ناقش الباحثون والمؤرخون وعلماء الدين أصول اليهود الأوربيين لقرون مضت، باستثناء المئة أسير يهودي الذين أحضروا إلى روما كعبيد في الفترة 66-7٣، لم يقدم الأدب الأوروبي معلومات حول ارتباط يهود أوروبا بفلسطين، أو حول وجود جماعي لليهود في أوروبا قبل القرن الحادي عشر.
العنصرية ضد اليهود ظاهرة غربية، لم تتعامل الثقافات الأخرى مع هذا الموضوع بالطريقة نفسها، قد تعود العنصرية ضد اليهود في الغرب لسبب الدين، ورفض المسيح، والصلب، هذا وقد تطورت الكراهية ضد "اليهود" وغير اليهود بأشكال مختلفة عبر مسار التاريخ.
كانت الحروب الصليبية الأربعة أحد هذه الأحداث الذي استهدف المسلمين في فلسطين، حيث أن الفظائع ارتكبت أيضًا ضد المسيحيين الفلسطينيين واليهود على حد سواء، وكانت المجازر الصليبية الفظة ضد المسلمين والمسيحيين العرب واليهود مبنية على عقيدة الهداية من أجل إنقاذهم من الجحيم، ورغم ذلك كانت معاناة اليهود أكثر الأشكال قساوة، والتي بلغت ذروتها في المحرقة النازي.
إن الظهور الأكثر وضوحًا لكراهية اليهود في أوروبا ابتدأ ما بين القرن الحادي عشر والثالث عشر والذي يمكن تفسيره أنه كان نتاج تزايد عدد اليهود في القارة الأوروبية، وهنا يطرح السؤال حول سبب النمو الملموس للسكان اليهود، خصوصًا بعد القرن الحادي عشر، وعلاقة ذلك بصعود وانهيار امبراطورية الخزر.
في أواخر القرن الثامن، قاد الملك بولان تحولًا لمملكته من الوثنية إلى اليهودية، وأصبحت مملكة بولان، الكيان اليهودي الأول في تاريخ شرقي أوروبا، وكانت هذه المملكة اليهودية المزدهرة، أطول وأكبر دوله يهودية موحدة في التاريخ، وقد حكمت هذه الدوله لعدة قرون منطقة القوقاز والتي شملتهم كذلك جنوب روسيا، وشبه جزيرة القرم، ومساحات شاسعة من أوكرانيا الحالية، بما ذلك كييف.
في القرن الحادي عشر، شهدت الإمبراطورية اليهودية هزيمتها الأولى في غزو مشترك بين روسيا وبيزنطية، وقد مثلت حرب 1016 نقطة تحول في بدايه الزوال التدريجي لهذه الإمبراطورية وبداية هجرة الخزريين غربًا، وبموازاة ذلك، ظهور العلاقة بين الزوال التدريجي للإمبراطورية اليهودية والنمو المتزايد لعدد اليهود في أوروبا.
عانت الإمبراطورية حالة موت بطيء لما يقارب 200 عام أخرى على أراضٍ زاد تقلصها بشكل مستمر، حتى انهارت تحت غزو المغول في العام 1224، حيث دمر الغزو المغولي خزاريا بشكل تام، مما دفع سكان الإمبراطورية للنزوح بشكلٍ جماعي في شرق وغرب أوروبا، وهكذا نشأ ما يسمى"الشتات اليهودي".
وقد ناقش المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند أصل اليهود الأوروبيين في تفصيل معمق لكتاب صدر له عام 2008 اسمه "اختراع الشعب اليهودي"، في البداية كان هدف ساند أن يكتب عن ما يسمى الشتات القسري لليهود من فلسطين التاريخية، ولكنه اندهش عندما وجد في بدايه بحثه الاستكشافي أنه لا توجد أدله تاريخيه تثبت قصه نفي لليهود من فلسطين، عندها تحول اهتمامه إلى مسار غير متوقع، حيث خلص إلى أن أصل اليهود في أوروبا الشرقية والوسطى يرجع إلى التحول الجماعي في الإمبراطورية الخزرية، وليس إلى يهود فلسطين.
وكانت هناك دراسة أخرى نشرت عن المرحلة نفسها لعالم الوراثة الإسرائيلي إيران الحايك من جامعة جون هوبكنز، حيث اكتشف العالم الإسرائيلي وفقًا للأدلة التجريبية الجينية التي نشرها في مجله لجامعة أوكسفورد في ديسمبر 2012: أن اليهود الأوروبيين يشتركون في بنية الجينات مع الإمبراطورية الخزرية القديمة، وليس يهود الشرق الأوسط. وقد أخبر الدكتور الحايك جريدة هارتز عام 2012: أن "غالبيه اليهود الأوروبيين لا يمتلكون جينات وراثية شرقية".
ولكن ماذا حدث ليهود العالم العربي؟
حول فرضية الطرد الرومانية، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن حكاية المنفى المفتعلة، قد روج لها المسيحيون الأوائل على أنها "عقاب إلهي" على اليهود لرفضهم المسيح، وعلى الرغم من رفض اليهود المتدينين لهذه الفكرة، إلا أن الصهيونية السياسية في أواخر القرن التاسع عشر تسامحت مع فكرة "العقوبة الإلهية" باعتبارها أداة لزعم علاقه اليهود الأوروبيين بفلسطين. ولكن النظرية الأكثر منطقية والتي يدعمها كتاب ساند، أن اليهود بقوا في المنطقة واختاروا الاندماج كجزء من التحولات الدينية التي حصلت في المنطقه، ولم يكن اليهود استثناء عن الآخرين الذين اندمجوا في الثقافة العربية والإسلامية المزدهرة في الجزء الأول من القرن السابع.
وكمثال على ذلك، هو اسم صهيون، الذي هو اسم مشترك لبعض العائلات الفلسطينية وهو مأخوذ من كلمه يهوديها، وهذه الأسماء ربما تشير إلى الأصل اليهودي لهذه العائلات.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد حافظ بعض اليهود على معتقداتهم مثلهم مثل المسيحيين العرب وبنوا مجتمعاتهم الثرية في أمكنة مختلفة مثل بغداد، ودمشق والقاهرة وبيروت وباقي المدن العربية.
وفي بيروت، أعرف شخصيًا عن حي اليهود في وادي أبو جميل، حيث عاش اليهود بسلام مع جيرانهم المسيحيين والمسلمين حتى بعد إقامة دولة الكيان الصهيونى، وكان الحي محميًا من قبل مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، خلال الحرب الأهلية في منتصف عام 1970، ولكن المؤسف أن الجميع غادر تقريبًا، بسبب التخويف الإسرائيلي بعد الاحتلال العسكري عام 1982 والانسحاب من العاصمة بيروت.
لقد أكدت الوراثة والتاريخ وعلم الأجناس والآثار، أن المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين لديهم تشابه في المكونات الجينية والوراثية مع اليهود الأصليين الذين هاجروا من بلاد ما بين النهرين إلى فلسطين قبل 3500 عام، أكثر من اليهود الأوروبيين.
وكما تحاول نظرية "الخلق الإلهي" أن تبرهن طبيعه خلق الإنسان، فإن نظريه "العقوبة الإلهية" لطرد اليهود في محاوله لشرح التاريخ، تفشل في اختبار الزمن والعلم، وهذا ليس مجرد رأي، ولكنه يمثل أيضًا النتائج التي توصل إليها عالمان إسرائيليان، أحدهما خبير في علم الوراثة والآخر بروفيسور في التاريخ..