلسطينَ إبان التسابقَ المحمومَ و"التكالبَ على أفريقيا"، فكما تهافت على أفريقيا الأوروبيونَ منْ طلابِ الثراءِ والمستوطنينَ وبناة الإمبراطورياتِ، فقدْ تهافتَ على فلسطينَ - في تلكَ الفترةِ عينها - الصهيونيونَ منْ المستوطنينَ وبناة الدولِ المستجدينَ، وتأثرا منهمْ بمذهب القوميةَ الذي كانَ يجتاحُ أوروبا آنذاكَ، أصبحَ بعضُ اليهودِ يعتقدونَ أنَ الديانةَ اليهوديةَ والرابطةُ العنصريةُ المزعومةُ بينَ اليهودِ، تجعلَ منهمْ أمهُ واحدةً وتشكلَ "قوميةً" يهوديةً وتخلعَ على ما يسمى "الأمَة اليهوديةَ" الحقوقِ القوميةِ الطبيعيةِ، ومنها الحقُ في كيانٍ منفصلٍ يقومُ على أرضٍ خاصةٍ بهِ، وكذلكَ الحقُ في إقامهُ دولةً يهوديةً.   

 ولئنْ استطاعتْ الشعوبَ الأوروبيةَ أنْ تنجحَ في التوغلِ في آسيا وأفريقيا، فضمتْ إلى ممتلكاتها الإمبراطوريةِ أجزاءً هائلةً منْ هاتينِ القارتينِ، فإن "للأمهِ اليهوديةِ" الحقَ - كما زعموا لأنفسهمْ - في أنْ تفعلَ الشيءَ ذاتهُ وأنْ توفرِ القدرةِ على أنْ تفعلهُ. فإذا قادَ اليهودُ الفتوحاتِ الاستعماريةَ التي تمتْ على أيدي الأممِ التي كانَ اليهودُ يعيشونَ بينُ ظهرانيها، كانَ باستطاعةٍ، "آلامهُ اليهوديةُ" أنْ ترسلَ مستعمرينَ منْ أبنائها هيَ لاقتحامِ قطعةٍ منْ الأصقاع الأفريقيةَ أوْ الآسيويةِ - فتقيمُ جاليةً منْ المستوطنينَ، ثمَ تشيدُ فيها على مرِ الوقتِ دولةً تكونُ دولتها هيَ، على أنَ هذهِ الدولةِ لنْ تكونَ إقليما نهائيا تابعا للوطنِ الأمَ، بلْ تكونُ هيَ الوطنُ الأمَ: فتتقاطرُ عليها "آلامهُ اليهوديةُ"، بأسرها عاجلاً أمْ آجلاً منْ جميعِ أنحاءِ المعمورةِ.

وهكذا تحققُ "الأمُة اليهوديةُ" وجودها القوميَ عنْ طريقِ عمليةِ الاستعمارِ التي استخدمتها الأممُ الأوروبيةُ كوسيلةٍ لبناءِ الإمبراطورياتِ ومنْ ثمَ كانَ الاستعمارُ عندَ الصهيونيةِ، أداهُ لبناءِ الدولةِ القوميةِ، وليسَ وليدا لقوميةٍ قدْ سلفَ تحقيقها. 

راجع: فَايِزْ اَلصَّايِغْ، اَلِاسْتِعْمَارُ اَلصَّهْيُونِيُّ فِي فِلَسْطِينَ، دِرَاسَاتٌ فِلَسْطِينِيَّةٌ (1) منظمة التحرير الفلسطينية، مُرَكَّز اَلْأَبْحَاثِ، بَيْرُوت، تِشْرِينُ اَلثَّانِي، نُوفَمْبِرُ، 1965م.